الدوحة قطر :ذ.عبد الله مشنون
التقت “إيطاليا تلغراف الأوروبية” بفضيلة الدكتور جاسم سلطان في دولة قطر، حيث حفاوة الاستقبال وعمق النقاش وثراء الفكر، فكان هذا الحوار مع فضيلته، مشكورا، بخصوص بعض القضايا التي تهم الامة العربية والإسلامية.
كتقديم مختصر لسيرة هذا الكاتب والمفكر القطري الكبير، فقد كانت ولادة الدكتور جاسم سلطان سنة 1953 ونشاته في وقت عرف فيه الوطن العربي والإسلامي مخاضات فكرية واجتماعية وسياسية عسيرة، بدأ مشواره المهني بحصوله على شهادة البكالوريوس في الطب، فعمل مديرًا للخدمات الطبية بمؤسسة قطر للبترول ثم خبيرا استراتيجيا في العديد من المؤسسات العمومية والخاصة. وقد كانت لظروف نشأته ومساره المهني الأثر الكبير على اهتماماته ومؤلفاته ودراساته في مجال العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية والفكر وقضايا النهضة والثراث، تمثلت في مجموعة من الأعمال، أبرزها،: “أنا والقرآن ..سورة البقرة” ، “أنا والقرآن..سورة آل عمران”، “قوانين النهضة” ، “فسلفة التاريخ”،إضافة إلى كتباته حول “التراث والتنظيمات الإسلامية (الإخوان المسلمين نموذجا)، ولعل ذلك ما يفسر اهتمامه ودراسته لقضايا النهضة والفكر العربي والعلوم الاجتماعية التي غفلت عنها الحركات الإسلامية،والتي توجت بإطلاق مشروعه المتميز “إعداد القادة” الذي ينكب على إعادة تشكيل العقل العربي وتأهيله وتكييفه مع الواقع.
وإذ نقدم لقراءنا هذا الحوار نتقدم بالشكر للدكتور جاسم سلطان على انفتاحه على منبرنا وحديثه مع قراءنا:
السؤال -1 دكتور جاسم؛، كيف تردون على من يعتبركم “الابن العاق للحركة الاسلامية” بسبب طرحكم لأفكار قد تكون خارجة عن النسق الفكري الذي أطر الحركة الإسلامية متذ نشاتها؟
لا تثريب على الأحبة فالناصح دوما متهم، ولدى الآيديولوجيا الكثيفة قدرة ضخمة على حجب المنطق، وفي أحيان كثيرة، منع الإنصاف والانحراف عن بوصلة الموضوع الى شخصنته…وهذه ظاهرة لم يسلم منها احد عبر التاريخ حتى أكرم الخلق وهم الرسل.
السؤال -2 يعتبر الفقه مكونا مهما في الثراث الإسلامي، غير أنه في ظل الواقع، أصبح فقها عاجزا عن الإجابة على العديد من التحديات التي يعيشها المسلمون، فهل هذا العجز يكمن في ضعف العلم الغقهي، أم هو تمظهر لحالة عجز عام يطال ميادين علمية أخرى كالفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ …؟
أصول الفقه كبنية يعاني من تضخم وعقم في آن واحد، فهو يعطي الفقيه أداة تنتج إجابات مختلفة في ذات الوقت ويعطي العقل الحصانة من رؤية هذا الخلل، ومن المؤكد أنه آن الأوان للتفكير في جهاز معرفي أكثر دقة يحتفظ بمكانة النص ويفعل المقاصد وينطلق من ممكنات الواقع ويراعي الاتساق المنطقي والاخلاقي…وبدون ذلك سيتجاوز الزمن واحتياجات الانسان كل القيود بدون ضابط موضوعي ونكون قد حكمنا على الشريعة بالخروج من العصر.
السؤال -3 من خلال تجربتكم واطلاعكم، هل صحيح أن ضعف اهتمام الحركات الإسلامية بمجال العلوم الإنسانية في صياغة برامجها التربوية والحركية قد ساهم في ضعف التواصل بينها وبين باقي العالم؟
الحالة الاسلامية في المجمل تعاني من اغتراب عن الواقع، فهي لا تدرس الواقع لتقترح حلول إنما تتكلم عما ينبغي باستمرار دون التفات للواقع…وهي تعاني من اغتراب عن العصر في ثقافته في صورة قطيعة مع العلوم الانسانية …وهي مشغولة بالماضي عن الحاضر والمستقبل…. وهي حريصة على بناء القلاع والحصون عن العالم بدل الجسور والممرات…وتلك مشاكل محمية بكم كبير من الدفاعيات.
السؤال -4 هل يمكن اعتبار إنشاء التحالفات الإقليمية البديل السليم لحلم إنشاء الخلافة الإسلامية بالصيغة التي عرفها التاريخ الإسلامي؟
بغض النظر عن الحوارات النظرية، غير المجدية فالواقع يخبرنا امران: -الأمر الاول، أن التجمع السياسي خير من الفرقة ومع ذلك يخبرنا أن من يعجز عن جمع مسلمين في مسجد واحد دون صراعات أو يمنع تمزق جماعة صغيرة إلى جماعات متناحرة أو يعجز عن الوحدة الوطنية مع المتشابهين معه لغة ودينا، كيف له أن يفكر في جمع مليار مسلم من مختلف الأعراق والطوائف تحت راية واحدة، فالواقع الموضوعي معيار للممكن والحالم…وإذا استحضرنا واقع الخلافة منذ فجر الاسلام نجد ظاهرة الصراع الداخلي كيف غزتها منذ لحظاتها الاولى، -الأمر الثاني، أن تجهيز العقلية المنطقية في المجتمع عبر التعليم وبناء آلية ديموقراطية، بحيث يصبح قرار التجمع السياسي قرارا شعبياً وليس قرار فرد وأن تتم الوحدة بين مجتمعات مستقرة على الآليات الديموقراطية هو الضمانه الحقيقية لاستدامة أي اتحاد، وهي الضمانة للتخارج عند الضرورة دون انتكاسات حادة.
السؤال -5 الأوضاع الأليمة التي آل إليها بلد السودان الشقيق، حيث تعدد الولاءات والتلاعب بالمعايير تحت ذريعة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، يقود إلى طرح السؤال: ما هو السبيل إلى مفاتيح الغيث في صراع الإخوة الأعداء في هذا البلد المتمزق؟
المشكلة ليست في فداحة الخطأ في ما جرى، ولكن في غياب قابلية التعلم والمراجعة ومفارقة الافكار غير المنتجة والتي أثبت الواقع خللها…ولو تم ذلك لكان ثروة وثورة .
السؤال -6 بدأ العالم العربي والإسلامي عموما، يعرف خلخلة لمجموعة من الثوابث الثراثية وطرح لمجموعة من الأسئلة العميقة حول الثرات من قبيل “ما الذي يلزمنا وما الذي يعطلنا اويعيقنا”، فهل يمكن اعتبار ذلك من علامات يقضة فكر أم مجرد ردة فعل؟
هو سؤال الاسئلة والحاضر الغائب، حيث إن أزمة الجهاز المعرفي عندنا تعبر عن نفسها في شكل قضايا السطح التي لا تنتهي من هلال العيد الى قضايا الحرب والسلم وتمر بمناقشات اصول الفقه في صراع المقاصدي والتعبدي واجتراح مسميات كفقه النوازل والضرورات والموازنات والاولويات، وكلها صدى للأزمة، والمنطقة التي تهمل هي منطقة العمق وهي طبيعة الاجهزة المعرفية المتحكمة في المنتج الفكري الذي يتحول لتراث بالتقادم.
السؤال -7 تعيش الجاليات الإسلامية في الدول الغربية أزمة الهوية والانتماء، وربما قد تكون أزمة وجود، فما هو تصوركم لهذه الأزمة في ظل الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية؟
للاسف أن وجود المسلم لا يمتلك نظرية عمل في بلاد المهجر يهتدي به الفرد والاسرة والشاب والفتاة والناشط، وتسمح للوجود المسلم أن يكون ذا قيمة مضافة للمجتمعات التي يسكنها، تساعد على الاندماج من ناحية والاحتفاظ بالجانب القيمي الاساس دون استعلاء او قطيعة.
شكر جزيلا فضيلة الدكتور جاسم سلطان .