بقلم: د. علي محمد الصلابي
يُعدّ الرياء من أخطر أمراض القلوب التي تهدد صفاء النية ونقاء العمل، إذ يحوّل العبادة من كونها خالصة لله تعالى إلى وسيلة لاكتساب مدح الناس وثنائهم. وقد حذّر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من هذا الداء، داعياً إلى الإخلاص في القول والعمل، ومبيّناً أن الأعمال لا تُقبل إلا إذا كانت خالصة لله وعلى هدي سنة نبيه ﷺ. قال أميـر المؤمنين علي رضي الله عنـه: لا تعمل شيئـاً من الخير ريـاءً، ولا تتركه حياءً (1). وقال رضي الله عنه: للمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص إذا ذم به (2).
وقد جاءت نصوص الشرع بتسمية الرياء شركاً أصغرَ، فقد قال رسول الله ﷺ: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء؛ يقول الله تعالى يوم القيامة، إذا جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» (3). وعن شداد بن أوس، قال: كنا نعد الرياء على عهد رسول الله ﷺ الشرك الأصغر (4).
إن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حذر من مرض القلب الخطير المتعلق بإرادة الإنسان وقصده، وحث الناس على إفراد الله سبحانه وتعالى بالقصد والطاعة، والالتزام بالسير على هدي السنة النبوية، فقد ثبت عنه أنه قال: لا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل إلا بنية، ولا نية إلا بموافقة السنة (5).
وروي عن الفضيل بن عياض: أنه تلا قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الملك: 2]، فقال: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إذا كان العمل خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً، لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السنة (6).
إن صور الرياء متعددة؛ منها: ما يكون بالأعمال، كمن يصلي فيطيل القيام ويطيل الركوع والسجود ويظهر الخشوع عند رؤية الناس له. ومنها: ما يكون من جهة القول، كالرياء بالوعظ والتذكير وحفظ الأخبار والاثار لأجل المحاورة وإظهار غزارة العلم، وتحريك الشفتين في محضر الناس، ويتغافل عنه في منزله. أو يكون الرياء من جهة الزي، كإبقاء أثر السجود على جبهته، ولبس الغليظ من الثياب وخشنها مع تشميرها كثيراً ليقال: عابد زاهد. أو ارتداء نوع معين من الزي ترتديه طائفة يعدهم الناس علماء ليقال: عالم. أو يكون الرياء بالأصحاب والزائرين، كالذي يتكلف أن يستزير عالماً أو عابداً ليقال: إن فلاناً قد زار فلاناً. ودعوة الناس لزيارته كي يقال: إن أهل الخير يترددون عليه. وكذلك من يرائي بكثرة الشيوخ ليقال: لقي فلان شيوخاً كثيرين واستفاد منهم؛ ليباهي بذلك.
أو يكون الرياء لأهل الدنيا، كمن يتبختر ويختال في مشيته، أو يصعِّر خده أو يلفّ عباءته، أو يحرك سيارته حركة خاصة. أو يكون الرياء من جهة البدن، كأن يرائي بإظهار النحول والصفار ليوهم الناس أنه جادٌّ في العبادة، كثير الخوف والحزن، وغير ذلك من الصور التي يرائي بها المراؤون، يطلبون بذلك الجاه والمنزلة في قلوب العباد (7).
وبالجملة: فإن المحافظة على أعمال الخير والإكثار من ذكر الله وعبادته وخشيته وحده، وعدم خشية الناس في ذات الله ومحبة الصالحين وغيرها كل هذا من الأعمال الصالحة الحسنة المطلوبة، ولكن لا بد أن تكون كلها لله؛ لأن الرياء هو عمل العمل الصالح لغير الله، فيجب على المؤمن تصحيح نيته لله لا أن يترك العمل الصالح خوفاً من الرياء، فليحذر تلك الأصناف من خطورة مرض الرياء، وليتذكروا قول رسول الله ﷺ : «من طلب العلم ليماري به الفقهاء، أو يجاري به العلماء، أو يصرف به وجوه الناس إليه؛ أدخله الله النار» (8).
إن أمير المؤمنين علي حذّر من الرياء، وبيَّن أن الأعمال لا تقبل إلا إذا كانت خالصة لله وعلى سنة رسول الله ﷺ، وقد حثَّ رضي الله عنه على التمسك بالسنة في مناسبات عديدة، فقد قال: واقتدوا بهدي نبيكم ﷺ، فإنه أفضل الهدي، واستنوا بسنته فإنها أفضل السنن (9).
المصادر والمراجع:
(1) أدب الدنيا والدين، الماوردي، ص110.
(2) الكبائر للذهبي، ص 145؛ فرائد الكلام للخلفاء الكرام، قاسم عاشور، ص 338.
(3) مسند أحمد (5/428، 429)، إسناده حسن.
(4) الحاكم (4/329)؛ صححه الألباني في صحيح الترغيب (1/18).
(5) الشريعة للآجري (2/638)، إسناده فيه ضعف.
(6) مدارج السالكين، ابن القيم، (2/89).
(7) انظر: مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة المقدسي، ص215-217؛ الشرك في القديم والحديث، أبو بكر محمد زكريا (1/171، 172).
(8) مسلم، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة (2/1513).
(9) البداية والنهاية، ابن كثير، (7/319).





