تونس المأزومة سياسياً على حافة الإفلاس

إيطاليا تلغراف

 

 

 

أحمد ذكر الله

 

 

تستمر الأزمة الاقتصادية التونسية في التصاعد في ظل أزمة سياسية حادة ألقت بنتائجها العنيفة على مؤشرات الاقتصاد الكلي، وعلى تدهور المستوى المعيشي للمواطنين في ظل ارتفاع حاد لمعدلات التضخم، وتآكل متزايد لفرص العمل المتاحة، وكل ذلك في ظل غياب تام لجهود الحكومة الحالية التي بات من الواضح تجاهلها لأوضاع الجماهير، وصب كل اهتمامها في ترسيخ الانقلاب المترنح الذي يدفع التونسيون ثمنه غاليا عبر تدهور اقتصادي ومعيشي غير مسبوق.

وفي الأسابيع الأخيرة توالت التقارير الاقتصادية الصادرة عن مؤسسات دولية بشأن حالة تونس وتحذر من اقتراب الاقتصاد التونسي من حافة الإفلاس والتوقف عن سداد أعباء الديون الخارجية، وأنه يسلك نفس طريق الاقتصاد اللبناني، لا سيما في ظل تأجيل صندوق النقد الدولي النظر في طلب حكومة قيس سعيد الحصول على قرض في الاجتماع الذي كان مقررا في نهاية ديسمبر الماضي، وهو القرض الذي كانت الحكومة تعول عليه كثيرا في الخروج من أزمتها الطاحنة.
خفض التصنيف الائتماني لتونس
لم يكن مفاجئا على الإطلاق تخفيض مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف تونس إلى درجة Caa2، التي تعني تعرض الحكومة والبنك المركزي إلى مخاطر مالية عالية، وهي نفس الدرجة التي منحتها الوكالة العالمية للبنان قبل شهر واحد من إعلانه التخلف عن سداد ديونه في شهر مارس/ آذار 2020.

وقالت “موديز” في تقريرها حول تونس إن خفض التصنيف الائتماني “يعود لعدم وجود تمويل شامل حتى الآن لتلبية احتياجات الحكومة، مما يزيد من مخاطر التخلف عن السداد”، مضيفة أنّ عدم تأمين برنامج تمويلي جديد من قبل صندوق النقد الدولي على الرغم من التوصل إلى اتفاق إطاري في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أدى إلى تفاقم وضع التمويل الصعب وزيادة الضغوط على احتياطي النقد الأجنبي للبلاد.

وبهذا التصنيف، يفصل تونس عن أنه “بلد مفلس تماماً” درجة واحدة وهي Caa3، وهي درجة ليست مستبعدة في ظل استمرار حالة الضبابية السياسية الحالية، وغياب التوافق الداخلي حول الإصلاحات التي جاءت في برنامج الحكومة المقدم إلى صندوق النقد الدولي، والتي تعارضها القوي المجتمعية الكبرى وفي مقدمتها الاتحاد العام للشغل.

وقد أقرت موديز بترجيح سقوط الاقتصاد التونسي في بئر التعثر في السداد حال استمرار الأوضاع الحالية التي ستؤدي إلى تآكل احتياطيات النقد الأجنبي من خلال سحب مدفوعات خدمة الدين الخارجي، وازدياد ظروف التمويل المحلية والخارجية صعوبة، والأزمات المتفاقمة جراء تزايد خدمة الديون الحكومية التونسية، وكلها أمور تعرقل حصول تونس على تمويلات جديدة، مما يعقد الأوضاع الحالية، وعلى الأغلب يزيدها سوءا.

تشابه وضع اقتصاد تونس مع الحالة اللبنانية
تتشابه العديد من الركائز التي يعتمد عليها الاقتصاد التونسي مع نظيراتها في الحالة اللبنانية، من حيث هشاشة السلطة السياسية وانقسامها وتفتت القوى الداخلية، والتعويل على قطاع السياحة المعرض كثيرا للأزمات الأمنية، والعجز المتزايد للميزان التجاري، علاوة علي التناقص الكبير للمواليد والذي أدى إلى تحمل الدولة أعباء متزايدة لمعاشات التقاعد، وكذلك الاعتماد الاقتصادي الكبير علي تحويلات المهاجرين والعاملين في الخارج في الموازنة النسبية لسد فجوة التمويل المحلية، كل ذلك بالإضافة إلى سيطرة بعض العائلات على الاقتصاد.

من الطبيعي أن تختلف درجة العوامل السابقة بين الدولتين، فعلي سبيل المثال الوضع التونسي أسوأ كثيرا في مواجهة أعباء معاشات المتقاعدين، كما أن النظام المصرفي اللبناني أكبر حجما ربما بخمسة أضعاف كاملة عن نظيره التونسي، ولكن هذا التباين المحدود، والتشابه في معظم الركائز يشير إلى أن حالة الإفلاس اللبناني ليست بعيدة عن الاقتصاد التونسي.

بالطبع، لا أحد يتمنى ذلك للأشقاء في تونس، ولكنها رسالة تحذير من المخلصين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لا سيما أن نقطة البداية سياسية بامتياز، وكذلك فإن محاولات الرئيس قيس سعيد بإلقاء الاتهامات على بعض القوى الداخلية بإشاعة أخبار كاذبة عن الوضع الاقتصادي الداخلي يعتبر تمييعا للمشكلة وهروبا من إعداد خطة حقيقية وجادة لمواجهتها، وهو الأمر الذي أكدته وكالة التصنيف الائتماني موديز بقولها إنه في حال لم تتحسن آفاق التمويل الخارجي في الوقت المناسب، فإن احتمال التخلف عن السداد قد يرتفع إلى ما هو أبعد.

هل قرض صندوق النقد هو الحل الأخير لتونس؟
منذ أكثر من عامين تتفاوض الحكومات التونسية المتعاقبة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد تتعمد القيادة التونسية الترويج بأنه الملاذ الوحيد والأخير للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها الشعب، والترويج كذلك أن قرض الصندوق يتعدى توفير التمويل المطلوب إلى كونه شهادة ثقة من المؤسسات المالية الدولية تستطيع الدولة من خلالها اقتراض المزيد من الأموال عبر آليات تمويلية أخرى.

وفي منتصف ديسمبر الماضي فوجئ التونسيون بقرار صندوق النقد الدولي إرجاء النظر في القرض والذي أعلن موافقته المبدئية عليه على مستوي الخبراء في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك على الرغم من المفاوضات الماراثونية التي استمرت 18 شهرا كاملة، فيما جرت العادة أن تأخذ هذه الإجراءات 3 أشهر فقط.

وقد تم سحب الملف التونسي قبل اجتماع مجلس إدارة الصندوق للعديد من الأسباب من بينها أسباب شكلية تتعلق بعدم تقديم الحكومة للملف في الوقت المحدد، وعدم إمضاء رئيس الجمهورية على الموافقة على برنامج الإصلاحات، بالإضافة إلى عدم جاهزية موازنة 2023 في ظل غياب مجلس نواب لمناقشة الميزانية ووجود مجلس جديد بعد الانتخابات، وهو الأمر الذي يدفع الحكومة ممثلة في وزارة المالية على اصدار الميزانية.

هناك إشكالية أخرى تلفت نظر المحللين والخبراء تتعلق بالخلاف بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة العمالية الأبرز في البلاد، الذي يتهم الحكومة بتوجهها نحو إزالة الدعم في إطار اتفاقها مع الصندوق، وأن هذا الخلاف المعلن كان سبب تأجيل صندوق النقد لمناقشة القرض، حيث اشترط الصندوق موافقة الفاعلين الاجتماعيين وفي مقدمتهم الاتحاد العام التونسي للشغل.

عموما أيا كانت أسباب التأجيل فهو بطعم الرفض، ومن المرجح أنه يشكل فرصة للإفلات من فخ الصندوق الذي عانت ولا تزال منه الكثير من الدول حول العالم، كما أنه فرصة كذلك لمراجعة كافة الأطراف التونسية مواقفها، وفي مقدمتهم الرئيس قيس سعيد، حيث يوجد إجماع على أن حالة التشرذم والانقسام السياسي الحاد التي تسبب فيها هي السبب الرئيس لما تعانيه البلاد حاليا.

كما أن مراجعة الإمكانات الذاتية المحلية للاقتصاد التونسي ومحاولة الاستفادة القصوى منها تبدو كفرصة مهمة في ظل تراخي الصندوق، فكل ما تحتاجه تونس لا يعدو 4 مليارات دولار فقط، لن يوفر الصندوق منها سوى 1.9 مليار دولار فقط، الأمر الذي يعني أن نقطة عودة وانطلاق الاقتصاد التونسي لن تكون إلا من خلال القوى والإمكانات الذاتية المتاحة.

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...