حسام كنفاني
بعد أكثر من ثلاثة أشهر على انطلاق التطبيع العربي مع النظام السوري خلال القمة العربية في جدّة في مايو/ أيار الماضي، تشير كل المعطيات إلى أن هناك توجّهاً إلى مراجعة الانفتاح على نظام الأسد، بعدما ظهر أن حاصل كل ما جرى الحديث عنه والتفاهم عليه جاء “صفرياً”، بل سارت الأمور نحو الأسوأ منذ عودة نظام الأسد إلى “حضن الجامعة العربية” على مستوياتٍ كثيرة.
من المعلوم أن دولا عربية كثيرة، وفي مقدّمتها دول كانت متحمّسة للتطبيع مع النظام السوري، كانت تضع شروطاً على الأسد أن يطبقها من أجل المضي أكثر في مسار الانفتاح على دمشق لاستعادة دورها العربي. في مقدّمة هذه الشروط إعادة اللاجئين وإطلاق بعض المعتقلين من سجون النظام، والأهم العمل على وقف تهريب الكبتاغون من سورية إلى الأردن وبعض دول الخليج العربي. لكن النظام تجاهل كلّ هذه الشروط، حتى أنّ أياً من مسؤوليه لم يتحدّث صراحة عن مطالب عربية وُضعت على الطاولة السورية لتلبيتها، بل جرى اعتبار عودة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية تحصيل حاصل، ومساراً لا بد منه، وحتى أنه اعتراف متأخرٌ من الدول العربية بـ”خطيئة” عزل النظام بعد الثورة ضد الأسد.
في أحدث ظهور له على إحدى الشاشات العربية، وهي سابقة منذ اندلاع الثورة، وجّه رأس النظام السوري، بشار الأسد، مجموعة من الرسائل، يمكن أن تندرج ضمن خانة الابتزاز، وردّ بشكل غير مباشر على بعض المطالب العربية. ففي ما يخصّ مسألة إعادة اللاجئين إلى سورية، استنكر الأسد إمكان عودة المواطنين من دون تأمين البنية التحتية لهم، فبحسب تعبيره “كيف يمكن للاجئ أن يعود من دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس لأبنائه ولا صحّة للعلاج”. رسالة من الواضح أنها تشترط مساهمة عربية، ستكون كبيرة، في “إعادة الإعمار” لكي يتمكّن النظام من إعادة اللاجئين. إلا أن هذا لا يعني أنه سيقوم بذلك، حتى لو تم الإعمار، فالأسد ونظامه مرتاحان نسبياً إلى “الكتلة المتجانسة” التي تشكلت بعد قتل السوريين المعارضين وتهجيرهم، ولا ينويان “تشويه هذا التجانس”.
حتى في حديثه عن عودة علاقات النظام مع الدول العربية، بدا واضحاً أن الأسد غير متحمّس لها، وقال إن “العلاقة مع الدول العربية ستبقى شكلية، والجامعة العربية لم تتحوّل إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي”، فالنظام السوري لم يكون يوماً متعجّلاً في استعادة العلاقات مع الدول العربية، بل كان ينتظر هرولة هذه الدول نحوه، وهو ما حصل ومن دون سبب واضح أو مقابل يمكن أن يقدّمه النظام، بل على العكس، ها هو الأسد يتعامل بتعالٍ مع تطبيعٍ كهذا، ويريد أن يقبض ثمنه نقداً من دون أن يقدّم شيئاً في المقابل.
ولم يكتف النظام بعدم إبداء أي تعاون مع الانفتاح العربي، بل تمادى في الأشهر الثلاثة الأخيرة في المضي بعكس كل ما كان مطلوباً منه، فبحسب مجلة فورين بوليسي التي نشرت تقريراً قبل أسبوع عن نتائج التطبيع مع الأسد، بعنوان “التطبيع زاد الأمر سوءاً”، فإن النظام صعّد اعتداءاته، وقتل 150 شخصاً في مناطق متعدّدة في الفترة اللاحقة للتطبيع العربي، كما أن الأسد أبلغ الأمم المتحدة بأنه “لا ينوي إعادة التواصل مع اللجنة الدستورية التي تديرها الأمم المتحدة أو في أي خطوة من أجل عملية التفاوض، سواء بتنسيق من الأمم المتحدة أو دول المنطقة”. أما في ما يتعلق بتجارة الكبتاغون، وهي واحدة من الأحجار الأساسية في عملية التطبيع العربي مع الأسد، لم يبد النظام أي تحرك لوقفها أو ضبطها، وهي التي تدرّ عليها مليارات الدولارات، بل باتت دول الجوار، وفي مقدّمتها الأردن، مضطرة إلى التدخل عسكرياً في بعض الأحيان لوقف التهريب.
بناء عليه، ليس حاصل التطبيع العربي مجرّد “صفر” بل بات في “السالب”، وهو ما تلقفته الدول العربية. وبحسب المعلومات، فإن تجميداً للتطبيع حصل، وهو ما يفسّر توقف اجتماعات عمّان، وتجري الآن مراجعة الخطوات تجاه النظام، والقيام بخطوات في اتجاه آخر.