«ماذا يحدث في غزّة؟»… سؤال الساعة في كتاب

إيطاليا تلغراف

 

 

 

موسى إبراهيم أبو رياش
كاتب أردني

 

 

 

«ماذا يحدث في غزّة؟» كتاب من إعداد الناقدين الأردنيين سليم النجّار ووداد أبوشنب، صدر حديثا الجزء الأول منه عن دار هبة ودار جسور الثقافية ودار الرعاة، في 154 صفحة، ويتضمّن 36 مقالة لمفكرين وكتاب، وجاءت كل مقالة إجابة عن سؤال محدد وجه لكل هؤلاء: «ماذا يحدث في غزة؟».
يواكب الكتاب حدث الساعة؛ ليساهم في معركة الوعي، باعتبار الكلمة فعل مقاومة، وتهدف مقالات الكتاب إلى تقديم صورة حقيقية لما يحدث في غزة من زوايا مختلفة؛ لتكون في متناول من يبحث عن الحقيقة، ولدرس ما يحدث وإعادة فهمه تحت الأضواء الكاشفة. وقد تفاوتت المقالات في محتواها بين مقالات تحدثت عن تاريخ غزة وماضيها العريق، ومقالات تناولت غزة في نكباتها المعاصرة تحت الاحتلال الصهيوني وحصاره الخانق، ومقالات تحدثت عن طوفان الأقصى؛ أسبابه ونتائجه، ومنها ما كشف المحرقة التي تتعرض لها غزة والعدوان البشع تحت سمع العالم وبصره.
ويسعى الكتاب إلى تحليل ما يحدث في غزة، وتأثيراته على الصعد كافة، خاصة على صعيد الوعي بضرورة المقاومة ضد المشروع الصهيوني، وفشل مشاريع السلام، وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية بقوة، وفضح الكيان الصهيوني ولا أخلاقيته، ووعي الأجيال الفلسطينية الشابة في الداخل والخارج بقضيتهم. كما يسعى الكتاب إلى إدانة المنافقين والمتخاذلين والطابور الخامس.
يراهن الناقد سليم النجار على قدرة السؤال على الاستنطاق، وتحريك الساكن، فيكتب على الغلاف: «مفردة «السؤال» وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، وربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي». وفي مقدمتها للكتاب ترى الناقدة وداد أبو شنب أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تلاه من أحداث جسام وصمود أسطوري وجهود إنسانية غير مسبوقة هي ماركة «غزاوية» خالصة؛ فالمقاتل والشهيد والجريح والطبيب والمسعف، وكلهم «غزيون» وتضيف: «ما يحدث في غزة، هو امتداد للسردية الفلسطينية التي وثّقها الأجداد بدمائهم وزيتونهم لأحفادهم الذين أخرجوها للعالم وجها للحقيقة، التي زيّفها بنو صهيون عقودا من الزمن. ما يحدث في غزّة هو رجع صدى خمسة وسبعين عاما من الأنين تحت نير مستعمر «كرتوني» زائف».

كشف الأقنعة

ما يحدث في غزة، مزق الأقنعة، وفضح التخاذل العربي، والانحياز الغربي السافر، وحقيقة العدو الصهيوني النازي. يرى الروائي الفلسطيني نسيم قبها، إن ما يحدث من قتل للأطفال وتدمير للمستشفيات، كشف أكاذيب حقوق الإنسان التي يدعيها الغرب، هذا الغرب الذي يؤكد الروائي الأردني سعيد الصالحي أنه وظف منصات التواصل الاجتماعي أسلحة قتل، وأكبر شاهد زور عرفه التاريخ. وتنعى جمانة بغدادي من لبنان منظمات حقوق الإنسان والمنظمات النسوية التي تتباكى على عنف زوج، لكنها لا ترى أشلاء النساء في غزة، وتصمت عن جثث الأطفال تحت الركام.
ويشير علي محافظة من الأردن، إلى أن الموقف الغربي المؤيد والداعم لعدوان إسرائيل بالمطلق، يذكرنا بالحروب الصليبية، ويكشف عن مدى الحقد والكراهية للعرب والمسلمين، ونجاح الغرب الاستعماري «في إضعاف دولنا وتفكيك مجتمعاتنا، وتمزيق نسيجنا الاجتماعي، وعجزنا عن فعل أي شيء في مواجهة الأخطار التي تواجهنا وإمكانية التصدي لها».
ويؤكد الروائي البحريني أحمد المؤذن، أن ما يحدث شاهد على التخاذل العربي الرسمي، الذي يرتقي إلى مستوى الجريمة أمام ما يجري من إبادة واضحة وقتل لكل أشكال الحياة. ويزيد محمد أقضاض من المغرب، أن هناك رغبة عارمة عند جل الأنظمة العربية والإسلامية والسلطة الفلسطينية بالقضاء على المقاومة في غزة؛ كي لا تكون أنموذجا ومحركا ومنتجا لحركات مقاومة ضد هذه الأنظمة. وتوبخ أمل اليازجي من فلسطين تخاذل الشعوب والأنظمة، وتخاطبهم: «إياكم أن تنظروا إلى مراياكم، لأنّكم لو فعلتم فسترون دماءنا على وجوهكم، وأشلاءنا بأيديكم، وصراخنا في ملامحكم، وأصواتنا دخانا ينقش خريطة فلسـطين على صدوركم».
وتتألم سلمى مختار أمانة الله من المغرب من خذلان المثقفين الذين يعول عليهم «لرتق كل هذا الخراب وإخراجنا من ضيق الواقع إلى فسحة الأمل» وتضيف: «صمت المبدع الحر أثقل علينا جميعا من صمت السياسي المطبع».

غزة وحدها

على الرغم من وجود 57 دولة إسلامية، منها 22 عربية، وعشرات الدول الأخرى التي تدعي الإنسانية واحترام حقوق الإنسان، بقيت غزة وحدها في وجه العدوان الغاشم والمحرقة النازية. تقول جميلة الوطني من البحرين: «لقد ظلت فلسطين طيلة تاريخها النضالي تستعيد أرضها.. بمعاول رجالها وحجارة أطفالها.. وها هي الآن عبر بوابتها غزة تحرر الأرض والعرض والإنسان». ويقول فرج وليد فودة من فلسطين: «في فلسطين لدينا لعبة لا توجد في كل العالم، وهي لعبة تشييع الشهيد، وضرب الصواريخ على الأطفال، وقتل الأجنة في بطون أمهاتهم، ولا أحد يجرؤ على أن يتكلم، لا شيخٌ ولا إمامٌ ولا رئيسٌ ولا شعبٌ تجرأ إلاّ على الكلام وإرسال الأكفان».
ويخاطب الروائي والناقد الجزائري علي العربي شهداء غزة بأنهم الأبرار الأحياء، وأن دماءهم «لم تُسفك سدى أبدا، ستزهر على كلّ شبر من تراب غزّة العصيّة، ستنتفض من بين قلب الرماد والركام كما العنقاء». ويخاطب أطفال غزة: «أنتم الأبطال في زمن أشباه الرجال الذين خذلوكم. دماؤكم، آلامكم، صرخاتكم، أنّاتكم، عطشكم، جوعكم، دين ثقيل في عنق الغرب والجبناء المتوارين خلف شعارات التنديد والتحجّج والتأسّف». ويؤكد علي أبو قرين من ليبيا حقيقة أن غزة تقاوم وحيدة، «وشهداؤها من يدعمون الأحياء» وأن دماء الشهداء ستصنع المجد وتحرر الوطن.

الاعتزاز بغزة ومقاومتها

على الرغم من كل الشهداء والجرحى والدمار والتهجير والإجرام النازي، فثمة إجماع على الاعتزاز بغزة وأهلها ومقاومتها الباسلة. وتتغنى الشاعرة الكويتية سعاد الصباح بالمقاوم الفلسطيني اليوم الذي كان طفلا ذات عدوان سابق:
«ماذا أحدثكم عن هذا الطفل؟
إنه سيِّد كلِّ الأطفال، وسيّدنا..
إنّه الفتى الجميل، الذكي، الشجاع
الملهم، اللماح، الذي أرسله الله إلينا
معلما، وبشيرا.
لقد أنهى شيخوختنا الجسدية،
والعقلية، وأوقف حالة الترهل القومي التي أصابتنا..
أنهى مواسم القحط والجفاف
والتصحر في أرواحنا، وحمل إلينا رائحة
المطر.. ورائحة الربيع»
وتقول القاصة الأردنية جميلة عمايرة: «غزة اليوم توزع الكرامة؛ كرامتنا التي فقدت، تعيدها لنا كي نحس بها وبطعمها، غزة تسطر آيات البطولة والصبر والرفعة والإيمان بحتمية الانتصار». ويفتخر سلطان المعاني من الأردن بصمود غزة: «أتساءل يا غزة، ماذا بعد؟ لكن في القلب يقين، أن بعد الليل فجرا، وأن بعد الصبر نصرا، وأنّ بعد الشتات جمعا، وأن في صمودكِ رسالة للعالم أجمع: أن الحياة تنبع من الأمل، وأنّ الأمل في غزة لا يُمحى ولا يُهزم».
ويرى الشاعر محمد بنيس من المغرب، أن طوفان الأقصى، اكتسح الغطرسة الإسرائيلية، فانهار جيشها تحت وقع الطوفان في وقت وجيز لم يتخيله أحد، وجرف سمعته إلى هاوية لا قرار لها. ويعتبر القاص الأردني هارون الصبيحي أن يوم 7 أكتوبر رد بسيط جدا على احتلال وحصار ومجازر وقهر وطغيان امتد على مدار 75 عاما، وأنه عمل مشروع، ويتساءل: «ألا يحق للفلسطينيين أن يردوا ويهاجموا؟ أليست مقاومتهم شرعية؟ هل المطلوب من الفلسطيني حتى لا يوصف بالمخرب والإرهابي أن يقول لقاتله الإسرائيلي اقتلني ولك جزيل الشكر؟». ويؤكد الكاتب الأردني منذر اللالا أن ما جرى «ليس محطة عابرة، ليس سطرا في الحكاية، هو بدقة متناهية، إيمان بالتحرير، فما أنجزته المقاومة الفلسطينية في يوم واحد، يعادل تقريبا ما أنجزته جيوش نظامية في 50 عاما» وتتفق معه في ذلك الأديبة الزهرة رميح من المغرب. وتشير هند أبو الشعر من الأردن إلى أن أحداث غزة، أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية، ونكأت ضمير العالم بقوة، وهزمت أكاذيب ومزاعم الإعلام الغربي المتحيز لإسرائيل، واتهامه الجاهز للمقاومين بالإرهاب. ويتفق مع ذلك محمد ناصر العطوان من الكويت، بأن «طوفان الأقصى» أدى إلى ثورة في الوعي عند الأجيال الشابة، فقد «أشعل جذوة أطفأتها المناهج التعليمية والسياسات التطبيعية منذ زمن، فنتائجها ليست اليوم وليست في الغد.. بل في يوم ما، نتربصه جميعا».

الانتقام والإبادة

العدوان الصهيوني على قطاع غزة، لم يأت ردا على 7 أكتوبر، بل انتقاما من كل فلسطيني، وتقصدا للإبادة والتهجير والتنكيل. ويرى إسماعيل أبو البندورة من الأردن أن غزة في لحظتها الراهنة، تكشف «عن زيف المحارق اليهودية، وتهافت أطروحاتها ومسوغاتها، لتؤكد حقيقة محرقة فلسطينية أكثر هولا وإبادة، تجري أمام الأنظار، وهي أشد بشاعة وإيلاما من كلّ المحارق». ويؤكد الكاتب الفلسطيني عصمت منصور الطابع الانتقامي للعدوان، وأن الانتقام من طبيعة العقلية الصهيونية لاستعادة قوة الردع وسمعة الجيش الذي ذاق الذل والهوان. ويفسر كمال ميرزا من الأردن، أن هدف الإبادة القضاء على الحاضنة الشعبية للمقاومة، وهدف التهجير «سلب المقاومة وحاضنتها الشعبية عامل القوة الأقوى في قبضتيهما: الأرض». ويشير محمد البشتاوي من الأردن إلى ضرورة أن تركز الحرب الإعلامية على أن أهل غزة «أصحاب حق وليس مجرد ضحايا وأرقام» وضرورة التذكير بكل الوسائل الممكنة بماضي إسرائيل وحاضرها القائم على ارتكاب المجازر البشعة.
وتحذر فوزية الرشيد من البحرين شعوب العالم كلها من خطورة الصهيونية ومن يؤيدها، ليس على غزة وحدها، بل على كل العالم «إن البشرية كلها في مأساة حقيقية وهؤلاء «الشياطين» هم من يتحكمون في مصيرها! وفي قوانينها الدولية، وفي حروبها وصراعاتها! وفي اقتصادها ثم في قيمها التي تدرجت من الانحلال واللاأخلاقية لتصل إلى اللاإنسانية!».

 

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...