هذه المقالة نشرت على موقع The New Republic بتاريخ 24 نوفمبر 2023؛ للكاتب الصحفي الأمريكي سام روسك عن تقرير مثير وخطير تحت عنوان “المختبر الفلسطيني: كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم” للكاتب اليهودي أنتوني لوينشتاين (شهد شاهد من اهلها) الذي يوثق لحقائق سياسية وحربية وتجسسية للكيان الإسرائيلي، بحيث اعتبر التقرير مرجعا في التاريخ الإجرامي لهذا الكيان العنصري الذي يقوم بإبادة جماعية لغزة التي يعتبرها مختبر تجارب أسلحته الفتاكة. وهذا يشكل صدمة ليهود العالم وبالأخص الامريكيين المتعاطفين مع “إسرائيل”، بعيدا عن اللوبيات الصهيونية.
وقد تمت ترجمته إلى الفرنسية من طرف الموقع الفرنسي A l’Encontre
ترجمه من الفرنسية إلى العربية د. مصطفى الطالب
1 لقد كانت إبادة جماعية حاول العديد من زعماء العالم تجاهلها. في ربيع عام 1994، وتحت ستار الحرب، بدأ متطرفو الهوتو في رواندا بإبادة السكان التوتسي المحيطين بهم، مما أسفر عن مقتل أكثر من 800 ألف مدني وإجبار ما يقدر بنحو مليوني شخص على الفرار من البلاد. وفي بداية هذه الحملة القاتلة التي استمرت مائة يوم، لم تشجع الأمم المتحدة أي تدخل دولي واصفة إياها بأنها “صراع داخلي”.
ولكن عندما أدرك الرأي العام الغربي ما يحدث، أرسلت العديد من الدول بعض المساعدات. في ذلك الصيف، طلب الرئيس بيل كلينتون – الذي كان يتباطأ على الرغم من تحذيرات السفارة الأمريكية المحلية من مذابح وشيكة – من الكونجرس مساعدات بقيمة 320 مليون دولار.
وصل يوسي ساريد، وزير البيئة الإسرائيلي (من 1992 إلى 1996 – عضو ميريتس)، إلى رواندا برفقة وفد طبي لمساعدة الناجين. وفقًا للصحفي أنتوني لوينشتاين، فإن نهج يوسي ساريد لم يكن سوى واجهة، لأنه “قبل وأثناء الإبادة الجماعية”، وحتى بعد الحظر الذي فرضته معظم الدول، أرسلت الحكومة الإسرائيلية أسلحة إلى قوات الهوتو(مدافع رشاشة أوزو و بنادق جليل الهجومية وقنابل يدوية وذخائر) في عدة شحنات تبلغ قيمتها الملايين من الدولارات. لم تكن هذه هي المرة الأولى ولا الأخيرة التي تقع فيها الأسلحة والمعدات التكنولوجية الإسرائيلية في أيدي شريرة.
في تقريره المثير “المختبر الفلسطيني: كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم” (فيرسو، مايو/أيار 2023)، يستعرض أنتوني لوينشتاين صادرات إسرائيل من العتاد الحربي الحديث إلى المجلس العسكري الفاشي لأوغستو بينوشيه في تشيلي، وشاه إيران المستبد، ومرتكبو الإبادة الجماعية في غواتيمالا (حيث دعا الجناح اليميني في البلاد علناً إلى “فلسطنة” سكان المايا الأصليين – بين عامي 1981 و1983)، ومؤخراً الأنظمة الاستبدادية…
2 في عام 2022، سيطرت الولايات المتحدة على حوالي 40% من صادرات الأسلحة العالمية، أي ما يقرب من خمسة أضعاف أي دولة أخرى. لكن إسرائيل وهي دولة في “صحراء” أصغر من ولاية ماساتشوستس، تُصنف أيضًا بين أكبر عشر دول مصدرة للأسلحة في العالم. في السنوات الأخيرة، تفاخرت بزيادة قياسية في حصتها في السوق، والتي تصل إلى مليارات الدولارات.
ويشير أنتوني لوينشتاين إلى أن “إسرائيل تكاد تكون الوحيدة بين الديمقراطيات التي تصف نفسها بنفسها في عدم إدانة الفظائع المرتكبة في جميع أنحاء العالم أو فرض عقوبات عليها”. تبيع إسرائيل لأي شخص تقريبا، مع عروض مبيعات مثيرة للقلق: معداتهم “تم اختبارها في المعركة”، و”ثبتت كفاءتها ميدانيا” (إشارة إلى إعلانات شركة Elbit Systems، وهي شركة تأسست عام 1967، ومقرها في حيفا) – تم تجميعها للاستخدام في حصار غزة واحتلال الضفة الغربية، ثم بيعت في جميع أنحاء العالم. تستخدم المقاطع الترويجية أحيانًا مقاطع فيديو فعلية لضربات الطائرات بدون طيار على أهداف عسكرية.
وقال أندرو فاينشتاين، الخبير في صناعة الأسلحة غير المشروعة، الذي قرر أن إحدى المقاطع المصورة من الأعلى تظهر عددًا من الأطفال الفلسطينيين القتلى: “لا تجرؤ أي دولة أخرى منتجة للأسلحة على عرض مثل هذه الصور”.
عندما نُشر كتاب أنتوني لوينشتاين في مايو 2023، لم يحظ بتغطية إعلامية كبيرة. لكنه عرف دفعة جديدة في سياق الحرب المستمرة (…) فإن الكثير من المعلومات الواردة في هذا الكتاب ذات نبرة تنبؤية. في الغرب، يقول لوينشتاين، يُنظر إلى إسرائيل على أنها “ديمقراطية مزدهرة وإن كانت محاصرة” متحالفة مع الولايات المتحدة ضد التطرف. ولكن إذا نظرت إلى ما هو أبعد من الخطاب، فسوف ترى بدلاً من ذلك دولة عرقية متحاربة لها مصلحة راسخة في تسليح وتدريب دول عرقية أخرى متحاربة ــ وهو التعايش المظلم الذي يتم الحفاظ عليه باسم الضرورة الجيوسياسية والمصالح الاقتصادية.
“يستطيع أصدقاؤنا القتل والتشويه مع الإفلات من العقاب”، يكتب أنتوني لوينشتاين، في إشارة إلى أصدقاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة: المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل. في 21 من نوفمبر/تشرين الثاني، أتاحت اتفاقية تبادل الرهائن تعليق الحصار الإسرائيلي على غزة لمدة أربعة أيام على الأقل، ولكن نهاية الحرب لم تكن واضحة على الإطلاق. مع شعور الناس في جميع أنحاء العالم بأن العالم أصبح أكثر خطورة، نمت صناعات الحرب الحديثة جنبًا إلى جنب مع عدد الحكومات القومية، ناهيك عن اللاجئين الذين تعيدهم. وبعيداً عن خطتها المفترضة لاحتواء فلسطين، ترى إسرائيل أن الدور الذي تلعبه في تسليح المستبدين ووكالات الحدود (فرونتكس على سبيل المثال) وفي إنتاج برامج التجسس يشكل ضرورة أساسية لاستمرار وجودها، تماماً كما تساعد التكنولوجيا ذاتها الدول الأخرى على تحقيق أهدافها العملية: “الأمن” – مهما كان دمويا – في عالم يتسم باللاستقرار المطرد.
3 كيف يمكننا تلخيص ما يقرب من قرن من الصراع ومفاوضات السلام بين الصهاينة والفلسطينيين (التصنيع والطرد للفلسطينيين)، وولادة “نظام دولي قائم على القواعد”، والحرب والاحتلال وازدهار صناعات الدوت كوم؟
للقيام بذلك، يبدأ أنتوني لوينشتاين بسرد قصته الخاصة. نشأ وترعرع في مجتمع “صهيوني ليبرالي” في ملبورن – فر أجداده من النازيين في عام 1939 ووصلوا إلى أستراليا كلاجئين – لكنه شعر بعدم الارتياح أمام “العنصرية الصريحة التي سمعها تجاه الفلسطينيين والدعم غير المشروط لجميع التدخلات الإسرائيلية”. وقد دفعه هذا الانزعاج إلى الاهتمام بإسرائيل، التي غطاها لأكثر من عشر سنوات، وعاش في إسرائيل بشكل متقطع. ويتذكر قائلاً: “من المنطقي أن ننظر إلى إسرائيل باعتبارها ملاذاً آمناً للشعب اليهودي في حالة نشوب صراع مستقبلي”، لكن أمن رجل هو بمثابة ناقوس موت رجل آخر.
في عام 2021، قال إيلي بينكو، المدير السابق والأول لوكالة مراقبة الصادرات الدفاعية الإسرائيلية: “إما الحقوق المدنية في بلد ما أو حق إسرائيل في الوجود. أود أن يواجه كل واحد منكم هذه المعضلة ويقول: لا، سندافع عن حقوق الإنسان في البلد الآخر”. وبهذه الروح، سارع الاقتصاد الإسرائيلي إلى “التخلي عن البرتقال لصالح الرمان”، كما لاحظ أحد النقاد. فبعد حرب الأيام الستة في عام 1967، عندما شنت الدولة التي كانت تبلغ من العمر 19 عاماً هجوماً وقائياً على جيرانها ــ والاستيلاء على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان ــ بدأ عصر جديد من السياسة الإسرائيلية.
وفقاً لأنطوني لوينشتاين، فإن هذه المبادرات وضعت البلاد “على مسار عسكري لم يتوقف أبداً”، على الرغم من أن إسرائيل، لكي نكون منصفين، لم تكن وحدها على هذا المسار.
قبل ست سنوات من ذلك، حذر دوايت أيزنهاور من مخاطر المجمع الصناعي العسكري الأمريكي في خطاب وداعه (17 يناير 1961). ومن الخطأ أن ننظر إلى هذا المصطلح الأجوف على أنه يمثل مشكلة وطنية. بل إن هاتين العقدتين ـ الأميركية والإسرائيلية ـ تطورتا بشكل مترابط ضمن نظام أكبر.
جنوب إفريقيا [الميزالعنصري] وقفت إلى جانبهم. مع ذلك يشعر بعض الخبراء بالغضب عندما يقارن النقاد إسرائيل الحديثة بدولة الميزالعنصري السابقة، مشيرين إلى خصائص مختلفة. لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن إسرائيل أبرمت في السبعينيات اتفاقية عسكرية وأمنية مع جنوب أفريقيا استمرت سراً لعقود من الزمن. وقد كتب مؤخرا أنطون ليل، رئيس مكتب وزارة الخارجية الإسرائيلية في جنوب إفريقيا خلال الثمانينيات، أن إسرائيل “أنشأت صناعة الأسلحة في جنوب إفريقيا”، في المقابل ساهمت جنوب إفريقيا في تمويل التكنولوجيا الإسرائيلية.
“عندما كنا نطور الأشياء معًا، كنا نقدم عموما الخبرة وكانوا يعطوننا المال. هذه الشراكة سمحت لإسرائيل [بالإضافة إلى تواطؤ فرنسا] بتطوير ترسانتها النووية”، يوضح أنتوني لوينشتاين؛ وأصبحت الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة نووية خاصة بها. (على الرغم من دعوات جماعات منع الانتشار النووي، تسمح الولايات المتحدة لتركيا [العضو في حلف شمال الأطلسي] بالاحتفاظ بحوالي خمسين سلاحًا نوويًا، على مرمى حجر من روسيا وإيران).
كانت إسرائيل آخر دولة في العالم (إلى جانب سويسرا) تحافظ على علاقات وثيقة مع نظام الميزالعنصري. ويشرح دليل حكومي قديم لجنوب أفريقيا ما يربط البلدين «قبل كل شيء»: فكلاهما «يقعان في عالم يغلب عليه العداء، وتسكنه شعوب ذات بشرة داكنة».
بعد عقود، وبعد أن فوجئ بميكروفون مفتوح، ردد نتنياهو هذا الشعور خلال اجتماع [في يوليو 2018] مع رئيس الوزراء المجري اليميني المتطرف فيكتور أوربان: “أوروبا تنتهي في إسرائيل. إلى شرق إسرائيل، لم تعد هناك أوروبا”.
خلال المحادثة نفسها، انتقد نتنياهو الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأكبر لإسرائيل، لوضعه شروطا مخجلة على التجارة لتشجيع محادثات السلام مع الفلسطينيين – وهي الشروط التي لم تمنع الاتحاد الأوروبي من الاعتماد بشكل متزايد على التكنولوجيا الإسرائيلية لمراقبة الحدود[1]، التي تكشل مع ذلك صفعة على وجه نتنياهو. ولكن مهما كانت تحفظات بعض الساسة الأوروبيين بشأن معاملة إسرائيل للفلسطينيين، فإن الاتحاد الأوروبي لم يجد صعوبة في تبرير استخدام تكنولوجيا مراقبة الحدود الإسرائيلية ضد المهاجرين، وخاصة القادمين من سوريا وليبيا وأفغانستان. وفي الآونة الأخيرة، قامت دول مثل ألمانيا بزيادة مبيعات الأسلحة لإسرائيل لدعم جهودها الحربية. يقول أنتوني لوينشتاين: “لقد كان الفلسطينيون بمثابة فئران تجارب للتكنولوجيا والمراقبة الإسرائيلية”. واعتبر الاتحاد الأوروبي أدوات “الاحتواء” هاته “نجاحا يمكن تكراره على أراضيه”.
4 الشيء نفسه ينطبق على الولايات المتحدة. اليوم، تُستخدم أدوات المراقبة الإسرائيلية على حدودنا مع المكسيك (وحدود غواتيمالا مع الهندوراس) لوقف وقمع المهاجرين من أميركا الوسطى والجنوبية. والحقيقة أن إسرائيل، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أصبحت بمثابة النجم القطبي في العديد من السياسات الأميركية. وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2001، كتبت وكالة المخابرات المركزية ( سي إي إي) مذكرة حول “المثال الإسرائيلي” كأساس محتمل للقول بأن “التعذيب كان ضرورياً”. فإسرائيل هي أيضًا واحدة من حوالي 20 دولة ساعدت في نقل معتقلي الحرب على الإرهاب إلى المواقع السرية لوكالة المخابرات المركزية.
ومع ذلك، فإن العلاقات بين البلدين أكثر تعارضاً مما قد يتصوره المرء. وهذا ما توضحه تسريبات إدوارد سنودن من وكالة الأمن القومي (NSA). في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على سبيل المثال، وفي الوقت الذي كانت فيه وكالة الأمن القومي ترسل رسائل البريد إلكتروني ومكالمات هاتفية خاصة من الفلسطينيين والعرب الأمريكيين إلى الحكومة الإسرائيلية – مما أدى بأقاربهم الذين يعيشون في فلسطين المحتلة إلى أن يصبحوا “أهدافا” محتملة (كما كتب لوينشتاين)، وثائق أخرى تظهر أن العملاء يعتقدون أن تحالفنا كان “مشكلة مستمرة”، “ويمكن القول إنها تميل بشدة لصالح المخاوف الأمنية الإسرائيلية”. ونظراً لحماسة الدولة الأمنية الأمريكية بعد 11 سبتمبر، فقد تسبب هذا الوضع في إثارة غضب كبير. ويواصل التقرير: “رغم ذلك، فإن بقاء دولة إسرائيل هو الهدف الأساسي للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط”.
هناك وثائق أخرى سرية للغاية تصف إسرائيل بأنها ” ثالث جهاز مخبارات أكثرعدوانية ضد الولايات المتحدة “، إلى جانب الصين وإيران وروسيا. الوثائق تعكس قلق الولايات المتحدة المتزايد بشأن قدرات إسرائيل في مجال الحرب السيبرناتية، فضلاً عن “قضايا الثقة” التي تؤثر على العلاقات بين الجهازين. وحتى اليوم، نواصل استبعاد ما يسمى بـ “الحليف الأكبر” من تحالف “العيون الخمس” بين الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا وأستراليا والمملكة المتحدة (التعاون العسكري أوكوس)؛ وهي اتفاقية لتقاسم المعلومات الاستخباراتية يصفها لوينشتاين بأنها “الأكثر سرية وتدخلاً” في العالم ــ ربما لأسباب وجيهة.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، اتخذت إدارة بايدن خطوة نادرة تتمثل في إدراج شركتي مراقبة إسرائيليتين، NSO Group وCandiru، (الشركة الشقيقة لـ NSO Group)، في القائمة السوداء، والتي لها علاقات وثيقة مع الدولة الإسرائيلية. شركة NSO على وجه الخصوص، وبرامج التجسس التابعة لها Pegasus، والتي يمكنها جمع كل شيء تقريبًا على هاتفك عن بعد وبسرية، وجدت نفسها في مأزق بعد أن تم تعقبها وراء الاغتيال الوحشي لجمال خاشقجي (اشترى السعوديون Pegasus بموافقة السلطات الإسرائيلية في عام 2017). ) ووراء اضطهاد الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان حول العالم.
وعلى الرغم من أن قرار بايدن لاقى استحسانًا، يشير لوينشتاين يشير إلى أن السبب المحتمل وراء ذلك هو أن “شركة إسرائيلية كانت تتعدى على التفوق التكنولوجي الأمريكي”. ومن المفارقات أن شركة NSO قامت مؤخرًا بتعيين لوبي ضغط جديد في واشنطن: ستيوارت بيكر، المدير السابق للشؤون القانونية في وكالة الأمن القومي.
5 إذا كنت تعرف أين يتجه نظرك، فإن التحالف بين بلدينا يبدو متوتراً للغاية، على الرغم من الادعاءات التي تقول عكس ذلك. غير أنه لا يزال هناك بعض التفاهم.
“المختبر الفلسطيني” هو كتاب مرجعي لا يقدر بثمن حول كيفية تمكين الغرب لسياسة الاحتلال الإسرائيلية ومبيعات الأسلحة، وكيف تسمح إسرائيل للغرب بعسكرة حدوده، والرقابة الدقيقة المطلوبة – الخطابية والحرفية على حد سواء – من أجل الحفاظ على هذا التوازن والذي من خلاله يعتبر أعداءنا وحدهم معاديين، وينجو أصدقاؤنا تقريبًا سالمين من جميع الانتهاكات. (يوضح لوينشتاين أيضًا كيف تتتبع شركات المراقبة الإسرائيلية وسائل التواصل الاجتماعي بدقة، وتضغط على شركات مثل فيسبوك لفرض رقابة على كلمات رئيسية مثل “المقاومة” و”الشهيد”…
“السيناريو الأسوأ” كما يستنتج لوينشتاين هو “التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني المحتل، أو نقل السكان، والطرد القسري تحت ستار الأمن القومي”. وهذا بالضبط ما نشهده اليوم، مع مقتل أكثر من 11 ألف شخص (في وقت كتابة هذا التقرير) في غزة، والإخلاء المستمر لمنطقتها الشمالية بأمر من إسرائيل. يوم الأربعاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد التوصل إلى هدنة قصيرة مع حماس، قال نتنياهو للصحفيين إنه: “من السخافة القول” إن القتال سيتوقف بعد عودة الرهائن، مشددا على أن ذلك كان مجرد مرحلة من “المراحل” العديدة للحرب.
وفي منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، فيما يمكن أن نعتبره ملحقًا لكتابه، ظهر لوينشتاين في موقع الديمقراطية الآن! [استضافته إيمي جودمان] لمناقشة الحرب المستمرة. وقال: “إن إسرائيل، بينما نتحدث الآن، تختبر بالفعل أسلحة جديدة في غزة”. ومن المرجح أنه كان يشير إلى قذيفة هاون جديدة موجهة بالليزر ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) تسمى «Iron Sting» “اللدغة الحديدية”، من صنع شركة Elbit Systems الإسرائيلية. وهي الشركة نفسها التي ساعدت، بموافقة الحكومة، على عسكرة الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، والتي قامت أيضا بتسليح المجلس العسكري في ميانمار حتى بعد انقلابه العنيف [فبراير 2021]، والتي دعمت التطهير العرقي في أذربيجان بأحدث الطائرات بدون طيار(درون)… وبعبارة أكثر بساطة، فإن أصدقائنا لم يخلدوا إلى السكون.
—————-
‘ [1] أشار مرصد الشركات المتعددة الجنسيات، في مقال بتاريخ 23 فبراير 2017، بقلم غيوم بيترون، إلى أن: “أزمة الهجرة الأوروبية كشفت عن وجود صناعة عملاقة لأمن الحدود. وفي عام 2016، مثلت سوقًا عالميًا سنويًا بقيمة 18 مليار دولار (16.9 مليار يورو) ومن المتوقع أن يصل إجماليها بحلول عام 2022 إلى 53 مليار دولار (49.8 مليار يورو). فمن الرغبة في تثبيط الهجرة إلى مكافحة الاتجار أو الإرهاب أو القرصنة، فإن “التهديدات” على الحدود متعددة، وتشكل كل المبررات للإنفاق الإضافي. نعمة لمصنعي الأمن، الأميركيين والإسرائيليين في المقدمة”. (في المقال)