شرويطة العزة خير من دربالة الصهينة

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

الدكتور محمد عوام
باحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة.

 

 

للشرويطة (الخرقة) أدوار كثيرة يعرفها الناس، منها أنها تنظف الأوساخ الملتصقة بالجدران، أو الطاولة، أو المطبخ. ومنها أن تُعقد بها الأكياس عندما لا يجد المرء حبلا رقيقا لذلك، فهي تقوم مقامه، ومنها أنها توضع على الجرح لوقف نزيف الدم، حتى لا يؤدي سيلانه إلى الهلاك.
والشرويطة (الكوفية) كما سماها أحدهم سخرية واستهزاء، رمز الشموخ والإباء، وعلامة العز والاستعلاء، ومنارة التحدي والصلابة والاستقواء على الأعداء، فهي تنطوي على دلالات سيميائية، لا يفقهها الجاهلون، وإنما يعرف معناها المثقفون والعالمون، الذين خبروا تاريخ النضال، وأدركوا الدلالات والرموز في الصراع الحضاري، لذلك لا تستغني أمة، أو دولة، أو طائفة من الناس من أن تكون لديها عالَمها المعبر عن كيانها ووجودها، فيحمل في كنهه معانيها وثقافتها.

فاختيار الكوفية للدلالة على فلسطين، توحي بأن القضية ما تزال حية، والنضال مستمرا، والجهاد قائما، مهما حاول الأعداء طمس معالم ورمزية الكوفية، فهي حاضرة في أرجاء العالم كله، ولا أدل على ذلك، من أن تكون شعار أحرار العالم اليوم في تظاهراتهم ونصرتهم لغزة العزة، وارتداؤهم لها تعبير عن تضامنهم ووقوفهم بجانب الحق ضد الغطرسة الصهيونية.
وإذا كان المتلفظ بالشرويطة لا يدرك قيمة الكوفية، ودلالتها السيميائية، فهو معذور لأنه لم يأخذ حظا من العلم والثقافة التي تحلل الدلالات والرموز، أو على الأقل تساعده على فهم الأعلام والرموز ولو إجمالا أن من ورائها معاني وحكم، ولم توضع هكذا اعتباطا وجزافا. والحق أن العيب ليس فيه، وإنما هو في نظام البرلمان وطرق انتخاب نوابه، إذ دخلته طائفة من الأميين أو شبه الأميين، الذين لا يحسنون الكلام، ولا يتقنون إمساك الأقلام، فضلا عن أن يمسكوا اللسان، فكان ما كان أن يكثر النعيق والشهيق والنهيق والخروج عن الطريق، وقد “لعب خزها فوق ماها” كما كان يقول سيدي عبد الرحمن المجدوب رحمه الله.

والأشد غرابة من ذلك، حينما تسخر هذه الطائفة المتشروطة فكريا من المقاومين والمناضلين الشرفاء، فتنبذ الكوفية الفلسطينية، وترتدي “دربالة” الصهيونية، كما هو شأن “كلنا إخرائيليون” على حد التعبير العبري الذي تكثر في لغته الخاء، الدالة على تلك التي لا تذكر إلا في أقذع المناسبات أو عند الضرورة. وكأني بالحكمة الإلهية اختارت لهم لغة من جنس فعالهم. والدربالة الصهيونية دليل على الانبطاح والبهدلة والخسة والسقوط المدوي إلى الحضيض. على أن المخيال المغربي وثقافته الاجتماعية يعرف أن الدربالة لا يرتديها إلا المجانين، الذين لا تستفيد منهم الأمة لا في دينها ولا دنياها.

والذي لا يفقهه المتشروطون أن الكوفية انتصرت على نجمة الصهاينة وصليب الصليبيين مجتمعين، لأنه أول مرة في التاريخ المعاصر تهزم كتائب الله وحزبه جحافيل الصهيونية والصليبية وخدامهم وأزلامهم، فيوقعون على اتفاقية الخزي والعار والشنار والصغار وهم يذرفون الدموع، ولم يحققوا مما كانوا يصبون إليه شيئا، يجرون ورائهم الخيبة.
وختاما أهمس في أذن حزب الشرويطة، إن فلسطين ورجال مقاومتها يقولون لكم على لسان المغاربة الأحرار والشرفاء وأمثالهم الشعبية الرائعة: “مَا بْقَا هَمَّانْ يهمني حتى بو جعران (الجعل) وَلاَّ يشمني”. لقد انتصرت غزة، وانتصرت المقاومة، وستظل تنتصر بإذن الله حتى التحرير، وسيسقط التطبيع إن شاء الله تعالى، لأنه من الباطل، والله تعالى وعد بنصر المؤمنين فقال عز وجل: “إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد”، وسوف يزول كيانهم لا ريب في ذلك، وستلحق لعنات التاريخ تباعا لأعوان وخدام الصهاينة، “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...