مذكرة حول الشق السياسي والمدني
للمقاومة الفلسطينية (أو: المقاومة السلمية)
قدمها: أحمد الريسوني
يرى صاحب هذه الورقة أن المقاومة الفلسطينية المجيدة لحركة حماس – وغيرها من فصائل المقاومة – تتسم عموما بالضعف والفقر والقصور في مجال الكفاح السياسي والمدني، سواء على صعيد الداخل الفلسطيني، أو على الصعيد العربي والإسلامي، أو على صعيد شعوب العالم ودوله، أو على صعيد الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها. وأكثر ما نراه في هذا المجال ردودُ فعل عفوية عابرة ومبادرات متقطعة هنا وهناك…بمعنى أنها ليست مقاومة حقيقية، مؤسسة ومنظمة.
وأحب التأكيد من البداية على أن المقاومة السلمية المتحدث عنها لا تعني أي تقليل من أهمية المقاومة المسلحة وضرورتها، ولا أي إغضاء من بطولاتها ومنجزاتها الباهرة، وإنما هي رديف لها. فلا تُـغني هذه عن تلك ولا تلك عن هذه، كما لا تـغني تقوية إحداهما ونجاحها عن ضرورة تقوية الأخرى وإنجاحها واستثمارها.
وإذا كانت المقاومة المسلحة قد نجحت – بتوفيق من الله تعالى – في أمور كانت تُعد من قبيل المستحيلات، وحققت ما هو كالمعجزات، لكي تصل – حتى الآن – إلى إثبات وجودها وصمودها، وإحداث خلخلة في موازين القوة العسكرية بينها وبين عدوها، فإن المقاومة السلمية، يمكن أن تحقق نتائج ومكاسب أسرع وأكبر، بجهود وتضحيات أقل وأيسر. فللقضية الفلسطينية من مقومات النجاح وأسباب التفوق في الجهاد السياسي والمدني، أضعافُ أضعاف ما لها من ذلك في جهادها العسكري، مع التسليم بشراسة المعركة وحاجتها إلى التضحيات الكبيرة في المجالين معا، وفي الجبهتين معا.
والمقصود بالمقاومة السلمية: قيام عمل منظم طويل الأمد، يجند ويحشد جميع الوسائل والأدوات السياسية والمدنية، الجماهيرية والمؤسساتية، في المعركة مع الاحتلال والعدوان، بشكل ممنهج ومنسق ومتصاعد، داخليا وخارجيا ودوليا. ومن تلك الوسائل:
- المظاهرات والمسيرات والاعتصامات،
- التجمعات والمهرجانات والإضرابات،
- العرائض المليونية، (تضامنية، أو احتجاجية، أو مطلبية)،
- بيانات ونداءات من العلماء والحقوقيين والمثقفين والسياسيين،
- التحقيقات والبحوث والدراسات،
- اللجوء المتواصل إلى المؤسسات الحقوقية والقضائية (كمعركة سياسية إعلامية بالدرجة الأولى)،
- تشكيل وفود جوالة، باتجاه المنظمات والشخصيات الفاعلة محليا وعالميا،
- طرح مبادرات ومشاريع سياسية من حين لآخر.
ومن الأهداف التي يمكن أن ترمي إليها مثل هذه المبادرات والمشاريع السياسية: تحقيقُ أهداف مرحلية محددة، إرباك العدو أو فضحه، تحريك قضية من القضايا وإدخالها إلى دائرة الاهتمام، الضغط على المجتمع الدولي والمنظمات الأممية، دفع الدول العربية للتحرك في موضوع ما…
وبعض هذه المبادرات يمكن أن يكون موضوعها – مثلا – تحريك بعض القرارات الأممية المنصفة جزئيا للفلسطينيين.
مجالات وقضايا خصبة للمقاومة السلمية
- قضية حق اللاجئين،
- قضية الأسرى والمعتقلين،
- أوضاع المخيمات،
- قضية الاحتلال نفسه (وخاصة المسلَّم برفضه دوليا)،
- الجرائم العسكرية والأمنية القديمة والمتجددة، التي يرتكبها جيش الاحتلال وأجهزته،
- قضية القدس (وهذه لها الآن نصيب معتبر من العناية والجهد، لكنه غير كاف)،
- قضية مصادرة الأراضي وهدم البيوت،
- قضية الحصار،
- قضايا الطفل الفلسطيني والمرأة الفلسطينية..
ومن المعلوم أن هناك عددا من دول العالم، وجزءا كبيرا من الرأي العام العالمي، لا تحركه – أو لا تقنعه أصلا – قضية اغتصاب فلسطين وإقامة دولة إسرائيل على أرضها، ولا يتجاوب مع فكرة تحرير فلسطين وإزالة إسرائيل، ولكنه يتجاوب مع القضايا المذكورة ومع عدالتها ووجاهتها. وهذا التجاوب يزداد ويقوى بقدر ما نقوم نحن بإبراز تلك القضايا وتحيينها، وتحسيسه بها وتحميسه لها.
ما المطلوب؟
المطلوب تأسيسا وابتداء: تشكيلُ هيئة قيادية عليا، متخصصة ومتفرغة لهذه الجبهة أو لهذه الجبهات. وتتشكل نواتها الصلبة من الفلسطينيين بالدرجة الأولى، ثم الأقرب فالأقرب، والأنفع فالأنفع.
هذه الهيئة القيادية تتولى التخطيط والتنسيق والمتابعة، وبصفة خاصة إنتاج مشاريع ومبادرات نموذجية، لكل الميادين والمجالات المذكورة.
ثم شيئا فشيئا تشرف على تشكيل شبكة – أو شبكات – عالمية لهذا الغرض.
وهل تكون هذه الهيئةُ تابعةً، أو شبهَ تابعة، أو مستقلة، أو شبهَ مستقلة؟ كل ذلك ممكن وقابل للنظر والترجيح. المهم هو الكفاءة والقدرة على الإنتاج والإنجاز وصناعة الحدث الفلسطيني، على الصعيد السياسي والمدني.
نماذج لأعمال مقاومة سلمية
- بخصوص قضية اللاجئين: يمكن في موعد محدد، تنظيم مسيرات سنوية حاشدة يقوم بها اللاجئون بكل دول الجوار لفلسطين المحتلة، مع مَن ينضم إليهم من تلك الدول (مصر والأردن ولبنان وسوريا)، تسير في اتجاه الحدود مع فلسطين. ثم الاعتصام في أماكن حدودية مدة من الزمن (ثلاثة أيام مثلا).
- بخصوص الأسرى والمعتقلين: إعداد عريضة إلكترونية بعشرة ملايين توقيع، وتوجيهها إلى كل الجهات المعنية…
- بخصوص الحصار: تنظيم مسيرات واعتصامات من داخل فلسطين عموما، ومن داخل غزة خصوصا، في اتجاه المعابر، وتمكث يوما أو يومين…
- قضية الاستيلاء على الأراضي وهدم البيوت: تنظيم معرض متجول عبر العالم، يتضمن خرائط وصورا وجداول إحصائية وأفلاما وثائقية بعدة لغات… وقد يكون للمعرض عدة نسخ – بحسب اللغات – تتحرك في وقت واحد عبر القارات.
وعلى كل حال فهذه مجرد أمثلة مجملة، بقصد مزيد من توضيح الفكرة.
وبالله تعالى التوفيق وعليه التكلان.
من محبكم ومجلكم: أحمد الريسوني
وحرر بالدوحة بتاريخ 14ذي الحجة 1435ه
الموافق للثامن من أكتوبر 2014م





