د.محمد عمر أحمد
باحثٌ وقاضٍ من الصومال
في مطلع اليقظة الاسلامية سادت عقلية الشك والقطيعة لأن الصحوة نفسها كانت رد فعل للاستعمار الغربي.
ولهذا السبب كان التوجس والتشدد ازاء كل ما يأتي من الغرب من أفكار ونظريات هو سيد الموقف، وصار يرضي الذوق العام للجمهور .
وفي مجال الفتوى كان التحريم يشمل قائمة كبيرة، منها الالتحاق بالتعليم الأجنبي ، والتجنس بجنسياتهم، والانتخابات، والدخول في مجالس البرلمانات، ومشاركة المرأة في الانتخابات، والأفلام والأناشيد والتلفاز والمذياع ، والكرة، ودراسة القوانين، وعمل المرأة ، وتنظيم الأسرة، ومجالات كثيرة في أبواب المعاملات، ولكن الزمن والتفاعل والحوار أصبح علاجا وتراجع عن فتاويهم كثيرون.
لما تقرر عند المسلمين فضل السلف لورود الأدلة بذلك ظن كثيرون أن المطلوب هو استعادة تلك العصور بكل حذافيرها، مع أن اعادة انتاج ظروف حياتهم ليس من الإمكان بمكان، بل ومن الأغلال والاصار .
وكانت سمة هذه المرحلة أن الفقهاء لم يتصدروا وانما غلب عليها الوعَّاظ ومن يسمون بالمفكرين من أصحاب الحماس والتعبئة الأيدلوجية.
ووجد من رجال الفقه قليلي البصر بالواقع وفقه العمران فجاءت فتاواهم بعيدة عن المنطق وغريبة عن الواقع ولذا سرعان ما حصل التراجع عن أكثرها.
في المرحلة الراهنة لا مكان لأصحاب الحماس ورجال المواعيظ والبكاء، وانما الصدارة لأهل الفقه والأصول المتسلحين بالمنهجية العلمية والمؤمنين بأن الحوار الحضاري يتطلبُ التفاعل والتدافع وليس التقوقع والانزواء.
العالم الاسلامي لا ينتظر من علمائه من يخوِّفه من كل شيء، ومن يحذِّره كل معاملة،ومن يغلِّبُ جانب الاحتياط في كل جديد، بل يحتاج الى مجتهدين جامعين بين فقه النص وفهم الواقع ومقاصد الشرع ومتطلبات الواقع.
ومن الجوانب التي تتطلب مزيدا من الاجتهاد ميدان السياسة الشرعية ، وميدان التشريع والحكم وقضايا الأسرة والمرأة، والعلاقات الدولية –دار الحرب ودار الإسلام- والعلاقة مع غير المسلمين، والجهاد، والتعايش والمواطنة، وليس في ميادين قتلت بحثا ولا تحتاج الى مزيد من الاجتهاد كأبواب العبادات فرفع اليدين وارسالهما لا يغير من واقع الفرد والدولة والعمل والصراع شيئا.
ولذلك فليست كل الاجتهادات المعاصرة تمييعا ومسايرة مع ضغط الثقافة الغربية والنظام الدولي، فهناك من الاجتهادات ما يبدو غريبا في بادي الرأي ولكنه سيحتفظ بقوته على مر الأيام المقبلة..