قواعد السلوك المهذب والأخلاقي في التعامل مع المرأة

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

*شهباء شهاب

 

 

كثيرٌ من الرجال يفتقرون لفن يعرف بفن الأتيكيت في التعامل مع المرأة الغريبة، أو الصديقة. فتراهم يسلكون معها سلوكا ينم عن جهل كبير بنفسية المرأة وشخصيتها.

المرأة لا تحب الرجل الذي يتحدث معها حديثا طويلا، وهو لا يكاد يعرفها معرفة وطيدة. المرأة لا تحب الرجل الذي يرفع الكلفة، دون علاقة راسخة وطويلة. الخطأ الذي يقع فيه الكثير من الرجال أنهم يظنون أن كل امرأة يقابلها ستلقي بنفسها في أحضانه من المرة الأولى التي يتحدث بها إليها، وسترضى أن يتغزل بها، وجمالها، وحسنها، وجسدها. وهو بذلك يقع في فخ رفع الكلفة، وإلغاء المسافة، والتباسط في العلاقة، دون معرفة حقيقية كافية تسمح بذلك.

المرأة عموما تهتم كثيرا بالأتيكيت، وخصوصا المرأة المثقفة الواعية، ويعجبها للغاية الرجل صاحب الأتيكيت العالي، والذوق الرفيع في كل شيء، من انتقائه لألفاظه، إلى تنسيقه لجمله، إلى اختياره للوقت والظرف المناسبين لكل قول أو سلوك يريد القيام به. فالمرأة تعشق الرجل الذي يعاملها كسيدة عالية الشأن، أو كأميرة، وليس كرخيصة في متناول كل من هب ودب ليتغزل بها، ويلاطفها، ويذكر محاسنها وفضائلها. وهذا لأن نفسية المرأة تختلف كثيرا عن نفسية الرجل.

العاطفة الدافئة

المرأة تسحرها العاطفة الدافئة، ويبهرها الذكاء الاجتماعي للرجل أكثر مما يهمها الجنس كفعل جسدي. الحب للمرأة الواعية المثقفة أهم من الجنس، وهذا لا يعني أن الجنس غير مهم، وإنما يعني أن المرأة الواعية والعالية الثقافة لا تقدر، ولا ترضى لنفسها الجنس الخالي من العاطفة والحب والحنان، والذي لا يعدو أن يكون مجرد فعل ميكانيكي حيواني لا يقتصر على الإنسان فحسب، وإنما تمارسه الفصائل الحيوانية أيضا.
فالمرأة الواعية لن ترضى لنفسها أن تكون درجة ثانية في قلب رجلها، بل ترغب أن تكون هي الرقم واحد في قلبه. المرأة الواعية لن تقبل أبداً أن تكون شخصاً غير مهمٍ في حياة رجلها، شخص يأتي في ذيل القائمة، بعد كل الآخرين، وبعد كل شيء آخر، شخص يعيش على هامش حياته، لا يتذكره إلاّ عندما تَعِّنُ له حاجة. المرأة الواعية لاتحب ألاّ يتذكر رجلها وجودها في حياته، إلاّ حينما يخلد لفراشه ليلاً، ويرى أنّه بحاجة لمن يشاركه الفراش جسداً، لا روحاً، وشهوةً، لا حباً. المرأة الواعية لن ترضى لنفسها أن يتعارك معها رجلها طوال النهار، ويصرخ بها وكأنه يصرخ بخادمٍ، أو عبدٍ لديه، وينساها ولا يتذكرها إلاّ عندما تستيقظ شهوته الحيوانية. فهكذا زوج لا يستحق أن تظلّ معه، لأنه ليس بشراً، وإنما من فصيلةٍ أخرى غير بشرية. الناس اليوم بحاجة لكثير من أخلاق المعاملة التي لم يتربوا عليها، لا في بيوتهم، ولا في مدارسهم، وباتوا لا يعرفون من الدين، إلاّ أن يؤدوا صلوات شكلية، وصياماً عن الأكل والشرب. الله ليس بحاجة لكل هذا النفاق.

المفاتيح الاجتماعية

إذا أعجب الرجل بامرأة، وأراد التعرف عليها، فعليه قبل الاقتراب منها دراستها. كثير من الرجال لا يعرفون شيئا عن المفاتيح الاجتماعية التي لابد من استعمالها عند رغبتهم الاقتراب من المرأة، والتعرف عليها، والتحدث لها.
معظم النساء يتفوقن على أقرانهن من الرجال في امتلاكهم لتقنيات إجتماعية متقدمة تمكنهم من التحدث، والإعجاب، والتعرف. ولهذا نجد الكثير من الشابات وقد إنجذبن لرجال أكبر منهن سنا بكثير، لأنهم وجدوا هؤلاء الرجال أكثر جاذبية بسبب امتلاكهم للكثير من التقنيات الاجتماعية المتقدمة في مخاطبة المرأة، والتقرب منها، والتعامل معها.

فقد يحدث أن تقابل المرأة رجلا غريبا، تلتقيه للمرة الأولى، فإذا بها تشعر برابطة عجيبة تشدها إليه، فهو يتعامل معها بطريقة لم تصادفها من قبل، طريقة لم تكن تدري بوجودها أصلا الى أن قابلته . فالوقت معه يمضي دون أن يتسلل الضجر والملل إليها، وكأنها قد عرفت هذا الرجل في حياة أخرى سابقة.
إن المهارات الاجتماعية التي يملكها هذا الرجل هي التي تجعل هذا الرجل مختلفا بنظر المرأة، إلى درجة أنها تشعر أنه متفرد لا يشبه أحدا من الرجال، ولا يمكن لأي رجل آخر أن يكون مثله أبدا، أو أن يحلّ محله، أو يأخذ مكانه.

هذه المهارات الاجتماعية يمكن دراستها وتعلمها. فمن كان خجولا، يمكنه أن يتدرب ليصبح واثقا ومقداما، ومن كان لا يعرف إلاّ أن يتلعثم ويتأتئ، يمكنه أن يتعلم كيف يكون مُحَّدِثاً مفوها، ومن كان لا يعرف فن المبادرة بالحديث وخلق المواضيع التي تعجب المرأة وتثير اهتمامها، يستطيع التدرب على ذلك بالاطلاع، والقراءة، والتجربة والخطأ، وهكذا. وكذلك على الرجل اختيار الألفاظ التي يلجأ لها للتعبير عن عاطفته نحو امرأة عالية الفكر والثقافة، فهذه الألفاظ لا ينبغي أن تكون هي الألفاظ نفسها التي يوظفها للتعبير عن مشاعر الاعجاب بامرأة عامّيّة، لا تعرف شيئا عن الفكر والثقافة. الغزل الذي يسمعه الرجل لامرأة من صفوة المجتمع ونخبته، لابد أن يكون مختلفا عن الغزل الذي يلقي به على مسامع امرأة من قاع المجتمع.

نضج العقل

الجهل لا يعني عدم معرفة القراءة والكتابة فحسب. ولكنه يعني أيضا الرعونة، والحمق، وغياب الفطنة، وسوء التصرف، ليس عن قصد أو عمد دائما، وإنما عن غباء، أو قصر نظر، أو غياب العقل. ولذلك في العراق نطلق لفظة “جاهل” على الطفل الصغير الذي لا يحسن اختيار ألفاظه وتصرفاته، ونطلق لفظة “زعطوط” على البالغ الذي يتصرف بطريقة حمقاء، أو طفولية، أو غير ناضجة.
فالنضج هو نضج العقل، وليس نضج الجسم، والتقدم في العمر فحسب. فمن الجهالة أن لا تنتقي ألفاظك فتجرح بها المقابل، عن قصد، أو عن غير قصد.

فعندما يخاطب بعض الرجال امرأة لا يكاد يعرفها على الفيسبوك مثلا، أو في حياة الواقع بألفاظ مثل “بيبي” وتعني “جدتي” بالدارجة العراقية، أو “خالتي” أو عندما يتباسط في الحديث معها، وكأنه يعرفها عمره كله، ويسألها عن عمرها، ووزنها، وعن راتبها، وهل هي متزوجة أم لا، وكم لها من الأولاد، الخ فهو قد لا يعلم أنه يجرحها، ويؤذيها من حيث لا يدري، لأنه بهذه الألفاظ والتساؤلات قد يوحي لها أنها متقدمة في العمر، أو أنها عجوز هرمة، أو أن لا كلفة بينه وبينها. قد تتقبل بعض النساء هذه الألفاظ والتساؤلات، ولكن نساء كثيرات أخريات لن يعجبهن ذلك، حتى لو أخفين ذلك، ولم يصرحن به، مما يجعلهن يشعرن بالحنق، والامتعاض من مثل هذا الرجل. وأقل ما سيقال عنه، هو أنه تنقصه الكياسة واللياقة، أو لا يعرف كيف يحكي ويتكلم، مما سيؤثر على العلاقة التي تجمع هذا الرجل مع هذه المرأة، وقد تنتهي العلاقة تماما بسبب من هذه الأسباب التي يظنها هو صغيرة، وهي في الواقع كبيرة.

قلة من الناس في زمننا هذا يتقنون هذا الفن، فن الأتيكيت، الذي هو قواعد السلوك المهذب والأخلاقي الذي يتبعه مجتمع ما في التعريفات التي يتبناها للسلوك المتوقع أو المقبول.

هذه القواعد تشمل الكثير من تعاملاتنا مع الغير في مجالات الزيارات العائلية، والولائم، والدعوات، والاحتفالات، والمحادثات، والاستماع للغير، وإفساح المجال له لإبداء رأيه دون مقاطعة، والمراسلات، والاتصالات الهاتفية، واحترام المواعيد، وكيفية التعامل مع الغير في أوقات الراحة، والنوم، والعطلات، وكيفية التعامل مع الهاتف بوجود الآخرين، وعند الرد عليه، أو استخدامه، وطريقة التعامل عند استخدام المصعد في مبنى، والتعامل في وسائل النقل العام، والخ.

وقد تقابل كلمة أتيكيت الأجنبية مفردة “أصول” في الدارجة العراقية للإشارة لهذا الفن في التعاملات. فنرى في العراق الناس ينعتون الجاهل بهذا الفن أنه يفتقر للأصول، ويعنون بها الافتقار للأتيكيت.
ومما زاد من الخروقات لقواعد الأتيكيت في زمننا هذا هو شيوع ثقافة جديدة لم تكن موجودة في الماضي هي ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي التي قلبت الموازين الاجتماعية رأسا على عقب، وألغت الفواصل الموضوعة، وكسرت الحواجز، وقربت المسافات إلى حد عدم الالتزام بالآداب الاجتماعية المتعارف عليها، وخصوصا عند التعامل مع المرأة، وإلى حد شيوع المنكرات والقبيح من القول والفعل في التعاطي مع الآخرين.

أظن أننا اليوم بحاجة لمراجعة كتاب الأتيكيت فيما يتعلق بتعاملاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي قاطبة، ناهيك عن تعاملاتنا على أرض الواقع الذي نعيشه مع جميع المخلوقات من حولنا.

*كاتبة من العراق

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...