استشهاد السيد…تحدثوا عن البيع ولم يذكروا الثمن

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

إدريس عدار

 

 

 

نعيش عصر “السوق الكبير” للأخبار الزائفة. “سوبر ماركت” من المعروضات في القنوات الفضائية والمواقع الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي. تحدث دومينيك وولتون عن المفاوضة على المعلومة، بين مُصدرها ومتلقيها، لكنه نسي أنه في الأسواق الكبيرة لا توجد مفاوضات على البضاعة وثمنها. وانتقلت العدوى إلى الأسواق التقليدية. والمعروض أغلبه بضاعات متجاوزة الصلاحية لكن يتم تدويرها وتغيير آجال خروجها عن الاستعمال وتقديمها لمستهلك لا يميز بين الأشياء.
يركز زعماء السوق الكبير على البضاعة الفاسدة. يتم تقديم معلومات مغلوطة، وهي في المنطق تعتبر مقدمات فاسدة، قصد الوصول إلى نتائج، هي فاسدة في الأصل لأن مقدماتها فاسدة، وتقديمها لمتلقي لا يمتلك القدرة على التساؤل.

في موضوع استشهاد سماحة السيد، تحدثوا كثيرا عن بيعه من قبل إيران. شارك في عملية الترويج ثلاثة أنواع من الصحفيين والنشطاء. صحافة وظيفية وصحافة حاقدة وصحافة “معتوهة” (تابعة جيلالة بالنفاخ كما يقول المغاربة). صحافة وظيفية وهذا دورها نظير ما يؤدى لها، وما يقال عن الصحافة في المستويات الثلاث يقال عن النشطاء، وهذا الصحافة هي التي تنطلق منها الأخبار الزائفة ليتلقفها الإعلام الحاقد، وخصوصا المنتمي لتيارات ما زالت تعاني من موروث سنوات الحرب في سوريا، التي لكل واحد رؤيته فيها، وصحافة معتوهة تتلقف كل ما تلقيه الآلة الإعلامية ملأ للفراغ، دون وعي بأنها تقدم خدمات مجانية للصحافة الوظيفية والحاقدة، التي لها أهداف من وراء ذلك.
لا يمكن أن تستمر المغالطة إلى النهاية بعد أن يظهر فساد المقدمات. السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على القائلين بأن إيران باعت السيد هو ما هو الثمن؟ كيف عرفتم البيع وجهلتم الثمن؟

الثمن ينبغي أن يكون أكبر مما كان مطروحا في السابق. وهو أكبر مما يتصوره مجاهيل المحللين (المجهول عند أهل البادية هو الكلب الضال والمسعور).
العرض الذي كان مقترحا أفصح عن جزء منه يوسف بن علوي، وزير خارجية سلطنة عمان في عهد السلطان قابوس، حيث حكى في حوار صحفي بعد خروجه من الوزارة أنه التقى الشيخ هاشمي رفسنجاني، وكان حينها رئيس تشخيص مصلحة النظام، ومما جاء فيه أن الأمريكان موافقون على علاقات جيدة مع طهران، ويمكن لإيران أن تمتلك سلاحا نوويا، وبالمناسبة هم لا يخافون ممن يمتلكه بدليل وجوده لدى الهند وباكستان ولكن يخافون من حامل الرشاش إذا كان غير موال لهم، ويمكن امتلاك النووي لأغراض مدنية، مع نفوذ في الأقاليم القديمة لفارس في أذربيجان وغيرها ونفوذ لدى الشيعة العرب، بشرط ضمان أمن إسرائيل.

إذن الثمن ينبغي أن يكون أكبر من هذه المقترحات؟
ما لا يريد أن يعرفه المجاهيل أن الاتفاق النووي تم التخلي عنه ليس لأنه سيء، ولكن لأن عائدات الإفراج عن الأموال المجمدة نصفها ذهب إلى دعم المقاومة. ولم يكن مطلوبا لا قتل هذا ولا التخلص من ذاك، ولكن فقط قطع التمويل، ويمكن الاستمرار في رفع شعارات مواجهة “الكيان المؤقت”.
الحديث عن البيع والشراء يهم “أولاد السوق”، لكن الواقع والمنطق يفرضان طرح الأسئلة المعقولة بغض النظر عما ستسفر عنه من أجوبة.
لو كانت القضية مجرد “صفق بالأسواق” لكان الحزب أول من يسبق إلى السوق، ولا ينتظر من يبيعه، ويكفيه القول: إن غزة تباد وغزة تُركت لوحدها وافتحوا لنا الحدود أيها الحكام العملاء لندخل غزة، كما يردد تيار الهزيمة عندنا، الذي يزعم دعم المقاومة لكن شعاراتهم لا تتجاوز تراقيهم، فيوم تعلق الأمر بسوريا ذهبوا إلى هناك مقاتلين وحتى من لم يذهب للقتال ذهب دعما ومساندة. ويمسك عن القتال ما دام القتال في غزة ويخرج منها رابحا وضعا مريحا في الحكومة ورئاسة الجمهورية. لكنه فضل ممارسة تكليفه الشرعي، وهناك أبناء الحركة السرورية ودراريها الذين تربوا على الحقد لا يفهمون “التكليف الشرعي” لأنهم ليسوا أهل فقه ولا أهل علم والدين عندهم مطية توجوه بالتمكين السياسي فأكلوا وشربوا حتى انتفخوا.
هؤلاء الذين لم يقدموا شيئا يسائلون من قدم كل شيء. لكن السؤال الحقيقي، المرتبط أيضا بالصفقة، لماذا لم يدخل المحور الحرب الشاملة؟
أنا أيضا أتساءل: لماذا لم تدخل روسيا الحرب الشاملة وهي قوة عظمى وصادرت باريس وبرلين 300 مليار دولار من ودائعها، وبإمكانها ضرب هاتين العاصمتين وإحداث دمار شامل بها، أو على الأقل توجيه ضربات عنيفة لأوكرانيا، لكنها فضلت تسجيل نقط على الخصم، وهو ما كان السيد الشهيد أشار إليه في أول خطاب بعد طوفان الأقصى وقال إننا ننتصر على عدونا بالنقط.

لو كانت أمريكا والكيان المؤقت ومن خلفهما ثعالب أوروبا يعرفون أنهم يدخلون الحرب الشاملة ويربحونها لدخلوها، لكن عدم دخولهم المباشر في الحرب الحالية هو جزء من المعادلة التي خلقتها إيران. التي لا يمكن أن تدخل حربا شاملة إلا في حالتين: أن تجر إليها أو تتوفر شروطها الموضوعية. الحرب الشاملة لن يربح فيها أي طرف لكن ستفرض اتفاقا بين الكيان ودولة من المحور وهو ما يضر بالمقاومة أيما ضرر. أما عن شروطها الموضوعية فهي الواقع والبيئة المحيطة عندما تصبح قادرة على فرض خروج القواعد الأمريكية من المنطقة وتفرض لو حيادا للعديد من الدول العربية والإسلامية في أية مواجهة.
يتفادى أبناء الحركة السرورية السؤال المحرج: إذا تدخلت إيران فمن الطبيعي أن تتدخل أمريكا وحلف الناتو، فلم تأت أربع حاملات طائرات أمريكية وإثنين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا للفرجة ولكن للحرب، في هذه الحالة مع من سيكون أردوغان العضو في حلف الناتو؟ مع من ستكون الدول العربية والإسلامية التي توجد بها قواعد أمريكية؟
الرد حتمي. والخبر ما ترون لا ما تسمعون.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...