الدكتور محمد الخمسي
يعتبر خطاب العرش لحظة تاريخية و زمن سياسي موجه للمغاربة، و محدد للأهمية و الاولويات التي ينتظم بها النظام السياسي و الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمغرب.
ولن نتناول في المقال الشق السياسي و الاقتصادي للخطاب، بقدر ما سنقف عند جملة من المفردات التي ميزت خطاب العرش، مفردات عميقة و قوية تدخل ضمن مفردات البناء السديد و الحكيم، مفردات توضح قوة البعد الأخلاقي والدين و الوطني في بناء الأمة المغربية حيث يقول جلالته؛
“لقد أنعم الله تعالى على بلادنا بالتلاحم الدائم، والتجاوب التلقائي، بين العرش والشعب”
فالتلاحم و التجاوب التلقائي هما علامتين على سلامة وقوة وتماسك الجبهة الداخلية، ثم يشير الخطاب الى ما أصبح سجية من سجايا المغاربة حيث يقول:
“والمغاربة معروفون، والحمد لله، بخصال الصدق و التفاؤل، وبالتسامح والانفتاح، والاعتزاز بتقاليدهم العريقة، وبالهوية الوطنية الموحدة.
هنا نجد الصدق احد المفاتيح التي ذكر بها الخطاب، ثم أكد على خصلة التفائل مع تسامح وانفتاح دون التنازل المغاربة عن تقاليد عريقة و هوية وطنية متميزة، التي أصبحت محل افتخار و انتماء.
أكد الخطاب ان الجدية و التفاني في العمل هما رافعتين لبناء المستقبل، وذلك عبر الإشارة لما أنجزه وينجزه المغرب. كما أشار الخطاب الملكي ان هذا الرصيد هو الذي يؤهلنا الى مواصلة مسار التنمية، و التقدم مع النضج، لانه طريق فتح الافاق وتحقيق الإصلاحات و المشاريع الكبرى ، بلغة أخرى لا يمكن ان نبني المغرب الا برصيده الأخلاقي، والثقافي المستحق، و المغاربة أهل له.
لقد أكد الخطاب في اول مضامينه الى المبادئ العملية والقيم الإنسانية. فالجدية حافز و مصعد لتجاوز التحديات، سياق طبعا يفرض توفير الظروف التي تتسلح بالجد و بالروح الوطنية، واعطى الملك المثال الحي بما حققه المنتخب الوطني في كأس العالم، تلك التجربة الإنسانية التي تمثلت فيها المفردات السابقة، و تحلت بها الأمة المغربية، حيث يستشهد جلالته بما قدمه الفريق الوطني، وهي شهادة وطنية بل عالمية لا غبار عليها. شهادة رافقتها أجمل صور حب الوطن، والوحدة والتلاحم العائلي والشعبي، مع ما رافق ذلك من مشاعر الفخر والاعتزاز، لدى جلالته ولدى كل مكونات الشعب المغربي.
أكد الخطاب مرة ثانية على قيم راسخة منها التشبت بالوحدة الوطنية و الترابية للبلاد؛ و صيانة الروابط الاجتماعية و العائلية من أجل مجتمع متضامن وةمتماسك؛ بمعنى ان الجبهة الداخلية تقف على أرض صلبة، قوية، ضاربة في جدور التاريخ ، هذه المبادئ تعتمد الأخلاق والايمان و القيم العظيمة التي تبنى بها الاوطان و يصنع بها التاريخ، و هو امر أنهى به الخطاب، من خلال الإشارة إلى اليد الممدودة بتفائل ان تعد الامور الى رشدها، اي الى طبيعتها مع الجارة الشقيقة، اذ يؤكد الخطاب في تعبير إمارة المؤمنين :
“ونسأل الله تعالى أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فـتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين، جاعلا من قوله تعالى:
“إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، إنا لا نضيع أجر مـن أحسن عملا”. خير الختام لخطاب، تميز بالتأكيد على مجموعة من القيم النبيلة والسامية التي تبنى بها الاوطان وتسود الامم.