نزهة الضفضاعي
1ما طبيعة العلاقة القائمة بين الاسلام و الديمقراطية؛ هل هي علاقة توافق أم تناقض أم تكامل؟
أولا لابد من معرفة حقيقة الديمقراطية كما نفهمها، وكذلك موقف الإسلام من الأفكار الوافدة على مجتمعه؛ حتى نجيب عن هذا السؤال بدقة كافية. الديمقراطية من الناحية العملية هي آلية لاختيار الحاكم وممثلي الشعب، ومن الناحية النظرية هي نهج سياسي يمنح المجتمع حق الاختيار المطلق للمشرعين والتنفيذيين أو من يتولون السلطة التشريعية والتنفيذية، وهؤلاء المشرعون والتنفيذيون لهم الحق المطلق – بناء على هذا الاختيار – في سَن القوانين وتنفيذها.
وفيما يتعلق بالإسلام، فإنه لا يرى نفسه في تناقض مع تجارب البشر، بل يراها مصدرًا من مصادر الاستفادة في الحياة، وهذا ما نفهمه من عموم الآية الكريمة: (إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَعِبۡرَةࣰ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ)، فالانتفاع بالتجارب الفاشلة يكون بتجنب أسباب فشلها، والانتفاع بالتجارب الناجحة يكون بالنظر في أسباب نجاحها.
وبناء على هذا، لا أرى بين الإسلام والديمقراطية باعتبارها آلية لاختيار الحاكم تناقضًا من أي وجه، بل هي من الملكية العامة للبشرية، فيمكن لكل أحد يجد فيها فائدة أن ينتفع بها، ومن يرى أن هذه الآلية يمكن الانتفاع بها مع تعديلها؛ مثلا بأن يميز أصوات العلماء (بكل تخصصاتهم الدينية والدنيوية) وأصحاب الخبرة والسابقة في خدمة الوطن والمبادئ الراقية عن غيرهم – كما أقترح أنا – فيمكن له ذلك أيضًا.
وأما إعطاء الحق المطلق في التشريع، فهذا يمكن العمل به فيما لم يستقر الرأي الإسلامي عليه، فمنع شرب الخمر وأكل لحم الخنزير والعلاقة الجنسية خارج الزواج والربا وأمثالها؛ هي أمور ليس للمشرِّع الذي اختاره الشعب في بلد مسلم أن يخالفها، وأمامه بعد ذلك مجال واسع للتشريع يصول ويجول فيه، حتى يخدم شعبه في هذه الناحية.
2ما أوجه الخلاف والتناقض بين الإسلام والديمقراطية؟
أظن أجبت عنه في السؤال السابق.
3ما الأسباب الحقيقية وراء معارضة بعض التيارات الإسلامية للديمقراطية؟
معارضو الديمقراطية من الإسلاميين ليسوا على نمط واحد، وليس عندهم سبب واحد لمعارضتها، وذلك أن بعضهم يعارض الديمقراطية بسبب الأساس الفلسفي الذي قامت عليه، وهو منح الحق المطلق للشعب – عن طريق سلطته التشريعية – في التحليل والتحريم، ويرون أن هذه منازعة لله في حق أصيل من حقوقه.
وهناك فريق آخر ينظر إلى حصاد الديمقراطية الشوهاء التي مورست في أغلب الدول الإسلامية، وظهر أنها مجرد مسكّن شكلي وأداة لتهدئة الخواطر، في حين أنها لا تسمح لأحد بالوصول إلى السلطة إلا المستبدين المزورين، بل تحولت الديمقراطية الزائفة هذه إلى غطاء تمارَس تحته أشد أشكال الاستبداد ونهب ثروات الشعوب.
3هل يمكن الحديث عن إمكانية إرساء الديمقراطية في النظم الاسلامية؟
للأسف الواقع القائم الآن في أكثر بلادنا الإسلامية لا يبشر بخير في هذا الجانب على الإطلاق، ولا يحمل بارقة أمل قريب في التغيير والإصلاح. إلا أن ثمة عوامل معينة يمكن أن تحلحل الوضع الحالي، منها: زيادة وعي المواطن، ونشاط المؤسسات الأهلية وامتلاكها أوراق ضغط – ولو معنوية – على الأنظمة الحاكمة، ووجود شخصيات حكومية ذات توجه إصلاحي على أي مستوى سياسي، وقدرة الأنظمة على الاستقلال في قراراتها عن الخارج وضغوطه.. ففي حال وجود مثل هذه العوامل، فيمكن لبلادنا أن ترى ديمقراطية حقيقية.
4ألا يمكن القول إن من شأن الديمقراطية إعطاء قيمة مضافة للنظم الإسلامية؟ وما آثار ذلك على الأمة بأسرها؟
مما لا يدركه أكثر الحكام في العالم الإسلامي للأسف: أن أي نهضة يحققونها لبلادهم، وأي تغيير إيجابي فيها، سيكون رصيدًا مهما لهم، وقد يضعهم في مصاف الشخصيات التاريخية التي أصلحت أو سعت إلى الإصلاح والتغيير. كما غاب عنهم أن ما يجنونه من منافع بطريق الفساد والاستبداد يمكن أن يحققوا مثله وأكثر بطريق الإصلاح والنهوض بالإنسان في بلادهم، وتحقيق نهوض ونمو سياسي واقتصادي حقيقي.
إلا أن مشكلة الديمقراطية في العالم الإسلامي معقدة جدًا؛ وذلك أن الدول الكبرى ذات المصالح في البلاد الإسلامية لا ترغب في ديمقراطية تأتي بحكومات لا تضمن لها مصالحها، ومن هنا كان التحالف غير النظيف بين هذه الدول وبين النخب الحاكمة في العالم الإسلامي؛ سواء أكانت في صورة جيوش حاكمة أو أسر تتوارث الحكم.
5وهل يمكن لإرساء الديمقراطية أن يكون المنقذ الوحيد للأمة الاسلامية في عصرنا الحاضر؟
لماذا نفترض أن الديمقراطية هي الشكل الوحيد الجيد للحكم؟ إن صور الاختيار الحر للحاكم وممثلي الشعب يمكن أن تتعدد، ونحن قادرون على أن نبدع نموذجنا السياسي المنفتح غير المنغلق؛ أعني أن في تراثنا مبادئ واضحة وعامة للعمل السياسي، ويمكن أن تقبل أشكالا عدة في التطبيق حسب العصر، وتستفيد مع هذا من كل التجارب البشرية الجيدة في هذه الناحية، ومنها الديمقراطية.
لقد تم اختيار خلفاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأوّلين وفقًا لقواعد دقيقة، وفي جو من الحرية والشورى المثالية، وهي تجربة ثرية جدًا تلتقي مع الديمقراطية في بعض أصولها، لكنها تبدو في وقتها سابقة لعصرها وبيئتها سبقًا عظيمًا، وما زالت تحتفظ برقيها بين التجارب السياسية الإنسانية، ويمكن أن تكون أصلا للنمط السياسي الإسلامي حاليًا، والديمقراطية بجانبها هي تجربة من بيئة أخرى يمكن الاستفادة منها.
6ما تعقيبكم على القول التالي: “إن السيادة في الإسلام للشرع وليس للأمة”؟
لا ينبغي أن نفهم مصطلح “الأمة” هنا بمعزل عن مصطلح “الشرع”؛ وذلك أن الأمة الإسلامية لا ينطبق عليها وصف “إسلامية” إلا إذا احترمت شريعتها ودينها، وفي هذه الحال لن يسرها أن تكون القوانين مثلا مبيحة للخمر أو القمار، أو معتدية على كرامة الإنسان، أو مؤيدة للاستبداد والظلم، أو مانعة من الصلاة أو الحج، وغير ذلك.
ومن هنا نفهم أن كون السيادة للشريعة هو سيادة الفكرة النظرية أو الجانب المعنوي للمجتمع المسلم، وأما سيادة الواقع والحياة العملية فهي للأمة التي تحترم هذه الشريعة.
7ما الدور المنوط بالإسلام في الحياة السياسية؟
مع كثرة ما كُتب قديما وحديثًا حول الإسلام وتشريعاته وأصوله وفروعه، فإن مصادره (القرآن والحديث النبوي) ما زالت في حاجة إلى قراءات شاملة ومتجددة في ضوء ما يجدّ ويتراكم من خبرات معرفية لدى العلماء في المجالات المختلفة، ومن ذلك عطاؤه في المجال السياسي. وأهم ما يمكن قوله في هذا هو أن الإسلام راعى التطور الذي يقع للمجتمعات من زمن إلى آخر، فلم يحكم حياتهم السياسية بتشريعات جامدة صارمة، وإنما حكمها بمبادئ عامة لو تحققت فقد تحقق معها مطلوب الشريعة، وهذه المبادئ هي: الشورى، والعدل، وتطبيق القوانين الإسلامية، وأن يكون الحاكم العام مسلمًا.
أعني بهذا أن الإسلام يطلق للإنسان المسلم حق الاجتهاد في الوسائل والآليات ما دامت المبادئ والأصول مرعية في المجال السياسي وسائر المجالات المتطورة من عصر إلى آخر، وبهذا تصبح خبرة هذا الإنسان وتراث الإنسانية السياسي كله وعطاء الواقع وإمكاناته؛ يصبح هذا كله زادًا مُعِينًا على صناعة النموذج السياسي والحضاري.
8ما الدور الحقيقي للإسلام في النظام السياسي للدولة؟ وما حدوده؟
الإسلام ليس مجرد كهنوت يعلّم الناس كيف يصلون ويحجون فقط، بل هو يفتح أبصارهم على كثير من الأمور التي تغيب عنهم في الحياة نفسها، ويدعوهم إلى اكتشاف المزيد بأنفسهم عن طريق الملكات التي منحها الله للناس. ومن هنا لابد من التأكيد على أن مفهوم “الدين” في الاصطلاح الإسلامي يختلف عنه في اللغات الغربية، فهذه اللغات تعني بالدين منظومة غيبية قائمة على الإيمان أو التسليم بدون اشتراط ولا دليل، وأما في الإسلام، فهو يطلب من أصحابه أن يفهموه، وأن ينطلقوا في تعاملهم معه من الوعي الواضح به، وبأنه ليس برنامجًا مغلقًا للحياة مع ما فيه من تعاليم ووصايا وفروض، بل إن توجيه الإسلام لأتباعه إلى تشغيل ملكاتهم يكمل هذه الوصايا، منه مثلا قول الله تعالى: (قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ یُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ).
من هنا نفهم أن الإسلام يمثل للمجال السياسي خلفية قِيَمية تضبط السلوك الذي يمارسه السياسي المسلم والدولة المسلمة، فلا وجود لقاعدة “الغاية تبرر الوسيلة”، ولا حقيقة للعدوان على الآخرين بدون سبب، ولا معنى للوجود الضعيف الذي يطمع الأشرار فيك، وهكذا.
9في نظركم، ما التناقضات التي تعتلي الممارسة الديمقراطية في البلدان الإسلامية؟
في جانب الأنظمة الحاكمة سبق القول بأن الديمقراطية ما هي إلا غطاء رقيق وليس حقيقة سياسية، وفي جانب المعارضة كثير منها يخوض المجال السياسي بدون خبرة كافية، ومن هنا يقع في كوارث سياسية كما حدث في مصر مثلا. وبعض المعارضة رضي لنفسه أن يقوم بوظيفة الديكور الذي يسوغ تصرفات الأنظمة وديمقراطيتها الشكلية.
10باختصار، ماذا يمكنم القول عن الممارسة السياسية في العالم الإسلامي؟
هي لعبة تمارسها السلطة حتى تبقى في الحكم إلى الأبد، واستمرارها مرهون بالدعم والمساندة الخارجية، إلا أني آمل ألا يستمر هذا الواقع طويلا.