ائتلاف نتنياهو الهش وخطة السلام الأمريكية: هل يُكتب له البقاء؟

إيطاليا تلغراف

 

 

 

ألطاف موتي
(كاتب باكستاني باحث سياسي واقتصادي)

تبنّى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقترح سلام لغزة تدعمه الولايات المتحدة، وهو مقترح ينص على وقف لإطلاق النار، وتبادل للأسرى والرهائن، وانسحاب إسرائيلي مرحلي من أجزاء من القطاع، وإشراف دولي. هذه الخطة، التي صيغت في حوالي 20 إلى 21 نقطة، تم التفاوض عليها مع واشنطن وقُدمت كمسار عاجل للخروج من حرب مدمرة. لكن تنازلاتها المحدودة للفلسطينيين كشفت عن شروخ عميقة داخل الكتلة الحاكمة في إسرائيل.
جوهر المقترح ومقاصده
يهدف المقترح في جوهره إلى إنهاء الأعمال العدائية الفعلية والسماح باستجابة إنسانية واسعة النطاق. فهو يربط بين وقف إطلاق النار وصفقات تبادل الأسرى والرهائن، ووعود بتقديم مساعدات لإعادة الإعمار وجدول زمني لانسحاب القوات الإسرائيلية من بعض مناطق غزة. كما يدعو إلى اتخاذ تدابير لتحجيم القدرات العسكرية لحركة حماس، ويتصور ترتيبات دولية مؤقتة لأمن غزة وإدارتها. وقد صُممت هذه العناصر لتوفير إغاثة فورية مع ترك الأسئلة السياسية طويلة الأمد لمرحلة لاحقة.
حسابات نتنياهو السياسية
إن تأييد نتنياهو العلني للخطة هو خطوة محسوبة. فهو يواجه ضغوطاً دولية مكثفة بشأن الخسائر في صفوف المدنيين في غزة وعزلة دبلوماسية متزايدة. ومن خلال الانظمام إلى مبادرة أمريكية، يسعى إلى استعادة النفوذ لدى الشركاء الغربيين وإظهار أن إسرائيل تعمل من أجل خروج موثوق به من الحرب. أما على الصعيد المحلي، فهو يراهن على أن الخطة يمكن أن تدعم صورته المهتزة وتخفف من حدة الانتقادات قبل اختبارات سياسية وشيكة.
تصدعات الائتلاف الحاكم
لكن الائتلاف الإسرائيلي الذي يبقيه في السلطة غير مستقر إلى حد بعيد. فالعديد من شركاء نتنياهو هم أحزاب متشددة وقومية وموالية للمستوطنين، تعارض أي تنازل تعتبره تمكيناً للفلسطينيين. وقد رفض وزراء وقادة أحزاب بشكل صريح حتى الخطوات المحدودة نحو الاعتراف السياسي أو التراجع الإقليمي. وهدد بعضهم بالاستقالة بدلاً من قبول ترتيبات يعتبرونها استسلاماً. هذا التهديد يضع نتنياهو في مأزق سياسي ضيق: فإما أن يقبل الخطة الأمريكية ويخاطر بفقدان أغلبيته البرلمانية، أو يرفضها ويواجه تداعيات دولية وخيمة.
إن اعتراضات اليمين المتطرف متوقعة ولكنها مؤثرة. فمطالبهم الأساسية لا تزال تتمثل في الهزيمة العسكرية لحماس، والاحتفاظ بأقصى درجات السيطرة الأمنية، وتوسيع السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية. بالنسبة لهذه الأطراف، فإن أي خطة تتضمن انسحاباً مرحلياً أو إشرافاً دولياً أو خطوات يمكن أن تمكّن الحكم الفلسطيني هي خطة غير مقبولة. كما أن نفوذهم على وزارتي الأمن والعدل يمنحهم الأدوات اللازمة لتخريب التنفيذ. فالانضباط الداخلي للائتلاف ضعيف، وأي انشقاقات أو استقالات وزارية يمكن أن تؤدي إما إلى انهيار الحكومة أو إلى شللها.
وجهات النظر الفلسطينية والإقليمية
من المنظور الفلسطيني، تمثل الخطة فرصة وإهانة في آنٍ واحد. فإدراج المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار وتبادل الأسرى يلبي الاحتياجات الملحة. وقد رحبت بعض المؤسسات الفلسطينية والدول الإقليمية بالمقترح كمسار محتمل للإغاثة ووقف الخسائر البشرية الجماعية. ومع ذلك، لا تخلق الخطة أفقاً سياسياً واضحاً لتقرير المصير الفلسطيني؛ فهي تتجاهل الضفة الغربية إلى حد كبير، وتربط مستقبل غزة بمطالب نزع السلاح، وتؤجل القضايا الجوهرية المتعلقة بالدولة والحدود والحقوق. لذلك، يرى العديد من الفلسطينيين أن الخطة تبدو كإجراء إغاثي جزئي وليست خارطة طريق نحو العدالة.
أما إقليمياً، فردود الفعل متباينة. فيبدو أن مصر وقطر وتركيا تعمل خلف الكواليس لإقناع حماس بقبول جوانب من الاتفاق، مدركة أن استمرار القتال يهدد بزعزعة استقرار أوسع نطاقاً. وأعربت العواصم الغربية عن دعم حذر، مع التحذير من أن الخطة يجب أن تحمي الحقوق الفلسطينية وتتجنب التهجير. وأبدت عدة حكومات أوروبية قلقها من غموض الخطة بشأن النتائج السياسية وهوية الجهة التي ستحكم غزة في الفترة الانتقالية. هذا التردد الدبلوماسي يزيد من تعقيد حسابات نتنياهو، فالقبول الدولي لا يضمن الإذعان الداخلي.
العقبات العملية والمعضلة الكبرى
تلوح في الأفق أيضاً عقبات عملية. فالتنفيذ سيتطلب انسحاب القوات الإسرائيلية فعلياً من المناطق المأهولة بالسكان مع ضمان وصول المساعدات الإنسانية. كما سيتطلب ضمانات موثوقة بأن المساعدات المدنية تصل إلى المحتاجين بدلاً من وقوعها في أيدي الجماعات غير المسؤولة. وسيتطلب الأمر إطاراً لمراقبة أي التزامات بنزع السلاح دون خلق ترتيبات احتلال أو إدارة جديدة تقوض الإرادة الفلسطينية. وحتى لو تم التوقيع على اتفاق، فإن القدرة المؤسسية على تنفيذ هذه العناصر الفنية ضعيفة لدى جميع الأطراف. وسيكون الرصد الدولي المستقل ضرورياً ولكنه سيواجه اعتراضات سياسية.
سياسياً، يواجه نتنياهو خياراً صعباً. فإما أن يحاول فرض الخطة ويأمل أن ينجو ائتلافه من الانشقاقات وغضب الناخبين القوميين، أو أن يرضخ للشركاء المتشددين ويتخلى عن المكاسب الدبلوماسية التي تتيحها الخطة. وكلا المسارين ينطوي على تكاليف باهظة. فتفكك الائتلاف من المرجح أن يؤدي إلى انتخابات جديدة ويطيل أمد عدم الاستقرار السياسي، مع عرقلة إعادة الإعمار والإغاثة. أما القبول دون تنفيذ كامل فسوف يعمق انعدام الثقة لدى الفلسطينيين وقد يؤدي إلى تجدد العنف.
بالنسبة للفلسطينيين، يتمثل الاختبار الحاسم في ما إذا كان الضغط الدولي والوساطة الإقليمية يمكن أن يترجما الإغاثة المؤقتة إلى حقوق دائمة. إن وقف إطلاق النار الذي يعمل على تجميد الوضع الراهن لن ينهي حالة التهجير التي يصفها العديد من الفلسطينيين. فأي سلام مستدام يتطلب معالجة قضايا النزوح والسيادة والمساواة في الحقوق، وهي قضايا لا تعالجها الخطة الحالية إلا بشكل جزئي أو غير مباشر. وبدون هذه الخطوات السياسية الأوسع نطاقا، قد تصبح الإغاثة مجرد ضمادة على جرح أعمق.
قد يوفر تبني نتنياهو للمقترح الأمريكي شريان حياة دبلوماسياً مؤقتاً. ومع ذلك، من غير المرجح أن يحل التناقض الجوهري في صميم حكمه: فهو يعتمد على شركاء من اليمين المتطرف يرفضون الحد الأدنى من التنازلات التي تقدمها الخطة. وهذا التناقض يجعل بقاء الائتلاف محفوفاً بالمخاطر. ​لا يمكن لمناورات نتنياهو السياسية أن تحجب حقيقة أن صمود حماس قد أجبر إسرائيل وحلفاءها على النظر في تقديم تنازلاتٍ طالما قاوموها، مما يفضح ضعف ائتلافه اليميني المتطرف وحدود القوة العسكرية الإسرائيلية في غزة.

إيطاليا تلغراف

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...