*غسان الاستانبولي
كما كان مُتوقّعا،ً لم يستطع أحدٌ من الخصوم المتنافسين على كرسيّ الرئاسة التركية، حسم المعركة لصالحه في الدورة الأولى، التي جرت بتاريخ 14أيار/مايو، وبالتالي تأهّل المرشحان رجب طيب أردوغان، وكمال كليجدار أوغلو، لخوض المعركة الفاصلة، المُقرّرة بتاريخ 28 من نفس الشهر.
وهنا، سنحاول أن نقرأ كيف كانت نظرة السوريين لهذا الحدث، ولكن ليكتمل المشهد، لا بُدَّ من إلقاء نظرةٍ على موقف الدولتين المؤثرتين في مُعظم الانتخابات الدولية التي تهمّهما، وهما روسيا، والولايات المتحدة الأميركية، كون موقف كلتا الدولتين مؤثرٌ أيضاً بوجهة النظر السوريّة، باعتبار أن إحدى هاتين الدولتين تُعتبر صديقةً لسوريا، والآخرى مُعتديةً عليها.
● موقف الاتحاد الروسي
كان واضحاً الدعم الروسي للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، باعتباره نهج بالسياسة التركية نهجاً بعيداً نوعاً ما عن الغرب، واستطاع نقل تركيا، لتصبح شريكًا تجاريًا لا غنى لروسيا عنه، وخاصّةً بعد العقوبات الغربية عليها، الشيء الذي كان له دورٌ كبيرٌ في منع عزل روسيا، مع أنّ الرئيسين بوتين وأردوغان يختلفان في كثيرٍ من القضايا، سواء في سوريا، أو ليبيا أو في القوقاز، وصولاً إلى أوكرانيا، التي حصلت من تركيا على طائراتٍ مُسيّرة، واستخدمتها في حربها مع روسيا، وهذا يعني أنّ الرجلين يلعبان لعبة المصالح “بالقطعة”، كما يُقال، والرئاسة التركية “قطعةٌ” من قطع المصالح الروسية، وبطبيعة الحال هناك الكثير من المصالح التركية مع روسيا.
● موقف الولايات المتحدة الأميركية
أيضاً كان واضحاً دعم الولايات المتحدة الأميركية للمرشّح كمال كليجدار أوغلو، ولو بشكلٍ أقلّ ظهوراً، وقد أعلن الرئيس الأميركي موقف دولته الداعم لأوغلو، حين قال،”رجب طيب أردوغان رجلٌ مُستبدّ، وعلى أميركا أن تدعم معارضيه”، هذا الموقف الأميركي، أتى نتيجة عدم سير أردوغان بشكلٍ كاملٍ مع واشنطن، في كثيرٍ من القضايا، مثل العقوبات على إيران، وعلى روسيا، وموقفه من الانفصاليين الكرد في سوريا، وغير ذلك.
● كيف ينظر السوريون إلى الانتخابات التركية؟
لا أحد يستطيع أن ينكر الدور السوري في ترجيح كفّة أحد المُتنافسين على الآخر، ذلك لو وافق الرئيس السوري بشار الأسد على لقاء أردوغان، أو وافق على طلب أوغلو لزيارة دمشق، وبهذا الموقف لم تحاول سوريا تغليب أحد المرشّحين على الآخر، لتتعامل لاحقاً مع من يفوز، كون المرشّحين أبديا رغبتهما بالتعاون معها.
وحديثنا في هذا الجانب سيكون عن رأي الغالبية العظمى من الشعب السوري، ونعتقد أن رأي القيادة السورية ينسجم مع رأي الشعب حَدّ التطابق، ولكن للقيادة دبلوماسيتها، وظروفها، وأسلوب عملها.
واضحٌ أن الشعب السوري، وبما يملكه من قدرةٍ عاليةٍ على قراءة الأحداث، استطاع الفصل بين العاطفة والعقل، إذ أنّ العاطفة تقول إن أردوغان مكانه الطبيعي هو خلف القضبان، لما ارتكبه من جرائمٍ بحقّ الشعب السوري، كونه كان، وما زال رأس الحربة، فيما تعرّضت وتتعرّض له سوريا من عدوانٍ عالميٍ غير مسبوق،
أما العقل فيقول، إن مصلحة المنطقة، والمصلحة السورية خاصّة، تكمن في بقاء أردوغان على رأس الحكم، ليس لأنّه جيدٌ، ولكن لأن البديل قد يكون أسوء، وقد يعيد الأزمة السورية عدّة خطواتٍ إلى الوراء، حتى وإن كان هذا البديل يُعلن عكس ذلك، وللتوضيح سنقوم ببعض المقارنات البسيطة.
• أردوغان ابتعد مسافةً لا بأس بها عن الأميركي، واقترب نفس المسافة من الروسي، بينما أوغلو (اليساري) ابتعد عن الروسي، واقترب من الأميركي، أي أنّ كِلا المرشحين غير مُلتزمٍ لا بوعدٍ ولا بمبادئ، بدليل انتقال كليهما من النقيض إلى النقيض، وطبيعي أن يُفضّل السوريون من انتقل إلى صف دولةٍ صديقة، حتى لو كان هذا الانتقال محدودا،ً وربّما مؤقتاً.
• أصبحت كلّ أوراق أردوغان مكشوفة،ً وأهمها موافقته على تسهيل الحلّ في سوريا، بينما لا نعرف الكثير عن أوراق أوغلو، وخاصّة الأوراق المكتوبة بقلمٍ أميركي، وبالتأكيد سيكون تعقيد الحلّ في سوريا هو المطلب الأميركي الأول، ولا سيّما أنّ واشنطن فشلت في منع الانفتاح العربي على دمشق، ولكنّها مازالت تُعوّل على منع هذا الانفتاح من قبل دولٍ أخرى، وتركيا بحسب ما هو مُعلنٌ ستسير بطريق الانفتاح، إذا فاز أردوغان.
• مُعارضة أردوغان الحاسمة لقيام كيانٍ كرديّ انفصاليٍ في شمال سوريا، وذلك بعكس الإرادة الأميركية، أمّا أوغلو فقد يسير بطريق تأييد قيام كيانٍ كرديٍّ مُنفصلٍ عن الدولة السورية، وذلك بحجّة حلّ القضيّة الكردية، في كلٍّ من تركيا، وسوريا، والعراق، وبطبيعة الحال، فإن الاتفاق الذي وقّعه مع “حزب الشعوب الديمقراطي” قبيل الجولة الأولى من الانتخابات يوحي بذلك، ومعروفٌ أنّ الحزب المذكور هو الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني.
• بما أنّ أيّ فلتانٍ أمنيٍ في تركيا ستتأثر به سلباً كلُّ دول الجوار، وخاصّة سوريا، وبما أنّ أردوغان أحكم قبضته على كلّ المفاصل في المؤسستين العسكرية والأمنية التركية، فسيكون هو الوحيد القادر على المحافظة على استقرار الوضع الداخلي التركي، بعكس أوغلو، الذي لن يجد له عوناً في كلتا المؤسستين، بل سيجد فيهما من يعمل ضدّه، وسيكون ذلك مدخلاً للفوضى التي ستجلب المزيد من العبث الأميركي في تركيا، وبالتالي في المنطقة.
بالمحصلة، فالغالبيّة العُظمى من الشعب السوري، وبنتيجة تجربةٍ مريرةٍ مع الأتراك عمرها مئات السنين، لا يُفرّقون بين رئيسٍ تركيٍ وآخر، أو بين قياديٍ وآخر، فكلّ الرؤساء والقياديين هم أردوغان، ولو تغيّرت الأسماء، بل كلّهم جمال باشا السفّاح، بشكلٍ أو بآخر، ولعلّ التعبير الأنسب عن لسان حال السوريين الآن، هو قول الشاعر، “ومن نَكدِ الدنيا على الحُرّ أن يرى، عدواً له ما من صداقته بدُّ”.
*كاتب وباحث سياسي سوري