إلى أين وصلت المرأة الموريتانية على صعيد التمكين الاقتصادي؟

إيطاليا تلغراف

 

 

 

*فاطمة مختار مولود

 

على الصعيد العالمي تتمتع النساء بفرص اقتصادية أقل، وهنا أقل من نسبة 50% من النساء المؤهلات يشاركن في القوى العاملة مقابل 75% من الرجال.

كما تزداد احتمالية أن تعمل النساء في وظائف غير رسمية وفي وظائف ضعيفة أو منخفضة الأجر، وقد زادت الفجوة بين الجنسين بسبب تداعيات فيروس كورونا التي أثرت على خسارة نسبة كثيرة من النساء وظائفهن مقارنة بالرجال، ولا تحصل 2.4 مليار امرأة في سن العمل على فرص اقتصادية متساوية.

وعلى صعيد الشمول المالي، فإن نسبة 56% من النساء لا يتمتعن بحسابات بنكية، ومعظمهن من نساء أفريقيا جنوب الصحراء.

وهناك أيضا فجوة في الحماية بين الجنسين، حيث يقل عدد النساء اللائي يستخدمن التأمين عن الرجال، ويعد الوصول المتكافئ إلى التأمين أمرا مهما حتى تتمكن النساء من الاستفادة من حلول إدارة المخاطر، بما في ذلك تأمين الأعمال للمؤسسات التي تقودها النساء.

وتظهر نتائج دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة والبنك الدولي أنه بين سن 20 و34 من المرجح أن تكون النساء أكثر فقرا من الرجال.

ويؤثر الطلاق والانفصال والترمل على المرأة أكثر من الرجل، وفي الفئة العمرية 18-49 النساء المطلقات أكثر عرضة للفقر بأكثر من الضعف من الرجال المطلقين.

وفي أغلبية البلدان تمثل أجور النساء بين 70 و90% من أجور الرجال مع نسب أقل في بعض البلدان الآسيوية وأميركا اللاتينية.

واعتبارا من عام 2011 كانت 50.5% من النساء العاملات في العالم يعملن في وظائف ضعيفة، وغالبا ما تكون غير محمية بموجب تشريعات العمل مقارنة بنسبة 48.2% للرجال.

وكانت النساء أكثر احتمالا بكثير من الرجال للعمل الهش في شمال أفريقيا (55 مقابل 32%)، والشرق الأوسط (42 مقابل 27%)، وأفريقيا جنوب الصحراء (حوالي 85 مقابل 70%).

وتتحمل النساء مسؤولية غير متناسبة عن أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، إذ يكرسن ساعة إلى 3 ساعات في اليوم للأعمال المنزلية أكثر من الرجال، من اثنين إلى 10 أضعاف مقدار الوقت اليومي للرعاية (للأطفال وكبار السن والمرضى)، وساعة إلى 4 ساعات أقل يوميا لأنشطة السوق.

ويقيس قانون المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2022 في 190 دولة 8 مجالات تؤثر على المشاركة الاقتصادية للمرأة، وهي التنقل ومكان العمل والأجر والزواج والأبوة وريادة الأعمال والأصول والمعاشات التقاعدية.

وتقدم البيانات معايير موضوعية وقابلة للقياس للتقدم العالمي نحو المساواة بين الجنسين، إذ إن 12 دولة فقط -جميعها جزء من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- لديها تكافؤ قانوني بين الجنسين.

والجديد هذا العام هو دراسة استقصائية تجريبية شملت 95 دولة للقوانين التي تحكم رعاية الأطفال، وهو مجال بالغ الأهمية، حيث تحتاج النساء إلى دعم للنجاح في العمل بأجر.

وهذه الممارسات تعود في الأساس إلى عوامل اجتماعية وقبلية متمثلة في التنشئة والعادات والتقاليد التي يتوارثها الأفراد جيلا بعد جيل، كما أن هيمنة الثقافة (الأبوية) المتداخلة مع قيم الهيمنة والتفوق والإخضاع والتي حصرت دور المرأة في الوظيفة الاجتماعية والأسرية أدت وتؤدي دورا بالغ السوء في قضية تمكين المرأة.

وفي موريتانيا يتسبب عدم المساواة بين الجنسين في رأس المال البشري في خسارة ما يقارب من 19% من ثروتها الوطنية.
أهم فوائد التمكين الاقتصادي للمرأة
وفي دراسة أخرى لمنظمة الأمم المتحدة أظهرت أنه إذا لعب الرجال والنساء دورا مماثلا في أسواق العمل فإنه يمكن إضافة ما يصل إلى 28 تريليون دولار أميركي أو 26% إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وأكدت نتائج لدراسة أجريت على شركات “فورتشن 500” (Fortune 500) أن الشركات التي لديها أكبر تمثيل للمرأة في المناصب الإدارية حققت عائدا إجماليا للمساهمين كان أعلى بنسبة 34% من الشركات ذات التمثيل الأدنى، مما يدل على القدرات الإدارية للمرأة إذا أتيحت لها الفرصة.

وتضمنت الزيادة 53% في حقوق الملكية للمساهمين و42% في المبيعات و67% في رؤوس الأموال المستثمرة، مما يدل على القوة الإدارية للمرأة ومدى فاعليتها في المناصب العليا.

وأظهرت الدراسات أن الشركات ذات القيادة المتوازنة بين الجنسين لديها التزامات أقوى في ممارسات الأعمال المستدامة.

ووجدت إحدى هذه الدراسات التي استطلعت آراء أكثر من 11 ألفا و700 شركة أن وجود 30% على الأقل من النساء في مجالس إدارة الشركات أدى إلى تحسين إدارة المناخ وخفض معدلات نمو الانبعاثات.

وهذا مجرد مثال واحد على كيفية تعزيز الجهود الدولية التي تسعى للحد من متوسط درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية من خلال تسخير إمكانيات المرأة وتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة.

وعلى الصعيد المحلي، فإن المرأة الموريتانية تعاني من ارتفاع نسبة الأمية داخل صفوف النساء، والتسرب المدرسي، والنظرة النمطية تجاه المرأة، وضغط الالتزامات المنزلية، خاصة مع عدم مساعدة الرجال في هذه الأعمال، وكل هذه العوامل من بين أخرى تساهم في مجملها في الحد من استفادة المرأة من الكثير من الفرص المتاحة وعدم تمكينها اقتصاديا، لذا فان قضية تمكين المرأة يجب النظر إليها بوصفها مشكلة اجتماعية ناتجة عن خصائص اجتماعية خاصة بكل مجتمع تنتظر تكاتف الجهود لإنصافها.

والتمكين الاقتصادي للمرأة هو المفتاح لتحقيق المساواة بين الجنسين والعديد من نتائج التنمية المستدامة، فعندما يتم تمكينها اقتصاديا فإنها تكون قادرة على الاستثمار في الصحة والتعليم في مجتمعاتها، مما يقلل بشكل كبير معدلات الفقر.

ويمكن أن يساعد تمكين المرأة اقتصاديا في رفع مستويات المعيشة لما يقدر بنحو 388 مليون امرأة وفتاة يعانين من الفقر المدقع في عام 2022 حسب إحصائيات البنك الدولي.

كما يعد التمكين الاقتصادي للمرأة أمرا بالغ الأهمية للحفاظ على مجتمعات عادلة، ومع ذلك فإن معنى مشاركة المرأة في الإدارة العامة في البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات هو نصف المتوسط العالمي.

وبالإضافة إلى ذلك تلعب المرأة دورا كبيرا في التعافي بعد الصراع، حيث من المرجح أن تنفق المرأة دخلها على احتياجات الأسرة وأن تساهم بشكل أكبر في التعافي من الصراع.

ويقترح الدارسون والمهتمون بالمرأة والقضايا الاجتماعية سلسلة من الإصلاحات للحد من عدم المساواة بين الجنسين ومعالجة العقبات التي تواجه المرأة، ومن أهمها:

أولا: يجب إزالة الحواجز القانونية لتحسين الفرص الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، وهذا يشمل -على سبيل المثال- إدخال مبدأ “الأجر المتساوي للعمل المتساوي القيمة” في القانون، وضمان حقوق متساوية في الحصول على الدعم المالي للطلاق، مما يسمح بالتالي بتقييم المساهمات غير النقدية أو العمل غير المدفوع الأجر.ويمكن تقليد بعض الدول الإسكندنافية في تطبيق قانون يفرض نسبة 40% على الأقل من النساء في الوظائف العمومية، مما أدى إلى ازدهار هذه البلدان وتطورها اقتصاديا.
ثانيا: يجب معالجة زواج الأطفال والحمل المبكر، على سبيل المثال من خلال ضمان بقاء الفتيات في المدرسة حتى نهاية التعليم الثانوي يمكن أن يكون هذا أحد أهم الاستثمارات متوسطة إلى طويلة الأجل التي يمكن للبلد القيام بها لتقليل تكلفة عدم المساواة بين الجنسين، وعلى الحكومات أن تفرض إلزامية تعليم البنات وتوفير منح لهن في المدارس والجامعات.
ثالثا: لا بد من إقامة دورات تدريبية عملية للمرأة في مجالات مختلفة، وتمجيد دور المرأة، وتقديم نماذج للأجيال من النساء اللواتي تركن بصمات إيجابية، وتثقيف المجتمع انطلاقا من المناهج التعليمية والتوعية العامة والبرامج التلفزيونية بحيث يعاد الاعتبار والاحترام للمرأة كشريك كامل في بناء الوطن.
إن تمكين المرأة في الدول النامية أمر أساسي لتقليل الفقر العالمي، وذلك لكون النساء يشكلن جزءا كبيرا من عدد الفقراء في العالم، وإقصاء جزء كبير من القوى العاملة لدولة ما على أساس الجنس فقط له آثار سلبية على الاقتصاد، خاصة اقتصاد موريتانيا الهش.

*باحثة في المالية الإسلامية متحصلة على شهادة الدكتوراه في المالية والصيرفة الإسلامية من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا وأستاذة في جامعة نواكشوط

 

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...