الدوحة قطر ذ.عبد الله مشنون
التقت جريدة “إيطاليا تلغراف” خلال زيارتها لقطر بالفنان التشكيلي والخطاط يوسف شلار الذي يعد أحد أبرز وجوه الساحة الفنية في قطر وخاصة الخط العربي. شارك في العديد من المعارض كان من بينها معرضا أقيم على هامش دورة كأس العالم الأخيرة التي أقيمت بقطر وهو معرض «ليوان الفن» الذي يستعرض الإبداع القطري في مجالات الفنون التشكيلية وفنون التصوير الضوئي وجماليات الحرف العربي والزخرفة الإسلامية وفنون الخزف.
والفنان يوسف شلار هو عضو الملتقى القطري للمؤلفين وأيضا عضو جماعة الفنون التشكيلية بقطر.
وفضلا عن كونه فنانا تشكيليا فيوسف شلار هو مدرب في مجال الخط العربي بكل أنواعه، بحيث يقوم بدورات تكوينية في الخط العربي بصيغة حديثة وبمنهجية مبتكرة لإعادة الاعتبار بهذا الفن المرتبط بالحضارة الإسلامية.
كان لجريدتنا معه هذا الحوار الشيق:
أسئلة:
1-هلا أخبرتمونا كيف بدأ مشواركم الفني ؟
نشأت في عائلة تحب اللغة العربية وتهتم بعلومها، وبدأت بحفظ القرآن الكريم مبكراً، وكان يعجبني وضوح الحروف في المصحف وطريقة الرسم، وبدأ الفضول يحركني لمعرفة نوع الخط المكتوب وكذلك التعرف على الخطوط العربية، ومن هنا بدأت البحث في المصادر المتوفرة في مكتبة المنزل، ومنها الموسوعة العلمية المصورة للأطفال، واكتشفت حينها أنواع الخطوط وأسماءها وأشكالها، وبدأت أقلدها، وكنت أكتب تحتها: الخطاط يوسف شلار، مع أنني لم أبلغ العاشرة من عمري بعد، ولكنه طموح المستقبل.
2-لماذا اخترتم الخط العربي بصفة خاصة والفن التشكيلي بصفة عامة؟ تتحدثونا عن منهجية مبتكرة في الخط العربي فما هي هذه المنهجية؟
خدمة حرف القرآن شرف لكل مسلم، ومن يعشق حروف اللغة العربية فلا غرابة أن يتعمق في دراستها ويتخصص في فنونها، ولذلك كان الاهتمام ينمو يوماً بعد يوم، إلى أن بدأت التعلم على فنون الخط العربي على يد خطاط محترف، وبالطرق التقليدية الأصيلة، وكان لهذا التكوين المبكر في حياتي تأثيراً كبيراً على تشكل المفاهيم الفنية والعلوم الخطية التي ساعدتني على ابتكار منهجية الكتابة بالخط العربي.
منهجية الكتابة بالخط العربي، هي عودة إلى أصول الكتابة الأصيلة باستخدام مفاهيم ومنهجيات التعليم الحديثة، ومن ثم تطوير الحروف العربية المستلهمة من خط الرقعة وخط النسخ، من أجل تشكيل الخطوط الهندسية التي تشكل الحروف العربية، وقد أعدت ترتيب الحروف العربية بحسب الصورة البصرية وليس بحسب الترتيب الأبجدي المعروف، فجعلت في البداية الحروف العمودية والتي تتشكل من حرف الألف، وبعدها الحروف البسيطة مثل: الراء والدال والهاء، وبعدها مجموعة النون: وحروفها القاف والسين والصاد واللام والياء، ومجموعة الباء: وتتكون من الفاء والكاف والعين والحاء، وبهذا التوزيع البصري يسهل على الطلاب والطالبات تعلم طريقة الكتابة بسهولة ويسر، بعيداً عن تعقيدات قواعد الخط العربي الاحترافية.
تتميز هذه المنهجية أنها علمية وعملية، فقد دربت عليها آلاف الطلاب خلال العشر سنوات الماضية، وتم اعتمادها في العديد من المدارس والأكاديميات، وقد أثبتت المنهجية العلمية أنها مبنية بشكل احترافي، وتعطي نتائج فعالة مع جميع الطلاب، سواء من لديهم الموهبة أو المهارة، أو من كان لا يمتلكها، وهذا ما جعلها مبتكرة ومميزة على المستوى العالمي.
3-بعض المفكرين الغربيين ومعهم عرب يتهمون الثقافة الإسلامية بتحريمها للفن التشكيلي والرسم وللصورة بصفة عامة، كيف تردون على هذا الاتهام؟
إن الزائر إلى البلدان العربية والإسلامية اليوم وفي العصور السابقة يلاحظ كيف أن الفن والإبداع كان السمة الأساسية في العمران والبنيان وحتى الكتب والمصاحف إلى النقوش والرسومات في مختلف المجالات، وذلك منذ القرون الأولى للحضارة الإسلامية، ومن هنا نجد أن الحياة الفنية كانت عامرة على امتداد العصور الإسلامية المتلاحقة، وهذا ما ورثناه في يومنا الحالي من فنون وتراث يعكس فلسفة روحية عميقة ويحفز العقل على التفكر والابتكار.
وفي هذا دليل على أن الأصوات الشاذة لم يكن لها ذلك التأثير والحضور في واقع الأمة، وإنما هي آراء شخصية لا تستند لنص محكم، وهي موجودة بكل زمان ومكان.
4-كيف يمكننا اليوم أن نعرف بالفن الإسلامي وخصوصياته الروحانية لدى الغرب في ظل الترويج الإعلامي الغربي للصور النمطية عن العالم العربي والإسلامي؟
قال بيكاسو: “إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها ، وجدت الخط الإسلامي سبقني إليها”. وهذا نجده اليوم عندما نرى الإعجاب الشديد بالخط العربي وخصوصاً ممن لا يجيدون قراءة الحروف العربية، وإنما يبهرهم جمال الحروف وطريقة تركيبها وانسيابيتها، وهذا الأمر يعطي الحرف بعداً روحياً يتجاوز الشكل المادي، فمثلاً قد نعبّر بحرف الواو عن الجنين في بطن أمه، وبحرف النون عن الأم التي تحتضن ولدها، وبحرف الألف عن الإنسان الواقف الشامخ، لذلك نجد أن الخط العربي يتجاوز البعد المادي ويدخلنا في جو من التأمل في ما وراء الحرف المرسوم، وإذا أضفنا إلى الحروف كلمات وجمل لها معان راقية فهنا نكون جمعنا بين الفن البصري الرائع والمعنى الروحاني المكتوب شعراً كان أو نثراً.
فجماليات الخط العربي لا تقف فقط عن حدود الشكل وإنما تسافر بنا عبر الزمن لتطلعنا على حضارات سابقة، وتأخذنا في رحلة تأملية إلى أبعاد روحانية عالية، وهذا سر قلما تجده في فن من الفنون.
5- أين يمكن نضع الفنان يوسف شلار في الساحة الفنية ؟ هل يعبر عن امتداد فني معين أم يشكل لنفسه رؤية فنية خاصة؟
إن أي فنان هو امتداد لمدرسة فنية ما، ولكن كلما كان فنه قريباً من الواقع ويعكس رؤيته الذاتية، فهنا يكون هذا الفنان قد أوجد لنفسه رؤية فنية خاصة، وهذا ما أسعى إليه في المرحلة الحالية، حيث أعمل مع أحد كبار النقاد الفنيين على إنتاج أعمال فنية معاصرة، تربط فن الخط العربي الكلاسيكي بالحياة الواقعية العصرية، من خلال التعبير عن فكرة أو شعور أو حالة، ويكون ذلك باللون والشكل، والعنصر الرئيسي هو الحرف العربي، سواء بشكله المجرد أو ضمن تكوينات حروفية مميزة، وحتى الكلمات والجمل قد تكون متداخلة في العمل الفني، حتى توصل الرسالة إلى المشاهد، ومن ثم تتركه يطلق العنان لتأملاته وفهم المعاني من العمل الفني.
6-في ظل هيمنة “الصورة” اليوم هل تعتقدون أن لازال الناس يهتمون بالخط العربي وهل لهذا الفن مستقبل أم انه يسير للانكماش؟
نرى أن الفنون أصبحت ملاذاً لكل من أراد الهدوء والسكينة في ظل عالم مزدحم بالأعمال والضغوطات الحياتية، فيمكن للإنسان أن يجد في الخط العربي مساحة خاصة يسترجع فيها نشاطه النفسي والفكري، ويبطئ سرعة عجلة الحياة، حتى يحظى بالطمأنينة المنشودة، وهذا ما يجعل الخط العربي في عصرنا الحالي مطلوباً من كثير من الأشخاص في المجتمعات العربية وغير العربية، حيث أنه يساعد على الشعور بالسكينة ويقوي التركيز وينمي القدرات العقلية على الإبداع والابتكار، ويطور المهارات الحسية والحركية، وينمي المواهب البصرية الفنية، وهذا يعطينا مؤشرات ومبشرات أن الخط العربي ينتظره مستقبل مبهر، وأمامه فرصة للتوسع والانتشار، ليكون فناً عالمياً يؤدي رسالة حب وسلام.