عبد القادر الفرساوي
في تصعيد جديد للصراع المسلح في إقليم بلوشستان الباكستاني، استهدف مسلحون انفصاليون قطارا يقل مئات الركاب، مما أسفر عن إصابة سائقه. وقع الهجوم يوم الثلاثاء عندما كان قطار جعفر إكسبرس السريع في طريقه من كويتا إلى بيشاور، وعلى متنه قرابة 450 مسافر. تبنت جماعة جيش تحرير بلوشستان، وهي واحدة من أبرز الحركات الانفصالية المسلحة في المنطقة، مسؤولية الهجوم، مشيرة إلى أنها احتجزت عددًا من الركاب، بينهم أفراد من قوات الأمن. لكن السلطات المحلية وإدارة السكك الحديدية لم تؤكد هذه الادعاءات رسميا، في حين هرعت قوات الأمن إلى مكان الحادث في منطقة بولان لاحتواء الموقف.
صرّح شهيد ريند، المتحدث باسم حكومة الإقليم، بأن السلطات فرضت إجراءات طوارئ وحشدت جميع المؤسسات المعنية لمواجهة التهديد. يأتي هذا الهجوم في سياق استمرار التمرد المسلح الذي يشهده بلوشستان منذ عقود، حيث شنت الجماعات الانفصالية هجمات متكررة استهدفت الحكومة والمصالح الاقتصادية، خاصة تلك المرتبطة بالصين، في محاولة للضغط من أجل تحقيق مطالب تتعلق بتوزيع أكثر عدالة للموارد الطبيعية الغنية في المنطقة.
يُعتبر جيش تحرير بلوشستان من أكبر التنظيمات المسلحة التي تخوض مواجهة طويلة مع الحكومة الباكستانية، إذ تطالب الجماعة باستقلال الإقليم، متهمة الدولة باستغلال ثرواته الطبيعية دون منح السكان المحليين نصيبا عادلا منها. وتستخدم الجماعة تكتيكات الكرّ والفرّ، مستهدفة القوات الأمنية ومشاريع البنية التحتية والسكك الحديدية، في محاولة لإرسال رسائل قوية للحكومة المركزية. تاريخيا، ظل إقليم بلوشستان بؤرة توتر بين السلطات الباكستانية والحركات الانفصالية، نظرا لما يتمتع به من موارد غنية بالغاز والمعادن، ما جعله محط اهتمام استراتيجي، سواء من قبل الحكومة أو المستثمرين الأجانب، خصوصا الصين التي تنفذ مشروعات كبرى ضمن مبادرة الحزام والطريق في المنطقة.
يشكل هذا الهجوم تصعيدا خطيرا في العمليات المسلحة داخل الإقليم، مما يثير تساؤلات حول قدرة الحكومة الباكستانية على تأمين خطوط النقل والمشاريع الاقتصادية الحيوية. ومع تزايد الهجمات التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، قد تجد إسلام آباد نفسها مضطرة إلى تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات بين القوات الأمنية والجماعات المسلحة. كما أن استمرار هذه الأعمال العدائية قد يؤثر على العلاقات الباكستانية الصينية، خصوصا أن بكين تعد من المستثمرين الرئيسيين في بلوشستان، وتسعى إلى تأمين مصالحها من خلال مشاريع مثل ميناء جوادر. ومع ذلك، فإن عدم حل جذور الصراع المتعلق بالحقوق الاقتصادية والسياسية للسكان البلوش قد يبقي الإقليم في دوامة العنف لعقود قادمة.
الهجوم على قطار جعفر إكسبرس يكشف عن هشاشة الوضع الأمني في بلوشستان، حيث تصاعدت الهجمات الانفصالية في السنوات الأخيرة، مما يضع الحكومة الباكستانية أمام تحديات معقدة. وبينما تواصل الجماعات المسلحة مطالبها بالاستقلال وتوزيع أكثر إنصافًا للثروات، يبقى التساؤل الأكبر: هل ستتمكن باكستان من احتواء هذه الأزمة أم أن الإقليم سيظل
ساحة مفتوحة للصراعات المسلحة؟.