توكل كرمان.. وقود الفتنة في المغرب: من “نوبل للسلام” إلى التحريض على الحرق والتخريب والعنف والاساءة للمغاربة
عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا
لقب «جائزة نوبل للسلام» يحمل معه ثقلًا أخلاقيًا والتزامًا عامًا؛ إنه توقيع رمزي على أن حامله يقف إلى جانب السلام والحوار، لا إلى جانب الخطاب الذي يوقد نار الانقسام والعنف. لذلك، فإن أي دعوة علنية تختزل احتجاجًا سلميًا في دعوة للتخريب أو الحرق لا تستدعي مجرد نقد بل استنفارًا أخلاقيًا للمجتمع المدني، ولمن يتبنون الشأن العام من ناشطين وصحفيين ومؤسسات دولية.
الوقائع المتكررة في الساحة المغربية تُظهر احتجاجات شبابية شكلّت في مجملها مطالب اجتماعية وصوتًا عامًا يطالب بتحسين ظروف التعليم والصحة. أما ما شاهده الرأي العام من أعمال تخريب متفرقة فهي طارئة على الحراك العام، وليست تعبيرًا وحيدًا عن كل المتظاهرين. في هذا السياق، أي خطاب خارجي يُعادِل بين المطالبة المشروعة بالعناية العامة والدعوة إلى إشعال الحرائق وتدمير الممتلكات، هو خطاب يضرب في صميم حق التظاهر السلمي ويجرّ مناخ النقاش إلى عنف لا يخدم إلا من يريدون الفوضى.
هنا تبرز مسألة الانقسام بين الدور المتوقع للناشطين والواقع المعلن. فالمدعوة توكل كرمان، بصفتها إحدى الوجوه المعروفة على الساحة الدولية والتي حازت اعترافًا عالميًا، يتحتم عليها — على الأقل أخلاقيًا — التمييز بين التأييد السياسي لحقوق الشعوب وبين التشجيع على إجراءات تفضي إلى عنف وإهانة للنسيج الاجتماعي. عندما يتحول الخطاب من النقد البناء إلى التحريض الصريح، لا يسقط فقط سقف الحوار، بل يُعرّض الناس للخطر ويمنح المبرر لمن يريدون قمع صوت المواطنين باسم الاستقرار.
ثمة ملمح آخر لا يقل خطورة: تناقض الخطاب. كثير من رواد الحقل الحقوقي يُنتظر منهم أن يكونوا مرآة لقيم التعايش وضمانات المجتمع المدني. لكن إعادة تداول توصيفات ومزاعم غير موثوقة — كالإيحاء بأن احتجاجات منظمة بأكملها “تقترب من مؤسسات دستورية” دون مستندات أو دلائل — يعبّئ الجمهور بحقائق مغلوطة قد تفضي إلى اختلال الفهم العام ورفع منسوب الاحتقان دون سبب موضوعي.
أما بخصوص مسؤولية المنصات والتمويل، فبدل أن نغرق في اتهامات قد لا تستند إلى معطيات مؤكدة، فإن الطريق العقلاني يفرض دعوة إلى الشفافية:
مطالبة وسائل التواصل والمنصات الإعلامية بنشر المراجع أو الإيضاحات عندما تروّج حسابات أو رسائل قد تحرض على العنف والغلو والتطرف والقتل؛
مطالبة الجهات الرقابية والصحفية بالتحقق من أي مزاعم تمويل خارجي أو تأثير أجنبي، وتقديم نتائج دقيقة إلى الرأي العام؛
الدعوة إلى تحقيق مستقل يُكشف عن مصادر الدعم إن وُجدت، بدلاً من الاكتفاء بالترويج لشبهات تعمّق مناخ الشكّ دون وقائع.
كما لا ينبغي إغفال البعد الوطني: السلم الاجتماعي والكرامة الوطنية على السواء يستدعيان موقفًا متزنًا من كل ذي نفوذ. الناشطون الذين يمتلكون منصات واسعة عليهم أن يتحلوا بمستوى عالٍ من المسؤولية؛ أن يفرّقوا بين التشجيع على التعبير المشروع وبين تبرير الاعتداء على أملاك الناس وانتهاك القانون. وإذا كان ثمة من يستدعي العدالة والمساءلة، فالأفضل أن يكون ذلك عبر آليات شفافة ومدنية تحفظ الحقوق وتبنِي الجسور لا الجدران.
ثم اننا ومن خلال هذا المقال، نؤكد أن احترام الشعوب لا يكون بتوزيع الألقاب، بل بالوقوف إلى جانب استقرارها وخياراتها السلمية. نحن لا نعارض النقد البناء النزيه ولا الدعم الدولي الصادق لقضايا الشعوب، لكننا نرفض بشدة استغلال المكانة الرمزية لبعض الشخصيات للترويج لخطابات الكراهيةو التحريض والفوضى والتخريب. إن من يحملون جوائز دولية أو يتموقعون كأصوات حقوقية مؤثرة، مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية، عبر احترام سيادة الدول، والدعوة للحوار، والامتناع عن صب الزيت على نار الأزمات. وأمام تكرار هذا النوع من خطابات الكراهية والتحريض، فإن من حق الرأي العام أن يطالب بالمحاسبة والعقاب والمتابعة القانونية والشفافية، وأن تُفتح ملفات التمويل والدوافع والخلفيات — لا أن تُمرر هذه الانزلاقات تحت غطاء النوايا أو الشعارات.