مع الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان في تجلياتهم الوجدانية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

الدكتور احمد غاني
متخصص في الأصول ومقاصد الشريعة والتصوف

 

 

الصورة الظاهرة للإنسان
الصورة الباطنة للإنسان

من السهل رصد ملامح الصورة الظاهرة للإنسان ،بل من الممكن اعتمادا على ماأنتجه الإنسان من تقنيات تتبع هذه الصورة في جزئياتها واختزانها ولو في مختلف تلوناتها الزمانية،ولكن من الصعب إن لم نقل من المستحيل رصد صورة هذا الإنسان الباطنة ، أي رصد وجدانه ،وإدراك حقيقة هذا الوجدان في كافة تضاريسه.أجل قد نتمكن من تتبع بعض المؤشرات والقرائن التي نتخيل من خلالها هذه الصورة المختفية وراءالصورة الظاهرة، ولكن هذا الخيال يبقى هلاميا يتلون بألوان المواقف التي تصدر من الذات التي نسعى لتخيل وجدانها واستكشافه ، وتبقى هاته الصورة قابلة للتلون بمختلف الألوان ، مستعدة لأن تفاجأنا بما لم يكن في الحسبان ، فهذا الوجدان قابل لأن ينتقل من القسوة إلى الرقة ، من الضعف إلىالقوة ، من الفرح إلى الحزن ، من القبض إلى البسط ، فنجد أنفسنا أمام تقلبات لايفسرها إلا ماورد في الحديث الشريف :” إن قلوب بنى آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ” .

إن الصورة الحقيقية للانسان التي تعكس جوهره هي صورته الباطنة، فالإنسان إنسان بهذا الجوهر ،ولهذا كان محل نظر الله تعالى من العبد ،بينما اعتبرت الصورة الظاهرة متجاوزة على هذا المستوى ، وهو مايؤكده قوله صلى الله عليه وسلم :” إن الله لاينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم” .ولكن المشكل هو أن اعتناء الإنسان الغافل مقتصر علىصورته الظاهرة يتفقدها أمام المرآة بين الفينة والأخرى -وهو أمر مطلوب شرعا في حدود المعقول – بينما لا يستكشف صورته الباطنة إلا إذا هزته أزمة من الأزمات أو طرح عليه هذا الوجود أسئلته المعقدة والمقلقة، فتجده في هذه الحالة يتفقد تجاعيد صورته الباطنة ،ويطرح التساؤل عن ما أفسده الدهر فيها أو إن صح التعبير ما أفسدته يده فيها .والعاقل هو الذي تكون له هذه اللحظة لحظة رجوع إلى حقيقة إنسانيته،فيسعى إلى صلاح باطنه كما يسعى إلى صلاح ظاهره . وكيف لايفعل ولايعتني بصورته الباطنة وهي محل نظر الله فيه ،وهو يعتني بصورته الظاهرة التي هي محل نظر الخلق فيه ؟.

إن سبب الإشتغال بالمظاهر مع نسيان العمق الإنساني هو انبهار الكثير من الناس ببريق البعد المادي المحسوس للحياة ،وخصوصا في حضارتنا المعاصرة ، فأصبح الإنسان المادي المعاصر يعيش”بافلوفية “_نسبة إلى بافلوف- لعل أصدق مايصورها قوله تعالى :” فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أوتتركه يلهث”، فهو لهات مستمر وراء حاجيات مختلقة لاتنتهي ، فالإنسان المادي المعاصر يستجيب دون وعي لكل ماتفرزه الحضارة الحالية إن خيرا أو شرا،ولو على حساب إنسانيته، وغاب فيه تبعا لذلك البعد الإنساني الوجداني .
نعم لقد غاب بمعننين ، بمعنى انطماره تحت البعد المادي المحسوس، ثم بمعنى فقدان المعاني الوجدانية السامية التي تجعل الإنسان في قمة إنسانيته ، يعيشها بكل أبعادها، ويندهش لها الآخرون عندما تتجسد في بعض مواقفه .

ولكن ماهي علاقة الصورة الباطنة للإنسان بمايتبدى على صورته الظاهرة ؟
إن استكشاف الصورة الباطنة الوجدانية للإنسان من خلال الصورة الظاهرة يشبه تماما تتبع خفايا الصورة الفكرية لهذا الإنسان من خلال تمظهراتها المادية ، فالإنسان الصامت الغريب عنا والذي لانعرفه، لايمكننا أن ندرك صورته الفكرية مالم يتكلم ،إلا أن نقوم ببعض التخمينات والتكهنات،وقد يكشف الكلام عما لم نكن نتخيله،وهوما صوره الله سبحانه وتعالىفي قوله : ” وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم،وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة ” . كما اشتهر من أقوال الحكمة : ” تكلموا تعرفوا “،أو كما قال أحدهم لآخر:”تكلم لكي أراك” .

إذن فمن المسلم به أن الصورة الباطنة الوجدانية للإنسان لانستكشفها إلا عبر الصورة الظاهرة ومايتبدى عليها من آثار ،بيد أن هذه الصور الظاهرة قد تتشابه الآثار المتبدية عليها رغم ا لاختلافات الجوهرية التي قد تكون بين الصور الباطنة التي خلفها،وهذا أحد وجوه الإشكالات التي تكون وراء عدم فهم حقيقة الوجدان عموما و الحال الصوفي خصوصا.ومن هنا قد يختلط الأمر على غير الخبير فيخلط بين الأحوال الصادقة النورانية،والأحوال الظلمانية

الوجد ان و قراءة القرآن

إن الاستماع إلى كتاب الله عزوجل وقراءته تقتضي تأثرا للوجدان ،واقشعرارا للجلود، ولينا للقلوب ، وهذا هو حال السلف الصالح ،وماأثر عن المومنين الصادقين.
يقول الغزالي ” الوجد الحق هو ما نشأ من فرط حب الله تعالى وصدق إرادته والشوق إلى لقائه ،وذلك يهيج بسماع القرآن
تقشعرمنه قال الله تعالى : ” إنما المومنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم .وقال تعالى :” لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية لله ،
. وروي أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النساء،فلما انتهى إلى قوله تعالى :” فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. “.قال حسبك ،وكانت عيناه تذرفان بالدموعوكان عليه السلام إذا مر بآية رحمة دعا واستبشر ،والاستبشار وجد .وقد أثنى الله تعالى على أهل الوجد بالقرآن فقال تعالى : “وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق

أما ما نقل من الوجد بالقرآن عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين فكثير ،فمنهم من صعق ومنهم من بكى ،ومنهم من غشي عليه،ومنهم من مات في غشيته ،وروي أن زرارة بن أوفى -وكان من التابعين -كان يؤم الناس فقرأ : ” فإذا نقر في الناقور فصعق ومات في محرابه رحمه الله . وسمع عمر رضي الله عنه رجلا يقرأ :” إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع “فصاح صيحة وخر مغشيا عليه فحمل إلى بيته ،فلم يزل مريضا في بيته شهرا .
وبالجملة ،لا يخلو صاحب القلب عن وجد عند سماع القرآن،فإن كان القرآن لا يؤثر فيه أصلا فمثله :” كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ” ،بل صاحب القلب تؤثر فيه الكلمة من الحكمة يسمعها…”

يقول ابن تيمية
وهذا سماع له آثار إيمانية من المعارف القدسية والأحوال الزكية يطول شرحها ووصفها ،وله في الجسد آثار محمودة من خشوع القلب ،ودموع العين ،واقشعرار الجلد ،وقد ذكر الله هذه الثلاثة في القرآن ،وكانت موجودة في أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم – الذين أثنى عليهم في

القرآن،ووجد بعدهم في التابعين آثار ثلاثة : الاضطراب ،والاختلاج ،والإغماء –أو الموت،والهيام فأنكر بعض السلف ذلك …وأما جمهور الأئمة والسلف فلاينكرون ذلك ،فإن السبب إذا لم يكن محظورا كان صاحبه فيما تولد عنه معذورا .لكن سبب ذلك قوة الوارد على قلوبهم ،وضعف قلوبهم عن حمله ،فلو لم يؤثر السماع لقسوتهم كانوا مذمومين ،كما ذم الله الذين قال فيهم :” ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ” ،وقال : ” ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ومانزل من الحق،ولايكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد ،فقست قلوبهم،وكثير منهم فاسقون ” .ولو أثر فيهم آثارا محمودة لم يجذبهم عن حد العقل،لكانوا كمن أخرجهم إلى حد الغلبة كانوا محمودين أيضا ومعذورين ” .
قال صاحب الإتقان في علوم القرآن: ” يستحب البكاء عند قراءة القرآن والتباكي لمن لا يقدر عليه ،والحزن والخشوع ،قال تعالى: ويخرون للأذقان يبكون …وفي الصحيحين حديث قراءة ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فإذا عيناه تذرفان ،وفي الشعب للبيهقي عن سعد بن مالك مرفوعا :إن هذا القرآن نزل بحزن وكآبة ،فإذا قرأتموه فابكوا ،فإن لم تبكوا فتباكوا

وقال هشام بن حسان انطلقت أنا ومالك بن دينار إلى الحسن ،وعنده يقرأ والطور حتى بلغ إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ، فبكى الحسن وبكى أصحابه فجعل
مالك يضطرب حتى غشي عليه” .

التواجد
الأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم :” إن لم تبكوا فتباكوا ” .أراد به التباكي ممن هو مستعد للبكاء ،لاتباكي الغافل اللاهي .
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن دور التواجد هو إخراج الوجد الكامن في الوجدان الإنساني ،ولذلك قال بأن التواجد هو : ” فعل ذاتي محرك للسكون الذاتي ، فأنت إذا سمعت مزاحا ضحكت،فيكون المزاح سببا للضحك،كذلك التواجد سبب لحدوث الوجد الموجود بحالة ساكنة في الذات .
والمحرك ضروري ،لذلك أوجدت الصوفية حلقات للذكر يتواجدون فيها …ورددوا جملا وكلمات معينة سعيا وراء إيقاظ حالة الوجد الهاجعة .

والحقيقة أن الوجد أشبه بالعقل الموجود بالقوة في الطفل الصغير،إمكاناته فيه،وهو يبعث لدى وجود المؤثرات الخارجية …والسماع وحلقات الذكر تعين على بعث هذا الجنين من رقاده ولم يكن قصد الصوفية الخروج يوما على حدود الأدب،وهي تهمة رماهم بها أعداؤهم حاشاهم،إنما هدفهم تمزيق أغشية القلب ورفع الحجب المسدلة بإيجاد جو نوراني تزول فيه الحواجز والسدود ،والإنسان ذو رين ،إن لم يجل لايجد النور إلى قلبه سبيلا ” .

ويقول الغزالي، مبينا أهمية التواجد وملازمة أصحاب الوجد على المستوى التربوي:”: الوجد ينقسم إلى هاجم ومتكلف ،ويسمى التواجد،وهذا التواجد المتكلف فمنه مذموم وهو الذي يقصد به الرياء وإظهار الأحوال الشريفة مع الإفلاس منها ،ومنه ما هو محمود وهو التوصل إلى استدعاء الأحوال الشريفة واكتسابها واجتلابها بالحيلة ،فإن للكسب مدخلا في جلب الأحوال الشريفة ، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يحضره البكاء في قراءة القرءان أن يتباكى و يتحازن ،فإن هذه الأحوال قد تتكلف مبادؤها ثم تتحقق أواخرها،وكيف لا يكون التكلف سببا في أن يصير المتكلف في الآخرة طبعا…… فكذلك الأحوال الشريفة لا ينبغي أن يقع اليأس منها عند فقدها،بل ينبغي أن يتكلف اجتلابها بالسماع وغيره …كذلك حب الله تعالى والشوق إلى لقائه والخوف من سخطه وغير ذلك من الأحوال الشريفة، إذا فقدها الإنسان فينبغي أن يتكلف اجتلابها بمجالسة الموصوفين بها ومشاهدة أحوالهم وتحسين صفاتهم في النفس،وبالجلوس معهم في
أجاب العلامة النحرير ابن كمال باشا لما استفتي عن ذلك حيث قال :

ما في التواجد إن حققت من حرج مافي التمايل إن أخلصت من باس
فقمت تسعى على رجل وحق لمن
دعاه مولاه أن يسعى على الراس
إن التواجد اعتبره الكثير من الصوفية من باب الرخصة لاستجلاب الوجد ولذلك كان من اللازم أن يصدق المتواجد في هذه النية تجنبا للوقوع في المحذور ، أما الحال الصوفي فإن الصدق من أسسه ولذلك قيل : ” لايستغني حال من الأحوال عن الصدق ،والصدق مستغني عن الاحوال-أن الحال الصوفي من ثمرات التكاليف الشرعية و ليس من باب التكاليف الشرعية،لأن ذلك سيوقعنا في محظور التكليف بمالايطاق ،فهو من

لواحق التكاليف الشرعية، فالتكليف به هو من باب التكليف بسوابقه، أي تعاطي الأسباب الشرعية التي قد تثمره .

الوجدان النبوي الشريف من خلال المرويات

تعددت تجليات مايعتري الوجدان النبوي الشريف ،وما يظهر من ذلك على الجسد النبوي الشريف ، وتتبع الصحابة رضوان الله عليهم هذه التمظهرات باعتبارها إطلالة على عالم غيبي فسيح ،تسبح فيه الروحانية النبوية ، ونقلوا لنا بعضا من هذه التمظهرات في مارووه من أحاديث وأخبار، ونقف عند بعض منها :

وعن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثم فتر الوحي عني فترة ،فبينما أنا أمشي ،سمعت صوتا بين السماء والأرض، فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجئت فرقا حتى هويت إلى الأرض .
وكسفت الشمس يوما على عهد رسول الله ،فقام رسول الله يصلي حتى لم يكد يركع،ثم ركع فلم يكد يرفع رأسه ،ثم رفع رأسه فلم يكد أن يسجد، ثم سجد فلم يكد أن يرفع رأسه، ثم رفع رأسه فلم يكد أن يسجد، ثم سجد فلم يكد أن يرفع رأسه، فجعل ينفخ ويبكي ويقول: رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم ؟رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟ ونحن نستغفرك ،فلما صلى ركعتين انجلت الشمس ،فقام فحمد الله تعالى” .
عن خالد بن سلمة المخزومي قال: لما أصيب زيد بن حارثة انطلق رسول الله إلى منزله، فلما رأته ابنته جهشت في وجهه ،فانتحب رسول الله ،فقال له بعض أصحابه ما هذا يا رسول الله ،قال : هذا شوق الحبيب إلى حبيبه” .
أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرى جبريل في الصورة التي يكون بها عند ربه جل وعز، فقال ما ذاك إلي، فأذن له الرب جل ثناؤه، فأتاه وقد سد الأفق،فلما نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم خر مغشيا عليه، فقال المشركون إنه مجنون، فنزلت: “إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع

ثم آمين وما صاحبكم بمجنون” ، وإنما رأى جبريل على صورته فهابه وورد عليه مالم تحتمل بنيته فخر مغشيا عليه” .
فهذه تجليات للوجدان النبوي الشريف متعددة ،فمنها الصمت ومنها الضحك ومنها البكاء،كما نلاحظ طول مدة بعض هذه الأحوال، فقد اعترته صلى الله عليه وسلم منذ صلى الأولى إلى أن صلى العشاء

التجليات الوجدانية
الجماعية للصحابة

ومما ورد في صحيح البخاري بشأن التجليات الوجدانية الجماعية للصحابة : “خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط ،قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ،قال فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ،فقال رجل من أبي ؟ قال فلان،فنزلت هذه الآية :” لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم .

وفي رواية الإمام مسلم : ” …قال فما أتى على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه ،قال غطوا رؤوسهم ولهم خنين ،فقام عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا ” .

و الخنين بفتح الخاء المعجمة بعدها نون هو البكاء مع غنة بانتشار الصوت من الأنف.
وصف الإمام علي بن أبي طالب تجليات وجدان الصحابة في الحديث الذي رواه أبو الفداء وأبو نعيم ،وذكره ابن كثير في
البداية والنهاية ، والذي يقول فيه:والله قد رأيت أصحاب محمد ،فما رأيت اليوم شيئا يشبههم .لقد كانوا يصبحون صفرا شعتا غبرا بين أيديهم كأمثال ركب المعزى ،قد باتوا لله سجدا وقياما .يتلون كتاب الله ، يتراوحون بين جباههم وأقدامهم ، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح ،و هملت عيونهم حتى تنبل والله ثيابهم .
يقول صاحب حقائق عن التصوف عن هذا الوصف:” ويهمنا من عبارة الإمام علي قوله : مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح .فإنك تجده صريحا في الاهتزاز،ويبطل قول من يدعي أنه بدعة محرمة ،ويثبت إباحة الحركة في الذكر مطلقا .
وقد استدل الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله بهذا الحديث في إحدى رسائله على ندب الاهتزاز بالذكر ،وقال : هذا صريح بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتحركون حركة شديدة في الذكر ، على أن الرجل غير مؤاخذ حين يتحرك ويقوم ويقعد على أي نوع كان ،حيث أنه لم يأت بمعصية ولم يقصدها كما ذكرنا.

وجدان الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم

استمرت التأثرات الوجدانية الربانية النورانية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ،وكانت وفاته مناسبة لتبرز أكثر ،ويتجلى الجانب الوجداني لدى الصحابة،وهو ما يظهر جليا من خلال أحاديث وآثار متعددة :
نقل صاحب الشفا عن إسحاق التجيبي قال :” كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا ،وكذلك كثير من التابعين ،منهم من يفعل ذلك محبة له وشوقا إليه،ومنهم من يفعله تهيبا وتوقيرا

ومما ورد عن ليلة موته صلى الله عليه وسلم “عن أم سلمة رضي الله عنها : كنا مجتمعين نبكي تلك الليلة لم ننم، فسمعنا صوت المساحي، فصحنا وصاح أهل المسجد فارتجت المدينة صيحة واحدة ،فأذن بلال بالفجر، فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، بكى وانتحب ، فزادنا حزنا، فيالها من مصيبة ما أصابنا بعدها من مصيبة إلا هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم ” .
إطلالة علىوجدان بعض مشاهير الصحابة والسلف

أبوبكر الصديق
في رواية: قام أبو بكر بعد وفاة رسول الله ،فدعا ثم بكى، ثم دعا ثم بكى حتى ابتلت لحيته ،ثم قال : سمعت رسول الله يقول سلوا الله العافية فإنه لم يعط العباد شيئا أفضل من العافية إلا اليقين
عمر بن الخطاب
و أصاب الناس قحط في زمن عمر ،فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ،فأتى الرجل في المنام فقيل له : ائت عمر فاقرئه السلام وأخبره أنكم مسقيون ،وقل له :عليك الكيس عليك الكيس ،فأتى عمر فأخبره،فبكى عمر ،ثم قال :يارب لاآلو إلا ما عجزت عنه .
وقد جاء هذا في صحيح البخاري في قوله:باب إذا بكى الإمام في الصلاة، وقال عبد الله بن شداد : سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ « إنما أشكو بثي وحزني إلى الله » .

سمع عمر رضي الله عنه رجلا يقرأ :”إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع ” فصاح صيحة وخر مغشيا عليه ،فحمل إلى بيته ،فلم يزل مريضا في بيته شهرا.

يقول الكلاباذي :” والروايات التي جاءت في خوف المبشرين …وقول عمر رضي الله عنه :” ياليتني كنت هذه التبنة ،ليتني لم أك شيئا “… إنما كان ذلك منهم يقول الكلاباذي :” والروايات التي جاءت في خوف المبشرين …وقول عمر رضي الله عنه :” ياليتني كنت هذه التبنة ،ليتني لم أك شيئا “… إنما كان ذلك منهم يقول الكلاباذي :” والروايات التي جاءت في خوف المبشرين …وقول عمر رضي الله عنه :” ياليتني كنت هذه التبنة ،ليتني لم أك شيئا “… إنما كان ذلك منهم خوفا من جريان المخالفات عليهم ،إجلالا لله تعالى وتعظيما لقدره وهيبة له وحياء منه ،بأنهم أجلوا الحق أن يخالفوه وإن لم يعاقبهم …فخوف المبشرين لم يكن خوفا من التغيير والتبديل ،لأن خوف التغيير والتبديل مع شهادة النبي صلى الله عليه وسلم يوجب شكا في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ،،إجلالا لله تعالى وتعظيما لقدره وهيبة له وحياء منه ،بأنهم أجلوا الحق أن يخالفوه وإن لم يعاقبهم …فخوف المبشرين لم يكن خوفا من التغيير والتبديل ،لأن خوف التغيير والتبديل مع شهادة النبي صلى الله عليه وسلم يوجب شكا في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ،،إجلالا لله تعالى وتعظيما لقدره وهيبة له وحياء منه ،بأنهم أجلوا الحق أن يخالفوه وإن لم يعاقبهم …فخوف المبشرين لم يكن خوفا من التغيير والتبديل ،لأن خوف التغيير والتبديل مع شهادة النبي صلى الله عليه وسلم يوجب شكا في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ،

عثمان بن عفان

وفي مسند الإمام أحمد عن الزهري يروي عن عثمان بن عفان أنه كان : ” يحدث أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنوا حتى كاد بعضهم يوسوس ،قال عثمان وكنت منهم
كان عثمان بن عفان إذا جاء وقت الصلاة يتزلزل ويتغير لونه ،فيقال له مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ،فلا أدري أأحسن أداء ما احتملت أم لا ؟.

وقد وصف ضرار الصدائي علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مجلس معاوية ،بطلب منه فقال : “…كان والله غزير العبرة ،طويل الفكرة ،يقلب كفه …فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ،وقد أرخى الليل سدوله ،وغارت نجومه ،يقف في محرابه قابضا على لحيته،يتململ تململ السليم ،ويبكي بكاء الحزين ،فكأني أسمعه الآن وهو يقول :ياربنا ياربنا –يتضرع إليه -…قال فوكفت دموع معاوية على لحيته مايملكها ،وجعل ينشفها بكمه ،وقد اختنق القوم بالبكاء ،فقال معاوية ،كذا كان

وفي سنن البيهقي الكبرى: ،:” …عن علي رضي الله عنه قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وجعفر وزيد ،فقال لزيد أنت أخونا ومولانا فحجل ،وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي فحجل وراء حجل زيد، ثم قال لي أنت مني وأنا منك فحجلت وراء حجل جعفر …”،وقد ذكر البيهقي أن في هذا دلالة على جواز الحجل وهو أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح ،فالرقص الذي يكون على مثاله يكون مثله في الجواز، ” .

أبي بن كعب

جاء في حديث أبي بن كعب في شأن قراءة صحابيين للقرآن “… فأمرهما صلى الله عليه وسلم فقرآ ،فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما،فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية ،فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني،
ضرب في صدري، ففضت عرقا،وكأنما أنظر إلى

وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي : ثم إن الله أمرني أن أقرأ عليك، قال آلله سماني لك ،قال الله سماك لي؟ قال فجعل أبي يبكي

بلا ل بن رباح
لما مات صلى الله عليه وسلم، ترك بلا ل الأذان ولحق بالشام، فمكث زمانا فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال له يا بلا ل جفوتنا وخرجت من جوارنا فاقصد إلى زيارتنا، وفي لفظ أنه قال له ما هذه الجفوة يا بلا ل ؟أ ما آن لك أن تزورنا؟ فانتبه بلا ل رضي الله تعالى عنه، فقصد المدينة .فلما انتهى إلى المدينة تلقاه الناس، وأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبكي عنده ويتمرغ عليه ،وأقبل على الحسن والحسين يقبلهما ويضمهما، وألحوا عليه أن يؤذن، فلما صعد ليؤذن اجتمع أهل المدينة رجالهم ونساؤهم وخرجت العذارى من خدورهن ليستمتعوا بأذانه رضي الله تعالى عنه، فلما قال الله أكبر ارتجت المدينة وصاحوا وبكوا ،فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله،ضجوا

ابن عباس

قال ابن حجر :” لقي ابن عباس كعبا فسأله عن شئ،فكبر كعب حتى جاوبته الجبال “،أما ما الذي سأل عنه كعب فقد بينته رواية عبد الرزاق التي أوردها ابن حجر حيث قال : ” …قال ابن عباس إنا بنو هاشم نقول إن محمدا رأى ربه مرتين ،فكبر كعب وقال إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد …” .فقد أقر ابن عباس كعبا على تكبيره الذي جاوبته عليه الجبل ،ولم ينكر عليه ما اعتراه عندما سمع ما يتعلق برؤيته صلى الله عليه والسلام للحقيقة الإلهية،ولو كان في الأمر ما يخالف الشرع لما سكت ابن عباس، وهو الذي عايش التشريع وأدرك روحه ،ودعا له صلى الله عليه وسلم بالفقه في الدين ،فتقريره نابع من فقهه في الدين.

أيوب السختياني

قال الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه وقد سئل عن أيوب السختياني :” ما حدثكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه ،قال وحج مرتين ،فكنت أرمقه لا أسمع منه ،غير أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه ،فلما رأيت منه ما رأيت وإجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه “.
والملاحظ أن الإمام مالك جعل الوجدان معيارا للأفضلية ، ووسيلة من وسائل نقد الرجال لأخذ الحديث عنهم .

جميعا، فلما قال أشهد أن محمدا رسول الله ،لم يبق ذو روح إلا بكى وصاح، وكان ذلك اليوم كيوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ثم انصرف إلى الشام ،وكان يرجع إلى المدينة في كل سنة مرة فينادي بالأذان إلى أن مات رضي الله تعالى عنه … ” .

الإنكار على الأحوال

قال ابن تيمية عند حديثه عن الإنكار على الأحوال :” والمنكرون لهم مأخذان :

منهم من ظن ذلك تكلفا وتصنعا… ومهم من أنكر ذلك لأنه رآه بدعة مخالفا لما عرف من هدي الصحابة … والذي عليه جمهور العلماء أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبا عليه لم ينكر عليه ،

وقد يذم حال هؤلاء من فيه قسوة القلوب والرين عليها ،والجفاء عن الدين،وهو مذموم ،

فهذه الأحوال التي يقترن بها الغشي أو الموت أو الجنون أو السكر أو الفناء حتى لايشعر بنفسه ونحو ذلك ،إذا كانت أسبابها مشروعة وصاحبها صادقا عاجزا عن دفعها كان محمودا على ما فعله من الخير وما ناله من الإيمان ،معذورا فيما عجز عنه وأصابه بغير اختياره وهم أكمل ممن لم يبلغ منزلتهم لنقص إيمانهم وقسوة قلوبهم ونحو ذلك من الأسباب التي تتضمن ترك ما يحبه الله أو فعل ما يكرهه الله .
ويؤكد ابن تيمية على ضرورة وجود الخبير بالأحوال ،المؤيد بنور الله، صاحب الفراسة الذي يستطيع أن يميز بين الأحوال ومراتبها ومصادرها ،فيميز الحال الرباني و الحال الشيطاني ،يقول ابن تيمية : ” …وإن كان الرجل خبيرا بحقائق الإيمان الباطنة فارقا بين الأحوال الرحمانية والأحوال الشيطانية ،فيكون قد قذف الله في قلبه من نوره كما قال تعالى :” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ،ويجعل لكم نورا تمشون به،ويغقر لكم ، والله غفور رحيم ” ،وقال تعالى :” وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا، ماكنت تدري ماالكتاب ولا الايمان ،ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم” ،فهذا من المؤمنين الذين جاء فيهم الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” اتقوا فراسة المومن ،فإنه ينظر بنور الله”،قال الترمذي حديث حسن.وقد تقدم الحديث الصحيح الذي في البخاري وغيره قال فيه :” لايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصر به
وقد عرف الشيخ زروق الفراسة الشرعية وشروط من تحقق بها فقال : ” الفراسة الشرعية نور إيماني ،ينبسط على القلب ،حتى يتميز في نظر صاحبه حالة المنظور فيه من غيره ،يميز أحواله في النظر إليه …ولكل مؤمن منها نصيب ،لكن لايهتدي إلى حقيقتها إلا من صفا قلبه من الشواغل والشوائب ” ،وقد ميز بينها وبين الفراسة الحكمية التي عرفها بقوله :”الفراسة الحكمية اعتبار بواطن الأشخاص بظواهر الحواس ” .
والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم :” إن لم تبكوا فتباكوا ” .أراد به التباكي ممن هو مستعد للبكاء ،لاتباكي الغافل اللاهي .
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن دور التواجد هو إخراج الوجد الكامن في الوجدان الإنساني ،ولذلك قال بأن التواجد هو : ” فعل ذاتي محرك للسكون الذاتي ، فأنت إذا سمعت مزاحا ضحكت،فيكون المزاح سببا للضحك،كذلك التواجد سبب لحدوث الوجد الموجود بحالة ساكنة في الذات .
والمحرك ضروري ،لذلك أوجدت الصوفية حلقات للذكر يتواجدون فيها …ورددوا جملا وكلمات معينة سعيا وراء إيقاظ حالة الوجد الهاجعة .

والحقيقة أن الوجد أشبه بالعقل الموجود بالقوة في الطفل الصغير،إمكاناته فيه،وهو يبعث لدى وجود المؤثرات الخارجية …والسماع وحلقات الذكر تعين على بعث هذا الجنين من رقاده ولم يكن قصد الصوفية الخروج يوما على حدود الأدب،وهي تهمة رماهم بها أعداؤهم حاشاهم،إنما هدفهم تمزيق أغشية القلب ورفع الحجب المسدلة بإيجاد جو نوراني تزول فيه الحواجز والسدود ،والإنسان ذو رين ،إن لم يجل لايجد النور إلى قلبه سبيلا ” .

ويقول الغزالي، مبينا أهمية التواجد وملازمة أصحاب الوجد على المستوى التربوي:”: الوجد ينقسم إلى هاجم ومتكلف ،ويسمى التواجد،وهذا التواجد المتكلف فمنه مذموم وهو الذي يقصد به الرياء وإظهار الأحوال الشريفة مع الإفلاس منها ،ومنه ما هو محمود وهو التوصل إلى استدعاء الأحوال الشريفة واكتسابها واجتلابها بالحيلة ،فإن للكسب مدخلا في جلب الأحوال الشريفة ، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يحضره البكاء في قراءة القرءان أن يتباكى و يتحازن ،فإن هذه الأحوال قد تتكلف مبادؤها ثم تتحقق أواخرها،وكيف لا يكون التكلف سببا في أن يصير المتكلف في الآخرة طبعا…… فكذلك الأحوال الشريفة لا ينبغي أن يقع اليأس منها عند فقدها،بل ينبغي أن يتكلف اجتلابها بالسماع وغيره …كذلك حب الله تعالى والشوق إلى لقائه والخوف من سخطه وغير ذلك من الأحوال الشريفة، إذا فقدها الإنسان فينبغي أن يتكلف اجتلابها بمجالسة الموصوفين بها ومشاهدة أحوالهم وتحسين صفاتهم في النفس،وبالجلوس معهم في
إن التواجد اعتبره الكثير من الصوفية من باب الرخصة لاستجلاب الوجد ولذلك كان من اللازم أن يصدق المتواجد في هذه النية تجنبا للوقوع في المحذور ، أما الحال الصوفي فإن الصدق من أسسه ولذلك قيل : ” لايستغني حال من الأحوال عن الصدق ،والصدق مستغني عن الاحوال-

ملاحظات منهجية حول الأحوال

أن الحال الصوفي من ثمرات التكاليف الشرعية و ليس من باب التكاليف الشرعية،لأن ذلك سيوقعنا في محظور التكليف بمالايطاق ،فهو من لواحق التكاليف الشرعية، فالتكليف به هو من باب التكليف بسوابقه، أي تعاطي الأسباب الشرعية التي قد تثمره .
2-أن الارتباط بين الحال الصوفي وبين الأسباب المؤدية إليه ليس ارتباطا حتميا ، بمعنىأنه لا يخضع للحتمية السببية والضرورة الطبيعية التي ألفها العقل ، فتعاطي الذكر بشروطه التربوية تتولد عنه أحوال عند بعض الذاكرين،بينما قد لايظهر على ذاكرين آخرين هذه الأحوال ،وفي كل خير ، والأمر يختلف باختلاف وجدان الذاكر ، فمنهم من تطفو مشاعره وتظهر ،ومنهم من تبقى مشاعره تحت السطح .
3-أن الحال الصوفي لماكان من ثمرات التكليف الشرعي ،فهو يخضع في تأصليه إلى منطق خاص، إذ أن أشكاله لاتدخل دخولا تفصيليا كلها تحت النصوص،وإن كانت تندرج تحت هذه النصوص إندراجا إجماليا

4-رغم الخصوصية التأصيلية للأحوال الصوفية ، فهي تستمد مشروعيتها من دليل الوقوع الذي لم يستطع أن ينفيه أي شيخ من شيوخ

السلفية ، إذ تواترت به الأخبار،وهوماتبدى من خلال النصوص التي استعرضناها .

5- أن الأحوال الصوفية تدخل تحت حكم الأفعال اللاإرادية،وحكم الأفعال اللارادية في الشرع عموما هو عدم المؤاخذة،وهو ما أشار إليه الشيخ زروق في إحدى قواعده حيث قال : ” يعذر الواجد بحالة لايملك نفسه فيها …بسقوط اعتبار أفعاله ،…”

6-أن مفهوم الإتباع والتقليد المنتهج في فقه ظاهر الأعمال لايمكن أن يطبق بحرفيته على فقه الباطن، أى فقه الوجدان ، يختلف الأمر بالنسبة للأحوال الوجدانية،إذ أن مايرى منها ماهو إلا قرائن ودلائل على وجود تغيرات داخلية لا تخضع للمراقبة العادية.

7-أن علاقة الحال الصوفي بالزمان والمكان هي علاقة نسبية ، تخضع نسبيتها لوجدان الشخص ، فمن الأحوال ما يمتد في الزمن ولايرتبط بالمكان لأن صاحبه طغت على عين بصيرته الحقيقة ، فتخلص من جاذبية الحس،
8-أن نسبية الأحوال الصوفية التي تحدثنا عنها سابقا تنبع من اختلاف القلوب وتنوع مراتبها وتعددها،وزيادة إيمانها أو نقصانه، فهذه القلوب قد ترق وتشف حتى تحركها أبسط الأشياء ،وقد تقسو ويغلب عليها الحس حتى تحتاج إلى أقوى الأسباب الوجدانية حتى تخشع .

9-أن مفهوم الحال الصوفي يتناقض ومفهوم التكلف والتصنع ، بيد أن مسألة التكلف والتصنع هي من باب الرخص عند التواجد لاستجلاب الوجد ،

10-أن اعتماد الأقيسة في هذا الباب لايؤدي إلى فهم الأحوال الصوفية ،بل إن مقاربة الفهم يجب أن تتأسس على التجربة الصوفية ،
.
11- إن اعتماد الأقيسة بالمفهوم السابق يؤدي إلى عدم فهم بعض مظاهر الحال الصوفي،فالحال ليس تعاملا فكريا مع الوسط ،بل هو تعامل وجداني،من هنا قد يربط القائس بين الحال وبعض مظاهر الوسط ،بينما صاحب الحال قد يكون ماحركه هو معنى لايتجسد ولاينتمي إلى المحسوس .
كما أن الحال الصوفي ليس مقصودا لذاته وإنما المقصود ما ينتجه،ولذلك قيل : ” الحال الذي لا ينتج علما لا يعول عليه ” .

12 – على مستوى التأصيل الشرعي نجد أن الحال له من النصوص ما يستند إليه من قريب أو من بعيد ، نعم قد يغيب المصطلح الصوفي في النص المستند إليه،باعتبار تأخر المصطلح في النشوء ،ولكن معنى المصطلح حاضر في هذه النصوص بقوة .

++++++++++++++++++++

للتوسع في هذا الموضوع يمكن الرجوع الى كتاب الدكتور أحمد غاني الوجدان الصوفي فهذا العرض مقتبس منه
ملاحظة مقدمة العرض المسجل مرتجلة وقصة السيد عن الأخ السيد لسان الحق تتعلق بسيدي جمال وليس سيدي حمزة كما ورد عند سيدي حميمز
صحيح مسلم ج: 4 ص: 2045.
صحيح الإمام مسلم باب تحريم ظلم المسلم وخذله.
سورة المنافقون الآية 4.
سورة الأنفال . الآية 2.
سورة الحشر. الآية 21.
سورة النساء الآية 41.
سورة المدثر الآية 8.

سورة الطور الآيتان 6-7

سورة البقرة الآية 171.
الغزالي : إحياء علوم الدين ص329ج2.
الغزالي : إحياء علوم الدين ص329ج2.
سورة البقرة الآية 74.
سورة الحديد. الآية 15.
ابن تيمية .فتاوى ابن تيمية ج11ص591.
سورة الإسراء. الآية 107_108.
في حديث متفق عليه .
سورة الطور الآية 7.
تفسير القرطبي ج: 17 ص: 62.
أنظر سنن ابن ماجة كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها
الجرجايي :التعريفات ص73.
محمد غازي عرابي : النصوص في مصطلحات التصوف ص70
مجموعة رسائل ابن عابدين ،الرسالة السابعة ،شفاء العليل وبل الغليل ص
172
السنن الكبرى ج: 6 ص: 502.
الشمائل المحمدية ج: 1 ص: 265 بشأن روايات الكسوف أنظر صحيح الإمام مسلم ج2ص623 صحيح الإمام البخاري ج1ص354 صحيح ابن خزيمة ج2 ص311 صحيح ابن حبان ج7 ص71.

الشمائل المحمدية ج: 1 ص: 265.

سورة التكوير الآيات 19-22.
تفسير القرطبي ج: 19 ص: 240.

صحيح البخاري : كتاب الدعوات حديث 5885.

صحيح الإمام مسلم .كتاب الفضائل.
أنظر الحلية لأبي نعيم ج 1 ص 76 و عبد القادر عيسى :حقائق عن التصوف ج2
ص190.
القاضي عيا ض : الشفا ج2 ص24.
السيرة الحلبية ج: 3 ص: 493.
مسائل الإمام أحمد ج: 1 ص: 422.
مصنف ابن أبي شيبة ج6ص356 .
صحيح البخاري ج: 1 ص: 252.
سورة الطور الآيتان 7_8.
الغزالي :الإحياء ج2ص323.
سنن البهقي الكبرى ج10ص226.
صحيح مسلم ج: 1 ص: 550.

فتح الباري ج8 ص606.
سير أعلام النبلاء ج: 6 ص: 15.

السيرة الحلبية ج: 2 ص: 308.
سورة الحديد الآية 27.
سورة الشورى. الآية 49.
الشيخ زروق : قواعد التصوف ص.98.
الشيخ زروق : قواعد التصوف ص99.
أنظر سنن ابن ماجة كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها
الجرجايي :التعريفات ص73.
محمد غازي عرابي : النصوص في مصطلحات التصوف ص70
الشيخ زروق :قواعد التصوف ص87
د.سعاد حكيم :المعجم الصوفي ص337.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...