حزب الله آخر من دخل الحرب السورية بعد جلب “المقاتلين” من 83 دولة

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

إدريس عدار

 

 

 

التاريخ لا يمكن أن تكتبه وحدك. إن لم تكن لك الوثيقة أو تشرك الفاعلين فيه سيبقى لك فائض كلام تكتب به أحقادا ورثتها عن الماضي. ومن أشد ما ورث خصوم محور المقاومة مشاركة حزب الله في الحرب السورية. لهذا يكتبون اليوم مديحا في الشهيد السيد تم يتلونه بمتن كله مقدمات فاسدة ليستنتجوا أن الحزب أخطأ لما قاتل في سوريا، وقد ابتهج أحفاد يزيد باستشهاده كما أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بسوريا بيانا مسيئا خلافا لبيان الجماعة الأم.
غير أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن أول معركة خاضها الحزب في سوريا كانت في القصير. وكانت المعركة ضد ما يسمى الجيش الحر وجبهة النصرة، التي كانت حينها فرعا لتنظيم القاعدة، الذي جمع “المقاتلين” من أكثر من 80 بلدا. هل كانوا يريدون ترك سوريا لكل هؤلاء يعيثون فيها فسادا؟ ما الذي جاء بالموارد البشرية لشركة الإرهاب العالمي إلى سوريا؟ كيف تتحدث عن ثورة تطالب بالديمقراطية أغلب مكوناتها من التكفيريين؟

في لحظة معينة كان هناك التباسا في الموضوع. لكن بعد أن نطق “مطلقو شرارة هذه الثورة” هل بقي للآخرين شيئا يقولونه؟ مع الأسف الشديد إلى اليوم ما زالوا يرددون نفس اللازمة: “ينبغي التمييز بين مقاومة الحزب وبين توجيه السلاح إلى السوريين”. أي سوريين؟ إلا إذا كانوا يعتبرون أبو عمر الشيشاني سوريا معارا وتنظيم شام الإسلام، الذي أسسه المغربي العائد من غوانتانامو إبراهيم بنشقرون، من حقهم إقامة الثورة في سوريا؟ ما الذي ذهب بهؤلاء لولا التحريك الذي قامت به جهات عديدة؟
لكن الذين يحاسبون الحزب على مشاركته، التي يعتبرها امتداد لمقاومته، لأن الغرض كان هو كسر ظهير للمقاومة في لبنان وفلسطين، لا يقبلون محاسبة حركة حماس على انخراطها في الصف الآخر. فيوم 24 فبراير 2012 أعلنت الحركة، من القاهرة، تخليها عن محتضنها والانضمام إلى ما يسمى “الثورة”، وأظهرت معركة القصير أن الأمر لا يتعلق بمجرد دعم معنوي ولكنه مادي بل تم نقل الخبرات القتالية إلى الجماعات المقاتلة، ولولا دخول الحزب، الذي كان قد درّب حماس على هذه التقنيات لكانت المعركة التي ستقلب الأمور لصالح الجماعات المسلحة.

في الوقت الذي تجاوز فيه المحور هذه الحادثة المؤلمة، ما زال مؤيدو ما يسمى “الثورة السورية” مصرين على لمز الحزب بتلك المشاركة رغم اعتراف الفاعلين بأنها لم تكن ثورة ولكن مؤامرة دولية ضد سوريا، التي رفضت المطالب الأمريكية، التي حملها كولن باول، وزير خارجية ريغان الإبن، الذي قضى سنتين في طريق سيار نحو دمشق، وعندما تيقن أن سوريا لن تتخلى عن فصائل المقاومة صدر قرار الكونغرس الأمريكي تحت عنوان “معاقبة سوريا” سنة 2005.
بعدما وقع الخلاف بين خصوم سوريا، خرج حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية السابق، عن صمته وقال، في حوار مع التلفزيون القطري، إن اجتمع مع كبار المسؤولين في بلدان عربية أخرى وتم مناقشة الموضوع السوري، وتم تكليف الدوحة، بالإمساك بهذا الملف، وشبه بن جاسم سوريا “الفريسة والصيدة”، التي “تهاوش” عليها المشاركون في المؤامرة، وكان خلال الحوار يؤكد على أن لديه كافة الأدلة.
وأضاف “توجّهت للسعودية وقابلت الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز بناء على تعليمات من سمو الأمير الوالد، وقلت له هذه الحالة في سوريا وقال لي نحن معكم، أنتم سيروا في هذا الموضوع ونحن ننسّق ولكن فلتبقوا أنتم مستلمين للموضوع”.

وقال “لدينا أدلّة كاملة لاستلام هذا الموضوع وكان أي شيء يذهب إلى تركيا يُنسَّق مع القوّات الأميركية وكان توزيع كل شيء يتمّ عن طريق القوات الأميركية والأتراك ونحن والإخوان في السعودية، كلهم موجودون عسكرياً، ربّما حصل خطأ أنّ فصيلاً دُعم في فترة، لكن ليست داعش، هذا موضوع مُبالَغ به، ربّما كانت هناك علاقة مع النصرة، ربّما، أنا والله لا أعرف عن هذا الموضوع، لكن أقول حتى لو كان فعندما أصبحت النصرة غير مقبولة توقّف هذا الدعم للنصرة وكان التركيز علي تحرير سوريا”.
هذه التصريحات كرّرها في تلفزيون القبس الكويتي، لكن مساندي “الثورة السورية” ما زالوا مصرين على ترديد المزاعم ولمز الحزب أنه تورط في الملف السوري. نستغرب من هؤلاء الذين يقبلون مشاركة الأمريكي ويقود معركة عن طريق الموارد البشرية الإرهابية، ولا يقبلون دفاع الحزب عن ظهير المقاومة.
وسوف تكشف مجلة فورين بوليسي فيما بعد عن خبايا العلاقات بين “إسرائيل” و”الثورة السورية”، لا أفهم لمن يزعم الدفاع عن المقاومة الفلسطينية ويدعم “الثورة السورية”، التي كانت تتوجه لو نجحت نحو علاقات طبيعية مع العدو. في تحقيق للصحفية الصحفية والباحثة فى أحد مراكز الأبحاث الإسرائيلية، إليزابيث تسوركوف، أكدت أن إسرائيل قامت بتسليح ما لا يقل عن 12 جماعة سورية معارضة وتمويلها خلال الفترة من 2013 إلى يوليو 2018.
والغريب أن تقريرا لمراقبين تابعين للأمم المتحدة في الجولان تم نشره في مارس سنة 2015، تحدث عن وجود تواصل بين “إسرائيل” و”المعارضة السورية”، وحسب التقرير “عبر أفراد مسلحون خطوط وقف إطلاق النار عدة مرات واقتربوا من الحواجز الإلكترونية الإسرائيلية وتحدثوا فى بعض الأحيان مع القوات الإسرائيلية”. وكانت جبهة الجنوب تشكلت من أكثر من 50 فصيلا مسلحا.

وأوضح تقرير صادر عن “مجموعة الأزمات الدولية”، أن “إسرائيل “قامت بدعم الفصائل المسلحة الموجودة فى جنوب سوريا بدءًا من عام 2013 أو 2014. واستأثرت جماعة “فرسان الجولان” بالدعم الإسرائيلي. وكان المتحدث باسمها صرح للوول ستريت دجورنال قائلا “لقد دعمتنا إسرائيل بشكل بطولى ولولا المساعدات الإسرائيلية ما كنا لنحيا حتى الآن”.
ونشرت تايمز أوف إسرائيل يوم 15 يناير 2019 مقالا تحت عنوان “آيزنكوت يعترف بأن إسرائيل زودت المتمردين السوريين بالأسلحة”، ونقلت حوارا له مع صحيفة صنداي تايمز البريطانية، اعترف رئيس الأركان السابق بأن الدولة اليهودية أعطت أسلحة لجماعات المعارضة “للدفاع عن النفس”.
وكانت مجلة لوان الفرنسية نقلت يوم 11 شتنبر 2018 عن وزير الحرب” إيهود باراك” قوله إن “سقوط هذا النظام يُشكل ضربة قوية للجبهة الراديكالية برمتها وفى مركزها إيران وحزب الله”.
يوم 16 يونيو 2016 نشرت I24 مادة إخبارية تحت عنوان “قيادي سوري معارض من قلب إسرائيل: جئنا لنؤكد إصرارنا على “تحقيق الثورة”، وقالت: أكد عصام زيتون، أحد قادة “الجيش السوري الحر” المسلح في سوريا في لقاء خاص مع I24News من مؤتمر الأمن في مدينة هرتسليا وسط إسرائيل أن “المعارضة السورية ماضية في إصرارها على مطالب الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والسلام”.، ويوم 10 يونيو 2019 زار وفد من المعارضة السورية تل ابيب ودعا لوضع سوريا تحت وصاية دولية واقترح على المسؤولين تقسيمها والإطاحة بالرئيس الأسد، وتناول مع المسؤولين ما يسمى المبادرة “السورية الإسرائيلية”.

هذا جزء مما يمكن الحديث عنه فيما يتعلق بالأزمة السورية، التي يمكن إجمالها في كون الجماعات الإرهابية دخلت سوريا وقتا طويلا قبل أن يضطر الحزب لولوجها في إطار الدفاع عن ظهيره، وأن ما يسمى “الثورة السورية” كانت مرتمية حتى النخاع في حضن الإسرائيلي، ووجدت في بعض الفقهاء المراجع من يجوز لها ذلك، وكان الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الأسبق، دعا الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في سوريا، ولما قصفت منشآت سورية شكرها وقال إنها وقفت وقفة لله، ومرة قال إنهم لا يريدون دعم الثورة في سوريا لأنهم يخافون على أمن إسرائيل بعد نجاحها مفندا ذلك مكررا “من قال لكم ذلك؟”.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...