من قطر لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

حاوره ذ.عبد الله مشنون 

 

 

يعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين على الساحة الثقافية العربية والإسلامية المعاصرة والذين لهم رؤية مجددة للفكر والتراث الإسلاميين مع إعادة الاعتبار للعلوم الإنسانية المساهمة في بلورة هذه الرؤية المعاصرة.
كما أنه باحث مهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية، فهو مؤسس مركز “التنوع لفض النزاعات”، وعضو سابق في لجنة العدالة الوطنية برئاسة الوزراء المصرية سابقاً . فضلا عن كونه مستشارا مدنيا مستقلا في قضايا مقاومة التحريض والكراهية،
للأستاذ/ ياسر الغرباوي أربع إصدارات منشورة هى” حركات التغيير والحراك الجماهيري(2007)”، “الهروب من الحرب الأهلية – مصر نموذجا-(2014)” و ” دارفور خلق جديد- تجربة حية في بناء السلام(2018)” ..
وكتاب ” بناء التوافق الوطني في بلدان الربيع العربي (2023)

وقد كان لإيطاليا تلغراف الحوار التالي مع فضيلته عندما التقته بقطر بمركز الوجدان بالدوحة:

السؤال الأول: كما لا يخفى على علمكم مع مطلع الالفية الثالثة ظهرت أصوات فكرية “حداثية” تطالب بتجديد أليات التفسير والتاويل للنص القرآني من خلال تطبيق الآليات الغربية (العلوم الإنسانية مثلا) المطبقة على النصوص الدينية في الغرب والتي ساعدت على فهم متقدم لتلك النصوص، كيف تقرؤون هذه الدعوة اليوم؟ وهل يمكن الاستفادة منها رغم إدانتها من طرف غالبية العلماء؟
بداية الدعوة للتجديد والتطوير والتحديث لفهم النصوص الدينية وإعادة تأوليها أمر محمود ومرغوب فيه ، وهذا واضح في قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها )ومن هذا التجديد الوارد في الحديث يتسع ليشمل تجديد للفهم والتأويل والبحث عن المقاصد والعلل في الواقع المعاصر ، لذلك عندما سُئل الإمام /محمد عبده عن أعظم مُفسر للقرآن فأجاب بأنه : الزمن .
ومن خلال ما تقدم نُدرك أن هناك سجالاً فكرياً دائما بين النص القرآني والواقع ؛ وهذا النقاش والسجال ينتج تأويلاً جديداً يجعل مقاصد وروح النص حاضرة في توجيه الواقع الجديد.
ولكن التحدي الرئيس في عملية التجديد لفهم وتأويل القرآن والحديث الشريف الصحيح يتطلب منهجية واضحة ومتماسكة وقادرة على فهم روح نص ومعرفة دائره اشتغاله وعلاقتها بالوقائع الاجتماعية المعاصرة، وقد روج البعض أن المنهجية الغربية المستخدمة في فهم وإعادة تأويل الكتاب المُقدس في الثقافة والفلسفة الغربية، يمكننا تطبيقها على القرآن الكريم ، وخاصة ما يُعرف بالفلسفة التفكيكية، وهذا خطأ منهجي لعده اعتبارات منها : الكتاب المُقدس والنصوص المسيحية نزلت وكتبت في حقب تاريخية طويلة ومتفاوتة استمرت قرون ، وهذا بطبيعة الحال أثر في بُنيتها التكوينية، ومكن الباحثين من ملاحظة التفاوت الثقافي من حيث اللغة والإسلوب بين العهد القديم مثلاً والعهد الجديد ، وهذا مناسب لطريقة عمل الفلسفة الغربية ومفيد، ولكن النص القرآني مسيرته وطريقة كتابته ومدة تدوينية مختلفة تماماً عن مسار التوارة والإنجيل؛ فليس به تفاوت ثقافي على مستوي اللغة والإسلوب والأفكار الكبري ؛لذالك من الخطأ المنهجي استخدام الآليات الغربية كأداه لتأويل لإعادة تأويل النص القرآني .

السؤال الثاني: علاقة مع السؤال السابق هل يحتاج العالم العربي الإسلامي اليوم إلى خطاب إسلامي تجديدي في ظل انحصار وتراجع الحركات الإسلامية بعد الربيع العربي والتي كانت دائما تحاول أن تطرح خطابا تجيديا؟
المجتمع العربي والإسلامي بحاجة ماسة لخطاب ديني جديد سواء في الإطار المسيحي أو الإسلامي، فالمنطقة العربية والإسلامية بكونها مهبط الرسالات والأديان السماوية ، ومع كثرة التحديات والصدمات الحضارية التى تعرضت لها لابد لها من نظرة مراجعة وفهم واستبصار لقيم الدين العميقة والمركزية، فكيف يكون شعار الإسلام وقميته الكبري الرحمة ، ونجد مظاهر القسوة والكراهية والعنف منتشرة في مؤسسات والحواضن الاجتماعية للمجتمع؟
وكيف نفسر دعوة الإسلام للسلام والمساواة ونجد أن المنطقة العربية غارقة في الحروب الأهلية بين المكونات المذهبية والدينية؟
التفسير المباشر لهذا التناقض بين القيم الإسلامية وواقع المجتمع المسلم؛ يكشف الحاجة الماسة لتجديد الأدوات المعرفية الشرعية من أجل بناء خطاب ديني ينطلق من قضايا الواقع نحو أنوار الوحي ؛حتي نرتفع إلي مستوي القيم التأسيسية للدين ( {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}

السؤال الثالث: في ظل ما يقع اليوم في غزة من تقتيل وإبادة جماعية وما يقع في السودان من حرب أهلية والعدوان الغربي على اليمن، والصراع الداخلي في ليبيا والنزاع بين المغرب والجزائر ونزاعات عربية أخرى…وفي ظل الصمت العربي اتجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، كيف تنظرون إلى مستقبل العالم العربي من وجهة نظر جيوستراتيحية وسياسية؟
الحرب في غزة والعدوان الإسرائيلي المستمر على فلسطين ،في ظل صمت القوي العالمية والصمت العربي الرسمي ،سيقود المنطقة نحو مزيد من الاحتقان والتوترات الكبيرة، خاصة أن شريحة الشباب يمثلون قرابة 65% من التركبية السكانية للمنطقة وهى مجموعات غاضبة من فشل الأنظمة في تحقيق التنمية وتوفير الحرية بالأساس ، ومع سخونة وفظائع الوقائع في غزة ومع تصاعد الشعور بالعجز ؛ستجعل هذه المدخلات السابقة المنطقة على ” كف عفريت” ما لم يتم تدارك الأمر ووقف العدوان وتحقيق حل سياسي لقضية فلسطين

السؤال الرابع: كما قال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش “سقط القناع عن القناع”، اليوم الغرب أبان عن ازدواجية معاييره وقيمه في تعامله مع العدوان على غزة واصطفافه إلى الجانب الصهيوني، كيف تنظرون إلى مستقبل الغرب؟ هناك من يتحدث عن “أفول الغرب” هل تتفق مع هذا الطرح؟
المواقف الغربية من القضايا العربية ليس جديداً ولا غربياً ،فمن ينسي ما فعلته فرنسا في الجزائر وما فعله الاحتلال الانجليزي بالمصريين وما فعله الطليان بالشعب الليبي، فالمواقف الغربية غالباً كانت ومازالت ضد قضايا العرب العادلة ، ولكن الجديد في حرب غزة هو شيوع هذه الأمر وانتشاره ومشاهدته مباشرة عبر الفضاءات ومواقع التواصل الاجتماعي ، ولقطاعات واسعة من الجمهور وخاصة الشباب العربي هذا أولاً ، وثانياً زيادة وعي قطاعات واسعة من المجتمع الغربي الحر بتناقض المواقف الغربية وانحيازها للراوية الإسرائيلية ، وبناء على ما تقدم فنحن أمام مسارين أما أن يستفيق الغرب ويضبط بوصلته الأخلاقية ويرمم ذاته الثقافية ، وأما أن يستمر في الانحياز الأعمي لإسرائيل وبذلك سيخسر ذاته وسمعته في داخل نفوس العقلاء منه والمتعاطفين معه حول العالم وهذا سيقوده نحو مزيد من الخسارة والانحطاط

السؤال الخامس: من موقعكم الفكري والعلمي هل تعتقدون أن السيرة النبوية الكريمة تحتاج إلى دراسة تجديدية وإلى تنزيل فقهي جديد؟
سيرة مفخرة الإنسانية محمد صلي الله عليه وسلم نبع صافي للقيم، ليس فقط للمسلمين والمؤمنين،وإنما هى مصدر إلهام للعالمين وإنما جاءت بعثة رسول الله صلي الله عليه وسلم كما قال الله تعالي ({وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ، وهذا يتطلب من المسلمين تقديم سيرته في ثوب جديد ينتصر لمحمد صلي الله عليه وسلام الإنسان ، الذى كانت الرحمة مهجته والعدالة شريعته وقضاء حوائج الناس عبادته ، ولعل من المهم في هذا الإطار استكمال مسيرة الكاتب الرائع خالد محمد خالد عندما كتب كتابه الرائع ” إنسانيات محمد صلي الله عليه” ، وينبغي فى هذا الموضوع عدم تضخيم الجانب العسكري والحربي في سيرة الرسول والذى كُتب فيه الكثير والذي يحتاج إلي مراجعة وتجديد يجعل الحرب والقتال استثناء في سيرته وليس أصلاً.

السؤال السادس :في ضوء اهتمامكم بقضايا التعارف والتواصل الحضاري كيف ترون طبيعة العلاقات الثقافية بين المشرق العربي والمغرب العربي؟
المراقب للشأن الثقافي العربي يُدرك أن هناك فجوة ثقافية بين دول المشرق العربي والمغرب العربي ،تحتاج إلي تجسير وتواصل ،فمن خلال قراءتي وزياراتي لدول المغرب العربي ،وجدت أن هناك عمقاً فلسفياً لدى المثقف المغربي ، بحكم الانفتاح على الجوار الأوروبي والاشتباك المُبكر مع قضايا حقوق الإنسان والهجرة وأسئلة العلمانية والدين،وهذا العمق الفلسفي بالغ الأهمية لقضايا المشرق العربي ،فسؤال الدولة والدين ، ومقاصد الإسلام والشريعة وحقوق الإنسان ، سنجد أن معظم الإنتاج العربي الوازن فيه هو لكُتاب مغاربه ، وأيضاً الثقافة العربية المشرقية التى تتسم بالاشتباك مع قضايا الواقع المُعاصرسيكون من المفيد لمثقفي المغرب العربي الانفتاح عليها والاستفادة منها .

نشكركم على صبركم وعلى الوقت الذي منحتموه للرد على الأسئلة في ظل انشغلاتكم المتعددة.

إيطاليا تلغراف

 

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...