إدريس عدار
تبقى حركة حماس حركة مقاومة إسلامية، تنتمي لحركة الإخوان المسلمين بشكل أو آخر، وهي تميل إلى محور المقاومة عندما تمارس الكفاح المسلح ضد “الكيان المؤقت”، وتنزاح نحو تركيا وقطر عندما تكون في سياق ممارسة السياسة، ولهذا هي اليوم موزعة بين الانتماء لمحور “الإسناد”، الذي أدى الثمن غاليا خلال معركة طوفان الأقصى وما زال، وكان الثمن مرتفعا ومن الأثمان التي أداها استشهاد السيد حسن نصر الله، وبين الولاء لمحور “سوريا الجديدة”، المكون من تركيا وقطر وحركة الجولاني وحركة حماس، أي عندما تنتهي المعركة يصبح كل الميل نحو المحور الجديد.
وكانت حماس قالت في بيان لها “تبارك حركة حماس للشعب السوري الشقيق نجاحه في تحقيق تطلعاته نحو الحرية والعدالة، وندعو كل مكونات الشعب السوري إلى توحيد الصفوف، ومزيد من التلاحم الوطني”. وقال خالد مشعل، أبرز قيادي في الحركة، في لقاء مع “التلفزيون العربي”، “نبارك للشعب السوري العظيم نجاحه في ثورته ضد الاستبداد والظلم، وهو جدير بهذا الإنجاز الكبير في ظل ما أظهره من عزيمة وتضحية وصبر وإصرار عجيب على تحقيق تطلعاته في الحرية والعدالة والحياة الكريمة”.
وأضاف، في الحوار ذاته، “نؤكد أن شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج وخاصة اللاجئين في مخيمات سوريا العزيزة، كانوا وما زالوا مع الشعب السوري وقضيته العادلة، ويقدرون أن سوريا وشعبها وقفوا على الدوام مع شعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة”. وأكد في الحوار أيضا “نبارك للشعب السوري نجاحه في ثورته ضد الاستبداد والظلم. تحرر سوريا مبشر لنا بتحرير غزة والقدس وكل فلسطين”.
ولا نعرف لحد الآن كيف يمكن الربط بين “الثورة السورية” وبشائر “تحرير كل فلسطين”؟
كل ما نعرفه أن أبو محمد الجولاني، قائد سوريا الجديدة، أعلن أنه ليس في وارد الحرب مع أحد، بل قال ما لم يستطع قوله غيره، هو أنه جنب المنطقة حربا إقليمية، تكون فيها إيران والعراق وسوريا وربما تركيا من جهة وإسرائيل وأمريكا والغرب من جهة أخرى، وإذا كانت إيران خسرت نفوذها في سوريا بمعنى الرابح هو إسرائيل، أي أن هذا التجنيب ليس سوى لصالح “إسرائيل”.
ونحن نرى اليوم أنه بعد سقوط “سوريا الأسد” ابتلعت “إسرائيل” حوالي 500 كيلومتر من الأراضي السورية، ودمرت كل السلاح الذي كان يمتلكه الجيش العربي السوري، على مرأى ومسمع من القيادة الجديدة بدمشق. ولسنا ممن يطلب من حكم جديد أكثر مما يلزم ولكن على الأقل ألا يكونوا في كل ملف بأقل من الحكم السابق. كانت سوريا تتعامل مع الكيان في إطار وقف إطلاق النار الموقع سنة 1974، وحتى لو تنصلت منه كان على الجولاني أن يخرج ببيان فقط، يقول فيه إن الجولان أرض سورية وأن ما احتلته بعد الثامن من دجنبر ينبغي أن تنسحب منه. لكن للأسف الشديد لم يصدر أي بيان.
والأدهى والأمر أن وزير داخلية حكومة الأمر الواقع قال إن “إسرائيل” انسحبت إلى ما وراء خط اتفاق وقف إطلاق النار، ولم يكذبه الإسرائيلي حتى دخل مدينة البعث بمحافظة القنيطرة وطرد الموظفين الحكوميين. ووزير خارجية الجولاني يقول إن مشكلتهم مع إيران وليست مع إسرائيل.
وقال عبد الجليل الغفوري، رئيس شرطة القنيطرة السورية، إن حجة إسرائيل في التوغل هي السلاح المنتشر بين الأهالي وقد بدؤوا في جمعه وإرساله إلى دمشق حتى لا يبقى لإسرائيل حجة. وقال محافظ القنيطرة إن “إسرائيل” تتوغل قليلا وتقصف قليلا.
نريد فقط بيانا أو حديثا يتكلمون فيه عن فلسطين وعن المقاومة، حتى يمكن أن نستنتج شيئا مما قاله خالد مشعل، الذي لم يجرؤ لحد الساعة على زيارة دمشق، ليعيد فتح مكتبه هناك، لكن مع الأسف الإدارة الجديدة أغلقت معسكرات المقاومة الفلسطينية.
لقد تساءلنا منذ اليوم الأول عن دور “الإخوان المسلمين” في معركة طوفان الأقصى، ولم يكن هناك أي جواب بقدر ما تم خلق الضجيج حول دور جبهة الإسناد، وأول من صدر منه عبارة مناوشات بين الكيان وحزب.الله هو خالد مشعل. وتبعه الآخرون، الذي أطلقوا عليها المسرحية.
لكن لم يطالبوا أردوغان، الرئيس التركي والزعيم الإخواني الأكبر، بقطع العلاقات مع الكيان المؤقت واستمرت العلاقات، بل استمرت العلاقات التجارية، التي شكلت متنفسا له من الحصار الذي ضربه عليه اليمنيون بعد أن أغلقوا باب المندب.
في الأردن عندما قاما مواطنان بعملية بغور الأردن أصدرت الجماعة بيانا تقول فيه إن زمن مواجهة الصهاينة لم يحن بعد.
وعندما قرر اليمن المرور إلى مرحلة الكثافة النارية خرجت جماعة الإخوان بهذا البلد لتطالب باستعادة الدولة من الجوثيين. لو صبرت قليلا حتى تنتهي الحرب لكان الأمر فيه نظر.
وفي هذا الصدد طالب حزب الإصلاح اليمني (الإخوان المسملون) بتدخل التحالف العربي، وبالطبع من يقف وراءه، أي امريكا، لإنهاء ما اسماه بالانقلاب الحوثي، وذلك في الوقت الذي عرفت جبهة الإسناد اليمنية لغزة كثافة نارية في الأيام الثلاثة الماضية، وجاء هذا التحرك بذرائع كثيرة.
وكانت هيئة الشورى المحلية في التجمع اليمني للإصلاح، بمحافظة الحديدة، دعت “قيادة السلطة المحلية وكافة المكونات التهامية المدنية والعسكرية والقوى السياسية، إلى تعزيز التلاحم ووحدة الصف، للمضي في تحرير الحديدة من براثن مليشيات الحوثي الإرهابية”، بتعبيرها.
وعقد اجتماعها الدوري تحت شعار “دورة تحرير الحديدة”، وجاء بيان الإخوان مليئا بالتشنيعات التي يعرف المطلعون أنها محاولة لجلب التدخل الأجنبي.
ووصف بيان الحزب الإسلامي معركة إسناد غزة بالحروب العبثية ضد اليمن، زاعمة أن الأنصار زجوا بالأطفال في هذه المعارك، وهي كما نعلم تتم بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة.
هذا الأمر حذر منه القائد اليمني عبد الملك الحوثي حيث قال في وقت سابق إنهم سيحركون أذنابهم في الداخل من أجل إشغال القوات اليمنية عن معركة الإسناد والسيادة، وبهذا يكون الإخوان المسلمون يخوضون حرب إسناد “إسرائيل”.
وبينما كانت جبهة إسناد غزة مشتعلة من كل جانب، كانت جماعة الإخوان المسلمين تتآمر مع الجماعات الإرهابية المتحورة لإسقاط سوريا، وقد نطق أحمد منصور، الإعلامي الإخواني الذي يتقن التمثيل، بهذه الحقيقة دون وعي منه، عندما وصف الجولاني بالقائد الملهم والذكي الذي استغل الفرص، ومنها فرصة إنهاك محور المقاو.مة في الحرب ضد “إسرائيل” للانقضاض على دمشق.
الحقيقة أكبر مما نطق به الإعلامي الإخواني، ولكن معسكر سوريا الجديدة بزعامة تركيا الإخوانية وبتدبير أمريكي هي من خططت للأمر وأن اللعبة هي لعبة الأمم وأكبر من أداة وظيفية صغيرة، لكن في مغزاها أن انشغال جبهة الإسناد بمساندة غزة تم استغلاله من قبل الإخوان المسلمين لتحقيق مآربهم في سوريا.





