فؤاد هراجة
كاتب وباحث في الفلسفة السياسية والأخلاق
منذ نجاحه بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعودته إلى البيت الأبيض، ظهرت على الرئيس ترامپ علامات الإسهال السياسي، حيث لم تعد وسائل الإعلام قادرة على مسايرة مواقفه المعلنة والتمييز بين المهم والأهم، وبين الأساس واللغو فيها. لقد أضحى إقباله المتسارع والمطرد على الوقوف أمام الكاميرات وقذف ما يعلق في رأسه من أفكار متغطرسة وعنصرية بمثابة ذلك المصاب بداء الإسهال الذي يسارع إلى بيت الخلاء للتخلص من أوجاع بطنه وآلامها. إن مواقف الرئيس الأمريكي ترامپ اليوم تجاه الصين وروسيا وكندا والمكسيك وپانما والدانماك وتوقيعه على قراري الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة الأونوروا، ودعوته مصر والأردن لتخصيص جزء من أراضيها لتهجير الفلس.طينيين، وعزمه اجتياح غزة عسكريا والاستيلاء عليها، وإنتحال مِلْكِيتِها، ومنح نفسه حق التصرف فيها، وتحويلها إلى منتجع سياحي مفتوح في وجه أثرياء العالم بعد إجلاء أهلها منها، ثم إعلان الضفة الغربية أرضا إسرا.ئيلية لتحقيق حلم الدولة اليهودية الخالصة وعاصمتها القدس، كل هذه المواقف التي يقذف بها ترامپ هنا وهناك أمام وسائل الإعلام شبيهة بأصوات الضُّرَاطِ وروائح الفساء الكريهة المنبعثة من بقايا خلاياه العقلية المسوسة، والناجمة عن تحلل أفكاره النتنة، وشبيهة أيضا بمحاولة تلطيخ العالم بنجاسات أفكاره ومواقفه السياسية والاقتصادية والعسكرية، تماما كما يلطخ المصاب بداء الإسهال بيت الخلاء الذي يقضي فيه حاجته. والفرق هنا أن المصاب بداء الإسهال الطبيعي نجاسته محدودة في مربع قضاء الحاجة، أما المصاب بداء الإسهال السياسي فنجاسته متعدية إلى غيره بل إلى العالم كله خاصة إذا كان المصاب بهذا الإسهال السياسي الحاد رئيس أكبر دولة في العالم!
والأسئلة التي تواجهنا اليوم، هل أصبح الرئيس ترامپ يتصور كل العالم على أنه مجرد بيت خلاء يقضي فيه حاجاته السياسية، وأن الدول في ذهنه أضحت مجرد مجاري صحية لاستقبال نجاسات إسهاله الحاد؟ وهل يقبل العالم عموما والأمة العربية والإسلامية خصوصا أن تتحول إلى مرحاض لنجاسات أفكار هذا المصاب بداء الإسهال السياسي؛ إسهال في الإستكبار والاستفراد بالقرارات، وإسهال في استباحة سيادة الدول والتَّأَمُّر على رؤسائها، وإسهال في استباحة خزائن الدول المالية، وإسهال في فرض العقوبات، وإسهال في التهديد بالحرب والعنف… .
ضُراطٌ صدع الآذان وهز الأمن والاستقرار، وفُسَاءٌ أزكم الأنوف ولوث المناخ السياسي العالمي، وإِسْهَالٌ سيلطخ بنجاساته كل العالم، إن لم يتحرك كل أحرار العالم داخل أمريكا وخارجها إلى وضع حفاظات لهذا الرئيس المصاب بالإسهال السياسي، والرد عليه بمواقف قوية تكون بمثابة أقراص تداوي حالته على الفور لا على التراخي، وإلا فإن كل صمت أو لامبالاة تجاه حالة الإسهال هذه، سيتحول العالم حتما إلى مرحاض لنجاسات اليمين المتطرف، وسيعيش العالم حالة من النازية والفاشية الجديدة تحت قيادة ترامپ وسيكون مسرحها الأول الشرق الأوسط بمفهومه العسكري الاستراتيجي الذي يمتد من الجنوب الغربي لآسيا حتى شمال إفريقيا.
إن ما تصريح به الإدارة الأمريكية الحالية في شخص الرئيس ترامپ ليس مجرد تداعي للأفكار، بل هو مشروع مخطط له من سنين كان ينتظر المناخ السياسي العالمي المناسب، والرئيس التنفيذي المناسب، والإدارة المناسبة، وها هي في نظر البيت الأبيض قد اجتمعت وآن الآوان أن تعيش الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الكيان الصهيوني عصرهما الذهبي!
لكن رغم كل تداعيات هذا الإسهال السياسي الحاد والشديد الذي يعاني منه ترامپ، والذي يهدد العالم بنجاساته، فإننا نستبشر خيرا كثيرا وراء هذا المرض، لأنه سَيُسَرِّعُ بإخراج كل ما في باطن الإدارة الأمريكية من مخططات ومشاريع خفية، كما سيساعد على إظهار حقيقة وجه ما كانت تخفيه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ناهيك أن هذا الإسهال السياسي سيعجل هذه المرة بالدخول المباشر للجيش الأمريكي إلى الأراضي الفلس.طينية، ما يعني أن مقاومته وهزيمته بإذن الله تعالى، ستكون فاتحة تحرير لكل فلسطين من النهر إلى البحر بعد قطع أمتن حبل كان يتشبت به الكيان الصهيو.ني ويستنجد به؛ إن هذا الإسهال السياسي جعل ساعة الحسم تقترب، ونقل المعركة إلى درجة الصراع الصفري الذي لا يسمح ببقاء المحتل إلى جانب صاحب الأرض كما كان الحال منذ 1948.
ولأننا في لحظة تاريخية حاسمة وفارقة، فإن كل القوى السياسية والاجتماعية المساندة للقضية الفلس.طينية عليها أن تعي دورها القادم على أنه لا ينحصر فقط في التظاهر والتتديد وإصدار البيانات، بل في العمل الجاد الذي يرمي إلى تقويض كل أنظمة الاستبداد التي يراهن عليها الرئيس ترامپ في تعميم نجاسات إسهاله السياسي، ونشر أفكاره العنصرة ومخططاته التوسعية. إن العدو الاستراتيجي للأمة يساعدنا اليوم على فهم طبيعة المعركة، ويدفعنا دفعا إلى تعديل أهدافنا، ويضخ فينا من حيث لا يحتسب الجرأة على مواجهته والتصدي لمخططاته، في صراع وجودي لا يقبل القسمة في فلس.طين.
فكما نقول تبا لترامپ، وتبا لإسهالهوالسياسي، فإننا بالموازاة نشكره جزيل الشكر على تقريبه موعد الحسم وتقريبه موعد التحرير الذي طالما كنا تنتظره لكننا كنا نجهل متى سيكون وكيف سيكون، حتى أخرج رائحته وأظهر حقيقته إسهال ترامپ السياسي.
في الختام، نذَكِّرُ ترامپ والكيان الصهيو.ني معه بالمثل المغربي أنه إذا بدأت المعركة الكبرى أي معركة الحسم فإن “إسْهَالَكْ ما يْجْمْعُوهْ شْرَاوْطْ. وأن تهديداتك وتلويحاتك لا تخيفنا بل تزيدنا يقظة باقتراب موعد المواجهة، وتذكرنا بأبرهة الأشرم الذي جاء من إمبراطورية الحبشة ليهدم الكعبة المشرفة فأمطرته طيرُ الأبابيل بحجارة من سِجِّيل، فكن مطمئنا أيها المريض ترامپ لن نقول لك “إن للمسجد الأقصى رب يحميه” بل سنكون نحن الطير الأباييل التي سيبعثها الله سبحانه وستوقظها حمية الإسلام للدفاع عن مقدساتها ووجودها وأعراض المسلمين وكل المستضعفين في الأرض، وهو ما تشير اليه الآيات الكريمة من سورة الإسراء:
«وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا».
لا أدري هل من حسن حظنا أم من سوء حظنا أن ثقافة الرئيس ترامپ في التاريخ هزيلة بل تكاد تكون معدومة حتى يعلم أن كبريات الإمبراطوريات في العالم وعبر التاريخ عرفت نهايتها على أرض فلسطين وفي جنوبها، فهل ستكون الولايات المتحدة الأمريكية المحطة القادمة؟





