نعيمة بويغرومني
الدار البيضاء… صباح 28 أكتوبر 2025، صباحٌ لا يُشبه سواه. شمس تشرق على مدينةٍ مكتظة بالحياة، لكنّ في أحد مكاتبها، انكسر المعنى، وسقطت الكرامة أرضًا.
شابة في العشرين من عمرها خرجت إلى عملها تحمل أحلامًا صغيرة، فإذا بها تواجه وحشًا في هيئة بشر، يقتحم المكتب، يُكبّلها، ويمارس أبشع انتهاك لإنسانيتها قبل أن يلوذ بالفرار، تاركًا وراءه صرخةً تزلزل كل من بقي فيه نبض ضمير:
من أين أتى هذا الجحيم؟ ومن سمح له أن يعيش بيننا؟
يا الله……
نشجب، نستنكر، ونتساءل بدمعٍ عالقٍ في المآقي:
أيُّ زمنٍ هذا الذي تُغتصَبُ فيه فتاةٌ في وضح النهار، في قلب العاصمة الاقتصادية، داخل مكتبٍ قانوني يُفترض أنه حِصن للعدالة وموئل للإنصاف؟
أي إنصاف،نُحدّث به العالم، وابنة من بنات هذا الوطن تُنتهك في عملها، وتُهان في صمت، وتُغتصب تحت سقف القانون؟!
علما، أن الحقيقة الأشد وجعًا، أن ما حدث في الدار البيضاء ليس حادثةً معزولة، – وإن اختلف المكان – بل صورة لحوادث ممتدة من العنف الصامت تجاه العديد من بنات هذا الوطن.
حوادث تمتد جذورها في هوامش المدن والقرى، في الحقول والمصانع والورشات والطرقات، حيث تُستنزف النساء في صمتٍ، في خوفٍ، في قهرٍ لا تلتقطه كاميرات الأخبار ولا بيانات المسؤولين.
هناك، حيث يُرتكب العنف مرارا وتكرارا على مهل في غياب الضوء الكاشف، ويُقبر الألم مع الضحية…. ويسحق الحلم في التغيير، والأمل في إشراقة أمل.
فهل ذنبنا أننا نساء ؟
هل وُجدنا لنُختبر في كرامتنا وكرامة بناتنا كل يوم؟ هل وجدنا لنموت ذعرا على بناتنا متى بارحن الديار الى العمل أو الدراسة او التبضع… ؟!
هل كُتب علينا أن نحمل شعارات “الإنصاف” في الخطاب، ونحمل في الواقع جراح “الخوف”و ” التحرش” و“الاغتصاب” و“الخذلان”؟
وبكلمة، الذي وقع بالبيضاء ليست جريمة فردٍ طائش، بل جرس إنذارٍ مدو يفضح انهيار منظومة تربوية وأخلاقية كاملة، تتغاضى عن عنفٍ متجذرٍ، وتتعامل مع المرأة البسيطة- ابنة الشعب- ككائنٍ ثانويٍّ يُهان بلا حساب.
إننا أمام مرآةٍ لوطنٍ لم يعد يسمع أنين بناته إلا حين تصرخ الدماء، ويسحق الحياء.
وعليه، نساء وبنات هذا الوطن تردن عدالةً لا تعرف التردد، وقوانين لا ترحم المعتدين، تردن وطنًا لا يُبرر الجريمة، ولا يُشيطن الضحية. تردن الاستيقاظ على خبر حمايةٍ، لا على نبأ اغتصابٍ جديد. فهل كثير عليهن أن لا يجزعن؟!
لقد آن الأوان أن يتحرك المجتمع المدني من سباته، وأن تُستنهض الجمعيات النسائية والحقوقية لتقوم بدورها كاملاً غير منقوص. آن الأوان لتتحول الشعارات إلى حملات ميدانية توعوية، لتعرف كل امرأة في القرية والمدينة حقوقها وسبل التبليغ.
وبالتبع، نريد من النيابة العامة والسلطات القضائية إنزال أقسى العقوبات على كل من يتحرش بامرأة، أو يعبث بجسدها أو بكرامتها، فكل تساهل هو خيانة جديدة.
وليتحمّل كل مسؤوليته أمام الله وأمام الوطن .
وبكلمة ،عار أن تظل المرأة في هذا الوطن فريسة الوحوش الآدمية بعد اليوم.
فإما أن ننتصر لها بالحق،و بالقانون،و بالوعي،
وإما أن نسقط جميعًا في هاوية العار.
فلنحمِ نساءنا… فلنحمِ الوطن.
نداء، سأترك للزمن فرصة تحرير جوابه، وحتى ذلكم الحين سيظل “الخوف” ملازما لبنات جنسي يا وطني!





