بقلم: عزيز لعويسي
احتضنت العاصمة السعودية الرياض، خلال الفترة الممتدة من 16 إلى 18 فبراير 2025 (17-19 شعبان 1446هـ)، مؤتمرا دوليا، في موضوع “الأرشيف في العصر الرقمي”، من تنظيم المركز الوطني السعودي للمحفوظات والوثائق، وقد تحكمت في هذا المؤتمر – الذي أتى تماشيا مع الرؤية الاستشرافية للمملكة العربية السعودية في الموضوع، التي من ضمن أهدافها تسريع التحول الرقمي – عدة أهداف ومقاصد، تروم في مجملها “استعراض تجارب الأجهزة الحكومية في مجال الأرشفة والرقمنة”، و”تعزيز دور الأرشيفات في خدمة البناء المعرفي للمجتمعات واستثمار المعلومات”، و”تسليط الضوء على واقع التعليم والتدريب في مجال الأرشفة الحاسوبية”، إضافة إلى “استكشاف إمكانيات الإفادة من التقنيات الحديثة في دعم وظائف وخدمات مؤسسات الأرشيف”، و”دعم دور الأرشيفات في خدمة المعلومات وإتاحتها وتنظيمها وفق المستجدات الحديثة”، فضلا عن “إبراز مبادرات التحول الرقمي ودورها في خدمة الأرشيفات”؛
تميز حفل الافتتاح، بكلمة لمعالي المستشار بالديوان الملكي، المشرف العام على المركز الوطني للوثائق والمحفوظات، الدكتور فهد بن عبدالله السماري، أوضح من خلالها، ” أن المعرفة لها طابع الامتداد العالمي، ولكن العمل الحكيم والمميز هو الذي يقدم شيئاً جديداً يخدم الجميع”، مشدداً في معرض كلمته، على “أهمية التنافس بين الأرشيفات في تقديم خدمات نوعية في ظل بيئة رقمية آمنة”، مضيفا أن “المملكة العربية السعودية حققت قفزات نوعية في مجال التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي”، منوهاً في هذا الإطار “بالدعم المستمر من لدن القيادة الرشيدة للارتقاء بالأرشيفات، إلى مستوى يليق بالمستوى الذي وصلت إليه المملكة من تقدم في شتى المجالات”، وقد ختم معاليه كلمته، بأن “أعرب عن تطلعه بأن يخرج المؤتمر بجملة من النتائج والتوصيات، تساهم في تبني التحول الرقمي في مجال الأرشيف”؛
كما تضمن الحفل كلمة مسجلة لرئيسة المجلس الدولي للأرشيف، السيدة جوزيه كيربس، من ضمن ما ورد فيها، “إشادتها بمحاور المؤتمر وأهميتها على المستوى الفني والمهني، وتأكيدها على أنه “لا غنى عن تبني التقنيات والتحول الرقمي في مجال الأرشيف، داعية الأرشيفات العربية للتعاون فيما بينها للارتقاء بالمهنة وتعزيز الخدمات المقدمة لمجتمع المستفيدين”؛
وفي كلمة ألقاها خلال الحفل، وضح الأمين العام للمجلس، السيد كارلوس سيرانو فاسكيز، بأن هذا المؤتمر “يعد فرصة ذهبية لمناقشة مستقبل الأرشيفات، منوهاً بالحضور الكبير والمتميز الذي شهده هذا المؤتمر”، والذي جاء حسب تصوره، “نتيجة لتميز المركز الوطني للوثائق والمحفوظات”، مما دعا “الباحثين للمشاركة في هذا المؤتمر لتقديم ما لديهم من خبرات ومعارف، للمحافظة على تراثنا الأرشيفي وتوثيقه”، وقد نوه ذات المسؤول الأرشيفي “بالتأثير الإيجابي للتقنيات الرقمية على الأرشيفات وتقديم الخدمات من أي مكان حول العالم وفي أي وقت”، مؤكدا في ختام كلمته، بأن المهمة الحالية “ليست المحافظة على الأرشيف والمعلومات والسجلات فقط، بل بجعلها متاحة للأجيال القادمة”، مشدداً في ذات الآن على “أهمية الدور الذي سيكون للأرشفيين الجدد والناشئين الذين بدأوا عملهم في مجال الأرشيف، حيث إن مستقبل العمل الأرشيفي، سيعتمد حسب تقديره، “على مدى قدرتهم على المشاركة والتطوير والإبداع، في الاستفادة من التقنيات الرقمية المتاحة وإتاحة فضاء تعاوني، يمكن من خلاله أن يساهموا في الارتقاء بالعمل الأرشيفي ومواجهة التحديات التي ستواجه المهنة مستقبلاً”؛
وقد تميزت أشغال المؤتمر، بمشاركة مميزة للدكتور جامع بيضا، المدير الأسبق لمؤسسة أرشيف المغرب، الذي تناول كلمة في الجلسة الافتتاحية، أكد في مستهلها “إن الأرشيفات، بمختلف حواملها، ليست مجرد مستودعات للوثائق والمعلومات، بل هي شاهد حي على تطور البشرية في مسيرتها الحضارية”، واليوم، يضيف الأستاذ جامع بيضا، “ومع التقدم الهائل للتكنولوجيا، لا يقتصر دور الأرشيف على حفظ الوثائق التقليدية فقط، بل أصبح يشمل الرقمنة والذكاء الاصطناعي، مما يسمح حسب رأيه “بتسهيل الوصول إلى المعلومات، وتعزيز الشفافية، وتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من المخزون المعرفي للإنسانية جمعاء، ومن هذا المنطلق، استرسل الأستاذ والمؤرخ جامع بيضا، ” فنحن نلتئم هنا، بمختلف جنسياتنا ومعتقداتنا، لنتبادل الخبرات والأفكار والآراء، ونبحث في كيفية تطوير الآليات التي تساهم في توظيف الأرشيف لما فيه الصالح العام، وفي الوقت نفسه، نمعن النظر في الوسائل الكفيلة باستخدام التقنيات الحديثة، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الأرشيفات”، وفي سياق كلمته، هنأ المؤرخ والخبير الأرشيفي المغربي جامع بيضا، المركز الوطني للمحفوظات والوثائق بالمملكة العربية السعودية، على مبادرته المتعددة، في تعزيز التعاون مع الأرشيفات العالمية، والاستفادة من أفضل الممارسات في حفظ المعلومات والوثائق”، وهو ما تجسد في “الدور الإيجابي والفعال الذي يضطلع به في المجلس الدولي للأرشيف”، مشيرا في هذا الصدد، إلى منح أعضاء المكتب التنفيذي للفرع العربي للمجلس الدولي للأرشيف في مارس 2022، الثقة للدكتور فيصل بن عبدالعزيز التميمي، بانتخابه رئيسا للفرع، مما شكل اعترافا بالجهود المبذولة من لدن المملكة في حقل تدبير الأرشيف وتثمينه؛
وفي معرض حديثه، وجه الأستاذ جامع بيضا، البوصلة كاملة نحو التحديات المطروحة أمام الأرشيف في ظل متغيرات الذكاء الاصطناعي، موضحا في هذا الإطار “إذا كان الذكاء الاصطناعي الذي دخل مؤخرا إلى الحلبة، ليقدم إمكانيات جديدة فيما يخص التصنيف والتنظيم الآلي، وتحليل النصوص والتعرف على مضامينها، وتحسين البحث في الأرشيفات، وإدارة البيانات الكبيرة، والتنبؤ ببعض الاتجاهات المستقبلية المتعلقة باحتياجات البحث، أو حتى بمستقبل الحالة المادية لبعض المجموعات الوثائقية…، فإنه حسب تقديره، ” يطرح أيضا تحديات من قبيل الدقة في فهم النصوص القديمة بلغاتها المختلفة، والحفاظ على خصوصيات الأفراد والجماعات، والتحريف المقصود للمعطيات، والأمان السيبراني، وانتهاكات لحقوق النشر والملكية الفردية، والتحديث التكنولوجي المستمر للأدوات والأنظمة المستخدمة”.
شارك في أعمال هذا المؤتمر الأرشيفي الدولي، باحثون من عدة دول هي المملكة العربية السعودية، والمملكة المغربية، ومملكة اسبانيا، ومملكة النرويج، وجمهورية فرنسا، وجمهورية أستراليا، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، وجمهورية مصر العربية، وجمهورية السودان، والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وجمهورية تونس، وتضمن البرنامج سبع عشرة (١٧) جلسة علمية طُرِح فيها خمس وستون (٦٥) ورقة عمل وتجربة مؤسسية قدمها (٧٧) باحثا ًتناولت المحاور التالية:
الأرشيف والأمن السيبراني.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إدارة الأرشيف.
الأرشيفات والبيانات الضخمة.
الأرشيف والحوسبة السحابية.
علم الأرشفة الحاسوبية.
التحول الرقمي والممارسات الأرشيفية.
وقد توصل المشاركون في المؤتمر إلى التوصيات التالية:
1. دعوة الأرشيفات إلى تضمين استراتيجياتها المستقبلية، مبادرات شاملة للتحول الرقمي والاستفادة من التقنيات والتطبيقات الرقمية في الأرشيف؛
2. دعوة الأرشيفات إلى تعزيز بنية الأمن السيبراني لديها، حفاظاً على البيانات والمعلومات وتعزيزاً للأمن الوطني؛
3. الدعوة إلى تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أعمال الأرشيف لتعظيم الاستفادة مما يحتويه الأرشيف من معلومات قيمة؛
4. دعوة الأرشيفات إلى تعزيز التواصل مع الجهات المعنية بالتحول الرقمي لخلق أرشيفات وطنية رقمية تساهم في توفير المعلومات والبيانات وحفظها رقمياً؛
5. دعوة الجامعات والمعاهد العلمية إلى تحديث خططها الدراسية بما يتواءم مع متطلبات العصر، وتضمين مقررات ومسارات خاصة بالتحول الرقمي في مجال الأرشيف، وطرح المزيد من الموضوعات ذات العلاقة بالتحول الرقمي في مجال الأرشيف لبرامج الدراسات العليا؛
6. الدعوة إلى إطلاق برامج تدريبية واسعة في مجال التحول الرقمي، موجهة لمنسوبي الأرشيفات لتنمية قدراتهم ومهاراتهم الرقمية.
وفي ضوء هذه التوصيات القيمة، واستحضارا للتحديات المتعددة الزوايـا التي بات يطرحها الذكاء الاصطناعي على المنظومات الأرشيفية، فالبلدان العربية، مدعوة إلى دعم المؤسسات الفاعلة في مجال الأرشيف، وتمكينها من الوسائل البشرية والمادية واللوجستية اللازمة، ما يساعدها على الانخــراط المرن والمتبصر، في الثورة الرقمية الصامتة، التي يعد الذكاء الاصطناعي إحدى عناوينها البــارزة، حتى لا تقع في “شرود” التجاوز؛
بقيت الإشارة، إلى أنه وعلى هامش المؤتمر، التقى الدكتور جامع بيضا، المدير الأسبق لأرشيف المغرب، وعضو الهيئـة الاستشارية لمجلة رغــدان للدراسات والأبحاث بالأردن، بالمدير العام لمركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي، الدكتور مهند مبيضين، وتلقى منه دعوة لزيارة الأردن والاطلاع على تجربة المركز، وحضور الاجتماع التقييمي الأول لمجلة رغدان، وتقاسم آرائه وخبرته على مستوى النشر والتوثيق وحفظ الأرشيف؛، وهي الدعوة التي حظيت بقبول المؤرخ والخبير الأرشيفي المغربي، على أن تتم الزيارة غضون شهر أبريل القــادم، مع ضرورة التذكير، أن مؤسسة أرشيف المغرب بالرباط، قد حضرت أشغال هذا المؤتمر الدولي، في شخص إطارها الدكتور خاليد عيش، أحد كفاءات وخبـرات المؤسسة؛





