من يقرر الحرب؟ قراءة في رمزية لباس الملك محمد السادس ورؤية المغرب العالمية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

ذ.عبد القادر الفرساوي

 

 

 

في عالم السياسة، كل حركة تحمل رسالة، وكل اختيار يتجاوز الظاهر ليصبح رمزا يُقرأ بعين التحليل والتأمل. وعندما يتعلق الأمر بملك حكيم مثل الملك محمد السادس، الذي يجمع بين التواضع والأناقة، بين الحداثة والجذور، فإن أبسط التفاصيل تتحول إلى إشارات مشفرة تقرأها العقول قبل الأعين.

في زيارته الأخيرة إلى باريس، ظهر الملك محمد السادس مرتديا سروالا من ماركة :Who Decides War (من يقرر الحرب؟). وبينما قد يبدو الأمر للبعض مجرد اختيار عصري، إلا أن العبارة المكتوبة ليست عبثا، بل هي نافذة لفهم نهج المغرب المتوازن بين السلام والقوة.

من يقرر الحرب؟ ليست مجرد كلمات تُزين الملابس، بل هي دعوة للتأمل العميق في عالم مضطرب في من يتحمل مسؤولية اشعال الفتن أو إخمادها، في عالم حيث تُرسم القرارات المصيرية أحيانا على طاولة المفاوضات وأحيانا أخرى في ساحة المعركة. بالنسبة للمغرب، الجواب واضح: هو البلد الذي يعمل من أجل السلام بكل حزم، لكنه لا يغفل عن ضرورة الاستعداد للقوة.

المغرب ليس دولة تنادي بالسلام كشعار أجوف. إنه بلد يحمل في تاريخه الطويل إرثا من الحكمة والتعايش، ويمتلك سجلا غنيا في الوساطات الدولية، فهو نموذج فريد لدولة تسعى لبناء السلام دون أن تتنازل عن قوتها. لقد برز كمحاور رئيسي في النزاعات الإقليمية والدولية، حيث استطاع، على سبيل المثال، أن يقود مفاوضات ناجحة في الأزمة الليبية عبر حوار بوزنيقة والصخيرات، مما عزز مكانته كوسيط دولي موثوق. وعلى الصعيد الإنساني، كرس الملك دوره كرئيس للجنة القدس للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، مسهما خصوصا في الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية للمدينة.

لكن السلام لا يُبنى على الضعف و لا بالأماني وحدها،فالمغرب يدرك أن العالم لا يحترم سوى الأقوياء، وأن الدعوة للسلم يجب أن تكون مسنودة بقدرة على الدفاع عن النفس، وقدرة على فرض الاحترام. وهنا، يظهر جانب المغرب الآخر، الجانب الذي يوازن بين الحكمة والقوة. فبينما يعمل كصانع للسلام، فإنه يستثمر بذكاء في تعزيز قدراته الدفاعية والعسكرية. من خلال تطوير تكنولوجيا الطائرات المسيرة، وبناء شراكات استراتيجية مع دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا العظمى و فرنسا و دول عديدة أخرى، بات المغرب قوة إقليمية عسكرية يُحسب لها حساب ألف حساب.

على الجانب الاقتصادي، أدرك المغرب أن المستقبل يكمن في الابتكار و التنمية والاستدامة، ولهذا أطلق مشاريع طموحة في مجال الطاقة النظيفة، أبرزها الاستثمار في إنتاج الهيدروجين الأخضر. هذه الخطوة جعلت المملكة لاعبا رئيسيا في سوق الطاقة المتجددة، مما يعزز مكانتها كدولة تساهم في مكافحة تغير المناخ وتضع نفسها في طليعة الاقتصاد الأخضر العالمي.

ولأن المغرب جسر بين أوروبا وإفريقيا، لم يكتفِ بدوره التقليدي كمنفذ تجاري، بل تحول إلى قوة دفع للتنمية الإفريقية. مشاريعه الكبرى، كأنبوب الغاز مع نيجيريا، ليست فقط استثمارات اقتصادية، بل هي رؤية استراتيجية لفتح المجال الأطلسي أمام إفريقيا، مما يمنح الدول الإفريقية منفذا جديدا نحو الأسواق العالمية. كما أن مساعداته الإنسانية ودعمه اللوجستي للدول الإفريقية يعكسان التزام المغرب بقضايا القارة السمراء دون أي شروط أو أجندات خفية.

رؤية المغرب للسلام ليست رؤية الضعفاء، بل هي رؤية الأقوياء الذين يدركون أن الحوار لا ينجح إلا إذا كان مسنودا بقدرة على الحماية والدفاع. ولذا، أصبح المغرب شريكا أساسيا للدول الكبرى في مكافحة الإرهاب، حيث أظهر كفاءة أمنية جعلته مصدر ثقة عالمية.

حينما يظهر ملك كمحمد السادس مرتديا شعار “من يقرر الحرب؟”، فإنه يرسل رسالة للعالم أجمع: المغرب دولة سلام، لكنه مستعد للحرب إذا فرضت عليه. إنها دعوة

للتأمل في دور القادة والدول في صنع الحروب أو تجنبها، ورسالة تحمل في طياتها فلسفة مغربية عميقة: نحن نبني جسور الحوار، ونحميها بأسس القوة، ونمضي نحو المستقبل بثقة واستقلالية. “من يقرر الحرب؟” ليست مجرد كلمات على سروال، بل هي اختزال لرؤية أمة تقف في مفترق الطرق بين السلام والقوة، وتصنع من التوازن بينهما هوية متفردة.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...