زينة المرأة.. نظرة على الحكم الشرعي

إيطاليا تلغراف

 

 

 

*هديل عبد المجيد الزير

 

موضوع زينة المرأة من المسائل الإشكالية -كأكثر المسائل المتعلقة بالنساء التي لها انعكاس على العلاقة بينها وبين الرجل- والمشهور فيها المنع والتحريم، ولأن الزينة من المسائل التي عمت في زماننا وانتشرت وأصبحت أمرا واقعا كان لابد من بيان التفصيل حولها والإضاءة على جوانبها لتكتمل الصورة

﴿.. وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ..﴾ (سورة النور–31) مدار الحديث في موضوع الزينة كله على قوله تعالى ﴿.. ما ظهر منها..﴾ أي الزينة الظاهرة، وقد استفاض المفسرون قديما وحديثا في عرض الأقوال حول هذه الزينة المباحة، ورجح بعضهم بعض الأقوال على الآخر، واكتفى بعضهم بعرض الآراء دون ترجيح، وترجع كلها لمعنيين اثنين:

الأول: زينة الثياب وهو قول ابن مسعود، والحسن، وابن سيرين والنخعي.
الثاني: زينة الوجه والكفين وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير وعطاء، وقتادة، وغيرهم كثير.
وقد تتبعت أقوال المفسرين فيها فوجدت أكثرها ترجيحا القول الثاني وهو زينة الوجه والكفين، وقد بلغت أكثر من 15 مفسرا، واكتفى بعضهم بعرض الأقوال دون ترجيح، وقلة منهم رجح القول الأول الذي قال بزينة الملابس، وهو ما ذهب إليه البيضاوي وابن الجوزي.

ماهيتها
زينة الثياب: هي الملابس المزركشة التي تتزين بها المرأة للاحتفال والمناسبات، واللباس جله جميل، لكن ما حدده العرف أنه للزينة والاحتفال فهو لباس الزينة المقصود.
زينة الوجه والكفين: وهي الأصباغ على الوجه سواء للتبيض أو للاحمرار أو ما كان تحت العينين لإزالة الكلف، وكحل العين، وخضاب الكف، والحناء في الدين، أو ما أشبهه من أصباغ ورسوم مباحة، والخاتم وغير ذلك.
وعموما فإن الآية أحالت الأمر للعرف، فما تعارف عليه الناس وأهل المروءة أنه من الزينة فهو على أصل الإباحة، ولا يقصد به زينة الوقت الذي نزلت فيه الآية بعينه، فلكل زمان وسائله.

شروط الزينة
ألا يكون فيها ضرر على البدن فالضرر يزال، وألا تؤدي لإسراف لأنه منهي عنه. وألا يكون فيها إسراف ومبالغة بل تكون باعتدال وتوازن، وألا يكون فيها تشبه بالرجال، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات بالنساء من الرجال والرجال من النساء. أن تكون الزينة من المتعارف المألوف، فلباس الشهرة اللافت منهي عنه. وألا يكون فيها تشبه بلباس دين كفر بعينه، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) والعبرة في ذلك بالهيئة العامة بحيث ألا يكون هناك مشابهة في شيء من شارات الكافرات مهما كان يسيرا. وأخيرا ألا تؤدي لتغير خلق الله، والتغير هو التغيير الثابت أو الذي يثبت وقتا طويلا.

حالاتها
يفصل الشيخ محمد الددو الشنقيطي حالات الزينة إلى 4 صور:

إما الاقتصار زينة على الوجه والكفين وعدم إخراج الزينة في الملابس، وهو قول الجمهور.
أو تغطية الوجه والكفين وإبداء الزينة في الملابس، وهو رواية عن الحنابلة وقول لابن مسعود وبعض الصحابة.
أو تبدي الجميع، وفيه حمل المشترك على معنيه والتوسع فيه.
أو تترك الجميع لا تبدي الزينة لا في الوجه والكفين ولا في الثياب، وهو تعطيل للآية إذا اعتقدت أن عليها أن تستر الوجه والكفين وألا تخرج بثياب الزينة معا اعتقادا على سبيل الوجوب الشرعي للحكم، لكن إن رأت ألا تظهر أيا منهما دون اعتقاد الوجوب والدعوة إليه فلا حرج، ولا حرج عليها أن تعتقد به الأتقى والأورع.

أدلة من السنة على جواز الزينة
كتب عمر بن عبد الله إلى عبد الله بن عقبة يخبره أن سبيعة بنت الحارث الأسلمية أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة، وهو في بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدرا، وتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل، وقال لها: مالي أراك تتجملين؟ لعلك ترجين النكاح، إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرا، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك: جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي.. متفق عليه.
عن أم سلمة: كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما أو أربعين ليلة، وكنا نطلي على وجوهنا الورس تعني من الكلف. أبو داود والترمذي
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما واللهِ لو كان أسامةُ جاريةً حَلَّيتُها وزَيَّنتُها حتى أُنَفِّقَها) ابن ماجة وأحمد

كلمة لا بد منها
ما سبق ذكره في الحديث عن حكم الزينة إنما هو بيان للحكم الشرعي العام، وليس بفتوى، فالمفتي له شروطه ويراعي بفتواه مآلات الفتوى حسب فوارق الأشخاص والأعيان والبلدان والوقت والمقصد، وينزل حكمه على الواقع، والتي تعيش في بلد لا تشتهر فيه الزينة يختلف الأمر بالنسبة لها عن التي تعيش في بلد كثرت زينته، والتي تعيش في بلد أوروبي تختلف عن التي تعيش في بلد مسلم محافظ، وغير ذلك من ظروف وملابسات، ومراعاة العرف من المروءة وهي واجب أخلاقي معتبر شرعا، وقبل الحكم الشرعي فإن المسلم يتصف بالورع والحياء والحشمة ويسعى لمعالي الأخلاق وأحسنها، ويحاول الاعتدال والتوازن فلا يتنطع ولا يتفلت إنما يأخذ مما أباحه الله له بالحد المعتدل، وإن أخذ المرأة بحكم جواز الزينة لا يعني جواز نظر الرجل لها، فغض البصر واجب عليه، ويأثم إن أتبع النظرة الأخرى، ولو أن الرجل ترك غض البصر فإنه يستحسن للمرأة أن تترك الزينة لكنه غير واجب عليها، ولا تحرم عليها الزينة لفعله إن كانت في بلد انتشرت فيه الزينة، وللأستاذ عبد الحليم أبو شقة -الذي أفرد مجلدا كاملا في موسوعة “تحرير المرأة في عصر الرسالة” لموضوع لباس المرأة وزينتها- كلمة مهمة في هذا السياق أنقل جزءا منها هنا “لا مجال للاجتهاد في علاج فتنة المرأة بغير النهج الذى قرر الشارع، وهو يبدأ من ترسيخ الإيمان في قلوب العباد، وتنمية تقواهم الله ورعايتهم لأحكامه، وما غض البصر إلا حكم واحد من هذه الأحكام”.

ولذلك نقول: إذا تعطل هذا الأدب فلا علاج لهذا التعطل إلا بإحياء النهج الذي قرره الشارع، أي بترسيخ الإيمان وتنمية التقوى، أما اللجوء إلى بديل عن هذا النهج الحكيم، يتركز في أمر مظهري هو ستر وجه المرأة، ثم الظن أننا قد عالجنا المشكلة، فهو ظن خاطئ وعلاج قاصر لا يغني شيئا، وقد يعالج سطح المشكلة ولكنه لن يعالج أعماقها. إن كل ما يمنعه هو النظر في العلن، وأما النظر في السر، أي استراق النظر من جانب الرجل الضعيف، أو تعمد الكشف إذا غاب الرقباء من جانب المرأة الضعيفة، فهيهات هيهات).

وأبدع من سمعته تناول موضوع زينة النساء فضيلة الشيخ الددو في حلقات منشورة على يوتيوب بعنوان (مفاهيم.. زينة النساء) وهي حلقات مهمة أنصح كل مسلم رجلا كان أو امرأة بمتابعتها، ففيها كنوز ونفائس مهمة.

*كاتبة و مدونة سورية

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...