القضية الفلسطينية : صراع مستمر وحلول واقعية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

أمية يوسف حسن أبو فداية
باحث استراتيجي في شؤون القرن الإفريقي

 

 

تُعد القضية الفلسطينية واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في التاريخ الحديث، إذ ظلت هذه الأرض مسرحًا للحروب والصراعات منذ الحملات الصليبية التي قادها الأوروبيون بين عامي 1096 و 1291 على المنطقة والعربية والإسلامية.
وفي العصر الحديث، اندلعت عدة حروب حول فلسطين، أبرزها حرب 1948، وذلك عقب قرار التقسيم في 1947 و إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، ثم حرب 1967 التي أسفرت عن احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. واليوم، لا يبدو أن “طوفان الأقصى” سيكون آخر الحروب.

خلفيات الصراع: جذور التقسيم والاحتلال
جاءت سياسات القوى الاستعمارية لتقسيم المنطقة العربية بما يخدم مصالحها، حيث تم توقيع اتفاقية “سايكس بيكو” في 16 مايو 1916، والتي رسمت حدود الدول العربية بطريقة تخدم النفوذ الاستعماري.. وفي عام 1917، صدر “وعد بلفور” الذي تعهدت فيه بريطانيا بدعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ثم جاء قرار تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947، حين كانت معظم الدول العربية تحت الاستعمار المباشر أو خاضعة للوصاية، مما أسهم في تسهيل تنفيذ المخططات الصهيونية.

استراتيجية التقسيم المستمر: ضرب استقرار المنطقة
لم يحقق الكيان الصهيوني الاستقرار حتى اليوم، ولذلك استمرت محاولات إعادة هندسة المنطقة عبر “تقسيم المُقسَّم وتجزئة المُجزَّأ”. بدأ ذلك باحتلال العراق عام 2003 وتقسيمه طائفيًا وإثنيًا، ثم تقسيم السودان عام 2011، وإثارة النزعات الدينية والمذهبية والإثنية في دول أخرى، بهدف إبقائها منشغلة بصراعات داخلية ولو لسنوات فقط .
السودان نموذجًا: مخاطر التفتيت ودور المقاومة
الحرب التي اندلعت في السودان في 15 أبريل 2023 تُعد مثالًا واضحًا على هذه المخططات، حيث حاولت مجموعة إثنية متطرفة على السلطة بإنقلاب عسكرى كان ناجح 100% بكل المقاييس الإستراتيجية والعسكرية.. إلا أن هذا السيناريو الأسود لم ينجح بفضل عدة عوامل:
1. بسالة القوات المسلحة السودانية والأجهزة النظامية في التصدي لهذه المحاولات.
2. الالتفاف الشعبي غير المسبوق، حيث أدرك السودانيون خطورة المشروع الذي يُراد فرضه عليهم.
3. الدعم الإقليمي والدولي الداعم للدولة السودانية ومؤسساتها من دول مثل مصر وروسيا وتركيا وقطر وإيران وإريتريا، التي قدمت مساندة واضحة للسودان خلال هذه المحنة العصيبة .

السلام الموهوم ومعاقبة المطبّعين
رغم توقيع بعض الدول العربية اتفاقيات سلام منفردة مع الكيان الصهيوني، ثم المبادرة العربية للسلام التي تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002 بالإجماع، لم يحقق الفلسطينيون ولا العرب أي مكاسب حقيقية.. على العكس، فهمت إسرائيل هذه الاتفاقيات على أنها دليل ضعف، بل إن الولايات المتحدة بدأت مؤخرًا بمعاقبة الدول التي طبّعت معها، مثل مصر والأردن، من خلال اقتراحات بترحيل الفلسطينيين إليهما.
حلول مقترحة لمواجهة المخططات الصهيونية
في ظل هذه التحديات، لابد من البحث عن حلول عملية وفعالة، ومن أبرزها:
1. إنشاء تكتل عربي-إسلامي يضم الدول الكبرى مثل مصر، تركيا، إيران، باكستان، ماليزيا، نيجيريا، الجزائر، السعودية، إندونيسيا، وقطر، مع إصدار “إعلان القاهرة الأول” لحل القضية الفلسطينية.
2. التهديد بإلغاء اتفاقيات السلام المنفردة إذا استمرت إسرائيل في عدوانها على الفلسطينيين.
3. تفعيل المؤسسات المناهضة للتطبيع، خاصة الشعبية والإعلامية، لنشر الوعي بالمخاطر التي تهدد الأمن القومي العربي.
4. إعادة إعمار غزة بشكل عاجل، وفتح معبر رفح بصورة كاملة ومستمرة لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.
5. إدانة الحرب في السودان وتصنيف الميليشيا التي أشعلتها كحركة إرهابية.
6. تنظيم مؤتمر عربى ـ إسلامى لإعادة إعمار السودان، بحيث يتم تقديم الدعم اللازم لاستعادة الاستقرار والتنمية.

أخطر سيناريوهات نجاح تقسيم الدول العربية وتهجير الفلسطينيين:
١. إدخال المنطقة في صراعات اثنية ومذهبية ربما تؤدي الي حروب داخلية أو دعوات انفصال .
٢. زيادة شعبيه الأحزاب والجماعات المتطرفة العابره للحدود
٣. زيادة الهجرة غير الشرعية الي الغرب .

ختامًا
إن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع حدودي، بل هي قضية تحرر وكرامة تمتد آثارها إلى كل دول المنطقة.
ولن يكون هناك سلام عادل ودائم دون معالجة جذور المشكلة، ومواجهة المشاريع الاستعمارية التي تسعى لتقسيم المنطقة وإضعافها.
إن إعادة إحياء العمل العربي والإسلامي المشترك بات ضرورة ملحة لمواجهة التحديات، وحماية الحقوق التاريخية والمصالح الاستراتيجية لشعوب المنطقة.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...