أمريكا في مرآة عبد الجبار: الوجه الآخر للسياسات الظالمة

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

ذ.عبد القادر الفرساوي

 

 

 

لم يكن شمس الدين عبد الجبار مجرد اسم يُضاف إلى قائمة طويلة من الفاعلين في مسلسل العنف المرتبط بالسياسات الدولية؛ بل كان مرآة عاكسة لسياسة استهلكت نفسها وأبناءها. عبد الجبار، الجندي الأمريكي الذي نشأ وترعرع في بلده، ثم انخرط في صفوف جيشها، مثّل شخصية معقدة تمزج بين الولاء والتمرّد، بين حب الوطن وكراهيته، بين العقل الذي يُدرك والقلب الذي يثور.

خدم عبد الجبار في أفغانستان خلال فترة شهدت فيها السياسة الأمريكية ذروة التناقض. باسم (الحرب على الإرهاب)، تسببت العمليات العسكرية في خسائر كبيرة بين المدنيين، وأُجبرت القرى على مواجهة ويلات النزوح والدمار تحت شعارات تبدو براقة. عبد الجبار كان هناك، على خط المواجهة، وشهد الانفجارات وسُمعت في ذاكرته صرخات الأطفال والنساء. عاش تجربة معقدة، مزجت بين أداء الواجب العسكري وصراع الضمير. ربما أُجبر على تنفيذ أوامر لم يكن مقتنعا بها، أو رأى رفاقه ينفذونها دون اكتراث.

بينما عاد عبد الجبار إلى وطنه بميدالية الحرب على الإرهاب، لم تفارقه صور أخرى من الشرق الأوسط: غزة المحاصرة، العراق واليمن. رأى كيف أن السياسة قد تُبرر أحيانا ما لا يمكن تبريره أخلاقيا. في بلد يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، كان التساؤل يلاحقه: كيف يمكن للنظام الذي ينتمي إليه أن يدير ظهره لمآسي واضحة؟

عبد الجبار، كإنسان، واجه صراعا داخليا لا يرحم. وجد نفسه أداة في يد سياسات لم يعد يثق بها. وبينما كان العقل يحاول تبرير الأمور، كان الضمير يرفض بحدة. ومع تزايد هذا الصراع، اختار عبد الجبار طريقا خاصا للتعبير عن هذا التمزق الداخلي.

لكن التحليل هنا لا يعني تمجيد العنف بأي شكل. إنما هو محاولة لفهم كيف يمكن أن تصنع السياسات غير العادلة دوافع داخلية تدفع أشخاصا مثل عبد الجبار إلى حافة الانهيار النفسي.

عبد الجبار ليس حالة فردية، بل انعكاسا لظاهرة أوسع. إنه تذكير بأهمية إعادة التفكير في السياسات التي قد تنزع الإنسانية عن الإنسان. العالم، وأمريكا على وجه الخصوص، بحاجة إلى مراجعة، ليس فقط لتجنب تكرار القصص المأساوية مثل قصة عبد الجبار، بل لإنقاذ الأفراد والمجتمعات من آثار الظلم والاضطراب.

حين تنظر أمريكا إلى انعكاسها في مرآة أمثال عبد الجبار، قد تدرك أن القوة الحقيقية ليست في الأسلحة أو السياسات، بل في تحقيق العدل وإنقاذ الأرواح من دوامة التناقض والضياع.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...