بمناسبة زيارة الاستقلالي “ميارة” للكيان الغاصب، من مقالات القيادي الاستقلالي عادل بن حمزة:الزعيم علال الفاسي والقضية الفلسطينية
ذ.عادل بن حمزة
لقد لعب الزعيم علال الفاسي دوراً بارزاً في القضية الفلسطينية، وكان واحداً ممن شهدوا وساندوا تأسيس حركة “فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية، فالزعيم علال بوصفه الأمين العام لمكتب المغرب العربي في القاهرة – حيث كان منفياً منذ سنة 1937 – قام بعمل كبير وسط الطلبة الفلسطينيين في القاهرة الذين كان من بينهم القائد الكبير الراحل ياسر عرفات، حتى أن قادة الكفاح الفلسطيني كانوا ينادون الزعيم علال بلقب “الوالد”، ونتيجة هذه الحظوة كان علال الفاسي أحد القلائل الذين كانوا على معرفة مسبقة بساعة انطلاق الرصاصة الأولى لتحرير فلسطين سنة 1965.. واستمرت مكانة علال عالية عند القيادة الفلسطينية، بل شاءت الأقدار أن تكون آخر مهامه بطلب من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قبل أن يدركه الأجل المحتوم، مطالبة الرئيس الروماني نيكولاي تشاوسيسكو بإنشاء مكتب للمنظمة في بوخاريست وهو المطلب الذي وافق عليه حالا تشاوسيسكو وبعدها مباشرة فارق الزعيم علال الحياة.
في الدار البيضاء سنة 1970، لمناسبة ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال قال علال الفاسي: “…كلكم تذكرون أن “فتح” العظيمة بدأت عملها الفدائي الجبار سنة 1965، وتذكرون أنني في المجلس الوطني* المنعقد اٍذاك، عرفت بهذه المنظمة العتيدة وبرجالها الأحرار، وأعلنت تأييد حزب الاٍستقلال لها ومطالبته بنصرتها، ويحق لحزبنا الفخر بأن يكون أول هيئة عربية سبقت إلى تقدير هذه العصبة المؤمنة، ووضعت ثقتها فيها، وها هي ذي “فتح” تفرض الااعتراف بها على الدول العربية وعلى غيرها من الدول والجماعات، وذلك بما تواصله من جهاد إيجابي في سبيل تحرير فلسطين وإنقاذ القدس من أيدي الصهيونيين الغاشمين …”.
لقد كان حزب الاستقلال رافضاً دائماً أي مشروع لتقسيم أرض فلسطين وقيام دولة يهودية، وأصدر في ذلك بيانا شهيرا وقعه باسم قيادة الحزب، الراحل السي أحمد اليازيدي، ومما جاء في ذلك البيان الذي صدر على ما يتوفر لي من معلومات يوم 12 كانون الثاني (يناير) 1946: “إن الصهيونيين غير محقين في مطالبتهم بتأسيس وطن قومي في أرض فلسطين بعد أن تثبت البراهين التاريخية أن العرب يسكنون تلك الديار منذ عشرات القرون، وأن الحكم كان فيها للمسلمين منذ ثلاثة عشر قرناً بدون انقطاع، بينما لم يعمرها اليهود خلال أربعة قرون، وفي عهود متقطعة ومن دون استقرار. فمطالبهم إذاً هي محض تعد على حقوق أهل البلاد الطبيعية، ووعد بلفور الذي يؤيدها لا يرتكز على أساس شرعي أو منطقي، وليس لقرار هجرة اليهود إلى فلسطين من معنى إلا استعمارها من جديد، بل استعمارها بأفظع أنواع الاستعمار”.
هذه التوقعات وهذا التحليل الذي قامت به قيادة حزب الاستقلال في تلك الفترة، نجده مجسداً اليوم حرفياً على أرض الواقع. وزادت قيادة الحزب في توضيح موقفها والتصريح بمخاوفها على المستقبل في منطقة الشرق الأوسط، فعبرت بوضوح عن ذلك بالقول في البيان ذاته: “زد على هذا أن إنشاء دولة صهيونية في الشرق العربي في وسط الدول العربية سيكون لا محالة مصدر مشكلات وقلاقل لا نهاية لها بتلك المنطقة”.
لقد أثبتت قيادة حزب الاستقلال وعيها بالمحن التي تعرض لها اليهود، بخاصة إبان الحرب العالمية الثانية، لكنها أوضحت رفضها توظيف ذلك في الدعاية لقيام وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وفي ذلك تضمن البيان ما يأتي: “وليس هناك من ينكر أن اليهود تحملوا في السنوات الماضية نكبات شديدة وابتلوا بلاءً قاسياً، خصوصاً في أوروبا الوسطى. فالمسلمون أول من يعتقد أن اليهود جديرون اليوم بالرأفة والشفقة من بعد محنتهم، ولكنهم أيضاً أول من يرى أنه ليس من العدل أبداً أن يكون ذلك التخفيف كله على حساب فلسطين، لا سيما أن المسلمين لم يصلوا اليهود بأذى في القرون الغابرة، بل طالما آسوهم وأكرموا ضيافتهم، فينبغي إذاً أن تساهم أمم العالم كلها في تضميد جراحات اليهود وتخفيف آلامهم، كما اقترحت ذلك جامعة الدول العربية.. هذا ونحن بلسان حزب الاستقلال نؤكد القول من جديد أن الشعب المغربي الذي طالما آوى المهاجرين من اليهود، والذي عرقلت حكومته تطبيق القوانين التي سنتها حكومة فيشي أيام احتلال فرنسا، لا ينوي أي عداء لعامة اليهود، فأحرى بمن يعيشون منهم وإياهم في آن واحد، وإنما احتجاجنا موجه ضد مطامع الصهيونية بفلسطين، وآمالنا أن يجد لهذا المشكل رؤساء الدول الحليفة باتفاق مع ممثلي الشعب الفلسطيني ومع الجامعة العربية، حلاً تحفظ معه لعرب فلسطين حقوقهم المشروعة”.
إن هذه الفقرات التي فضلت نقلها حرفياً، تبرز وعي قيادة حزب الاستقلال بطبيعة النزاع على أرض فلسطين، وتبعات تأسيس الكيان الصهيوني، حيث توقعت قيادة حزب الاستقلال منذ 1946، أن ذلك سيدخل المنطقة في عدم استقرار لا ينتهي، وهو ما نحن شهود عليه على امتداد العقود الماضية وإلى اليوم، بعدما تلكأ المنتظم الدولي عن القيام بواجباته في حماية السلام وحماية الشعب الفلسطيني وحقه في ما تبقى من فلسطين التاريخية، بناءً على ما وضعته الشرعية الدولية نفسها.
annaharar.com