بقلم: عزيز لعويــــسي
الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 49 للمسيرة الخضراء المظفرة، أكد أن المغرب ومنذ استرجاعه للصحراء المغربية، “رسخ واقعا ملموسا، وحقيقة لارجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية، والالتزام والمسؤولية”، ووجه في هذا الإطار، رسالة واضحة إلى الأمم المتحدة، داعيا إياها أن تتحمل مسؤوليتها، بأن “توضح الفرق الكبير، بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته”، في إشارة إلى نظام العداء الخالد بالجزائر، الذي “ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن”، من قبيل “الاستفتاء” و”تقرير المصير” …، ما يجعله يشكل عالما منفصلا عن الواقع والحقيقة؛
وإذا كان ما يتبناه هذا النظام من عقيدة عدائية تجاه المغرب ووحدته الترابية ومصالحه الاقتصادية والجيواستراتيجية، بات أمرا اعتياديا ومألوفا بالنسبة للمغاربة قاطبة، فإن غير المفهوم وغير الواضح وغير المقبول إطلاقا، أن يتبنى “بعض مغاربة الداخل”، ما يتبناه خصوم وأعداء الوحدة الترابية، من أطروحات وأوهام معادية لمصالح الوطن وقضاياه الحيوية والاستراتيجية، وهم بذلك، يخونون الوطن ويضربون الثوابت الجامعة للأمة، ومنها الوحدة الترابية، ويسعون إلى إثارة نعرات التفرقة، بدل خدمة الوحدة الوطنية، وتزكية الإجماع الوطني حول المصالح العليا والاستراتيجية للوطن، ما يجعلهم، يصطفون بقصد أو بدونه، ليس فقط، في خندق خصوم وأعداء الوطن، بل ويتحولون إلى أعداء وخونة حقيقيين للوطن، ويزكون بخرجاتهم الاندفاعية ومواقفهم غير المتبصرة التي لا تساير البتة، التوجهات الاستراتيجية للدولة، مــا يحمله خصوم الوحدة الترابية ومن يدور في فلكهم، من مؤامرات ومخططات معادية لهذا الوطن الأبي؛
الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 34 للمسيرة الخضراء، وجه البوصلة نحو من لازال يتعامل مع الوطن، بمنطق الغموض أو الخداع أو ازدواجية المواقف، بالقول” وبروح المسؤولية، نؤكد أنه لم يعد هناك مجال للغموض أو الخداع، فإما أن يكون المواطن مغربيا، أو غير مغربي. وقد انتهى وقت ازدواجية المواقف، والتملص من الواجب، ودقت ساعة الوضوح وتحمل الأمانة ، فإما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة. ولا مجال للتمتع بحقوق المواطنة، والتنكر لها، بالتآمر مع أعداء الوطن”؛
وعليه، فمن يعيش في هذا “العالم الموازي”، سواء بميلانه نحو محور العداء الخالد للمغرب ووحدته الترابيه، أو بتبني مواقف التبخيس والتيئيس، أو مهاجمة الدولة والمؤسسات، أو بالخروج من دائرة الإجماع الوطني بخصوص مصالح الأمة وقضاياها المصيرية، لابد أن يدرك أن قضية الصحراء المغربية هي قضية المغاربة الأولى، والوحدة الترابية للمملكة، لا يمكن البتة، أن تكون موضوع مساومة أو ابتزاز أو مناورة، وفي هذا الصدد، فقد نتفق حول ما يعيق نموذجنا التنمـوي، من مظاهر الفساد والعبث والأنانية والتهور، لكن لايمكن البتة أن نختلف حول “الوطن” أو نهدد وحدة التراب أو نشوش على إجماع الأمة، مهما كان الدافع أو الباعث؛
من غير المقبول إطلاقا، أن تجتهد الدبلوماسية المغربية وتبلي البلاء الحسن، في معركة صون الوحدة الترابية ونسف جدار وهم الانفصال، وأن تتفانى القوات المسلحة الملكية وكافة الأجهزة الأمنية آناء الليل وأطراف النهــار، في سبيل حماية الحدود وضمان الحق في الأمن والسكينة والطمأنينة، وفي ذات الآن، نجد “مغاربة”، يتبنون مواقف معاكسة للوطن، أجسادهم هنا داخل الوطن، وقلوبهم هناك في إيران وأدرعها المحورية، ولا يمكن إلا أن نستنكر، كل من سعى ويسعى إلى الإساءة للوطن والمساس بوحدته، والتشويش على الإجماع الوطني حول مصالح الأمة وقضاياها المصيرية، وكل من يعيق عجلة الوطن، ويحرمه من فرص النماء والبهاء، بفساده وعبثه وأنانيته و”قلة حيائه” …
بقيت الإشارة إلى أن حقوق الإنسان ليس لها معنى، والحريات ليس لها مغزى، في الحــالات التي يتم فيها المساس العلني والعمدي بحقوق الوطن، التي تعني احترام الوطن والدفاع عن وحدته وسلامته، والحرص على أمنه واستقراره وطمأنينته، والتصدي لخصومه وأعدائـه، والسعي اللامشروط لخدمة بنائه ونمائه وبهائه وإشعاعه. فبئس لحقوق الإنسان التي تحضر فيها طقوس خيانة الوطن، وبئس للحرية، ما لم تكن مرادفة لحب الوطن ووحدته واستقراره، وبئس لكل خائن، تتجمد مشاعره، لما يتم الاعتداء على الوطن أو التآمر عليه، وذات المشاعر، تتحرك ولا تتهاون في تقديم الولاء، للأعداء وخصوم الوطن؛
وفي المجمل، فسلطة القانون لابد أن تطال كل من يمس بسلامة الوطن، ويهدد الإجماع الوطني حول قضية الوحدة الترابية للمملكة، من الاندفاعيين والحربائيين والمسترزقين والأنانيين والمصلحيين والعدمييـن وعديمي المسؤوليـــة، وكل من ينتصر لمن يهددون وحدة الوطن وسلامة أراضيه، على حساب الوطن وقضاياه المصيرية، وهؤلاء لابد أن يدركوا أن من واجبات المواطنة، الدفاع عن وحدة الوطن والانتصار لقضاياه المصيرية، والالتفاف حول الثوابت الجامعة للأمة، والتفاني في خدمة الوطن بتضحية ووفاء وإخلاص ونزاهة واستقامة ونكــران للذات، وأن المســاس بحرمة الوطن أو الإساءة إليه مهما كان المبرر أو الوسيلـــة، هو جريمة في حق كل من قضى دفاعا عن هذا الوطن الأبي، وفي حق كل من يرابط في الحدود دودا عن حمى الوطن، وفي حق المغاربة قاطبــة، وتواطؤ علني مع الأعداء والخصوم، وتشويش على ما تتطلع إليه الأمة المغربية، من وحدة وأمن واستقــرار وبناء ونمــاء وإشعـاع، ومهما كان التوصيف، فلا فرق بين من يرتمي في حضن أعداء الوطن، أو يتبنى مواقف تنتصر للخصوم، أو يروج لخطاب التيـئيـس والتبخيـس، أو يختزل الوطن في الحلب والسلب والنهب والعبث …، فكلهم سواء وشركاء في الخيانة .. خيانة وطن …