مسار داعية : من المهد إلى اللحد

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

ذ.محمد كندولة

 

 

 

هو داعية مناضل:

هو رجل يعشق الحرية، ويحب العلماء والساسة من كل فنون الحياة، ينسى العداوات،يستقي آراءه وأفكاره من المدارس الحرة،والاتجاهات المستنيرة، ينتقد باستمرار، يهش له الناس، ويرحب به معلمه ومرشده، يفسح له المكان،يسمع لأسئلته، قد يكون شهيد الكلمة، يحب السلام، ويتحمل الأذى بسبب قناعاته،نصير المظلومين،رفيق الفقراء والمستضعفين يكره الشجع،والطمع، والإثراء الفاحش، يعاني في حياته، وبعد مماته،بالتشهير والتنفير، لأنه يناضل من أجل العدل الإجتماعي والسياسي والثقافي، ثائر يعشق إيصال الخير للغير، يعلم الناس، لأنه واع بما عجزوا عن وعيه،شخصيته لا تتغير من قبل ومن بعد، بحاث عن الحقائق، يحترم أهل الحق،يختارهم، ثم ينصهر فيهم، يؤمن عندما يكفر الناس، وهو قبل الانتماء، ينتظر قليلا، يبحث في كتمان عن معلمه وقائده، ومرشده، يعتاد ما يجدب: التلقائية،،والبساطة، والقيم التي يؤمن بها ، فإذا اقتنع، انخرط في التبليغ، ونشر الحق في الخلق، فيجتهد في البحث عن وسائل جديدة للعمل، والأدلة المقنعة للتوضيح والافهام،والحجج القاطعة للتناظر والحوار ، فلا تراه إلا مستجاب الدعوة، فيتبعه خلق كثير لصراحته وعفويته، يأخذ بالمبادئ والأفكار، ويتجنب القيل والقال، وكثرة السؤال، والجميل فيه، أنه يرجع دائما إلى معلمه،يطلب الدعم والتوضيح، والتشجيع والتحفيز، فيكون كثير الحمد بنجاح ما يدعو إليه ، ولا حاجة له إلا في تقديم النصيحة، ولا أمنية له إلا أن يكون شجرة تظلل الناس، وتطعمهم من ثمارها، أما إذا كثر المترفون، وزاد طلبهم للدنيا، ازداد طلبه للعلم ، سائلا عن أفضل الأعمال، وعن طرق الفوز، وإذا استطاش المتكبرون، وطغى الطاغون، لزم الذكر والاستذكار لترتيب قناعاته وأفكاره..لكن أصعب امتحان يشغله، هو عندما يتوارى معلمه ومرشده، قدوته وسنده، مرجعه ومركنه..فيطرح مشكل الخليفة ، والنظير ، فيراقب، طريقة اختياره، ويتأكد من رضا الناس عنه، وأن كان قلبه يميل إلى ما لا تميل إليه قلوب الناس، فيعترف بمعروف مرشده السابق، ويقيم سلوك مرشده الجديد، هل يسير على ما سار عليه مرشده المتوارى، فيتابع عن كثب القيم المتداولة،وإقرار القرارات السابقة،والأخذ بوصايا المرشد المعلم الأول، إذ غالبا ما يترك وصايا يصف بها المحجة البيضاء، ويحدد أسباب الزيغ عنها، فيزيد إعجاب المناضل بالرئيس الجديد في محاربته الإثراء الفاحش، وصده أصحاب الرغبات في الاغتناء عن طريق ما تقدمه الدولة من أعمال وبرامج وفرص للعمل، ويزيد إعجابه كذلك، حينما يلمس عناية المرشد بالفئة الضعيفة و المهمشة، لأنهم أهله ،يعرف حالهم وحاجاتهم..

المناضل الداعية ينهى عن الفتن، قناعته في المال أنه لله وأنه لا يجوز استغلال العباد، ومقدرات البلاد ،وأن الحاضر من الناس والغائب له حق فيه، ولهذا يناضل ضد توسيع فرص الاغتناء ،ويدافع عن الملكية الفردية والجماعية، فيسطر برنامجا نضاليا محوره ،محاربة الكنز، والاحتكار، ومطالبه توزيع الثروات، فيرفع شعارا مفاده: مرحبا بالعنت تبا للذهب، تبا للفضة، يواجه الكلمة بالكلمة ،والقول بالقول، والخطبة بالخطبة، وفي حفلات العشاء والولائم، إذا ما استدعي لها، يخوف الناس، من الغنى الفاحش، والإسراف في الملذات، ومادام أنه ثابت العضوية، منتم عقائدي، يعرفه الناس، أي إخوانه، الذين هضموا أسلوبه، لكن تشويشه عليهم ،وشغبه المتواصل، يجعل المسؤولين الكبار، وبدهاء السياسة، يقررون تعيينه، ونقله بعيدا عنه لأنهم تعبوا منه ،ومن كلامه، ولم يستحملوا صموده ،وتباثه على منهجه الذي تعلمه من معلمه الأول، ومن الذين جاؤوا من بعده، حيث ازداد سخطهم، لما ازداد عدد أنصار فكرته، الذين استوعبوا جهاده واجتهاد. يلتحق الداعية المناضل بالمهمة الجديدة، بعيدا عن موطنه، ومسقط رأسه، سمعا وطاعة، خضوعا وامتثالا، فسير في الناس سيرته المعتادة في النضال ضد الظلم والاستبداد والقهر الجور، ضد الاغتناء الفاحش، والاكتناز المقيت، والاحتكار المضر بالفقراء والمساكين، فيدخل مع الكبراء والأغنياء في حوارات مالية، ومناظرات اقتصادية ، فيحذر من سوء المصير، ويهدد بقبح العاقبة، وذلك بإصرار إيماني، مخلصا لمدرسته ،ولمعلمه ،فيتعرض لمحاولات الارتشاء، فيقول “الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ” لا مصوغ للبذخ وانفاق الأموال، حج بملاليم خير من حج بالملايين، ولا موضوع في اقتناء الضيعات وتجميلها بالآلاف من الدنانير، فقد تعس عبد الدرهم والدينار، قول حق أكل واقتصاد، داء ودواء، إمامه معلمه في الزهد، ومن جاؤوا بعده من الصالحين الورعين…وأمام هذا التباث ،ترفع ستائر الانتقام، فيسلط عليه السوقة والسفهاء والجهلة ، والوضعاء من أراذل الناس فيخضع للاستنطاق في موضوع فقه الأموال، والأحوال، والزهد والتقشف، وهولا يقول كلاما إلا ما علمه وتعلمه ، تراسل الجهات الحكمية العليا، فيصدر قرار بنفيه وحيدا ،والنفي شيء يشبه الاعدام ،ولإسكاته يصدر قرار آخر بعدم التكلم معه والاستماع إليه ،تلحق به أسرته، زوجته وابناؤه، تعلو مؤشرات الفقر ،فيموت ابناؤه الواحد تلو الآخر بسبب الجوع ، فيطالب بحقوقه في العيش والحياة قائلا: لا أريد إلا حقي. تموت الزوجة، وتعرض عليه أكفان عدة، ممن ناصروه، فكان شرطه الأساسي في القبول، أن يكون الثوب طاهرا غير مغصوب، فمات هو الآخر، وكفن كيفما أراد،وهو عند الناس محبوب، فهلا أحيينا هذا المنهج، وهذه الخطة بالعقل انصافا، وبالدين إيمانا واتصافا. 

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...