عبد القادر الفرساوي
يبدو أن دونالد ترامب قرر إعادة كتابة قوانين السفر الدولي بطريقته الخاصة، واضعا أمام أعيننا مشهدا أقرب إلى نظام “الطبقات” في عالم الطيران، لكن هذه المرة ليس بين الدرجة الاقتصادية ودرجة رجال الأعمال، بل بين دول تستحق دخول “جنة العم سام” وأخرى يُفضل أن تبقى خارج الأسوار.
في خطوة تعيد للأذهان مواقفه الأولى حين قرر منع مواطني دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة، ها هو اليوم يُعد قوائم جديدة، هذه المرة تشمل 43 دولة، تتصدرها كوبا وفنزويلا وإيران وكوريا الشمالية. أما البقية، فربما عليهم انتظار “قائمة المستقبل”، حيث يتم تصنيف دول العالم كما تُصنَّف المطاعم وفق نجوم ميشلين، فمن حصل على تقييم منخفض، فعليه أن ينسى فكرة التوجه نحو أمريكا!
قد يقول البعض:أين الديمقراطية؟ أين بنود الأمم المتحدة؟ و قد يتساءل آخر : ألا تتعارض هذه القرارات مع مبادئ الحرية وحقوق الإنسان التي تتغنى بها أمريكا ليل نهار؟ أين المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تضمن حرية التنقل والسفر؟ يبدو أن هذه البنود كُتبت بحبر غير مرئي، يظهر فقط عند الحاجة لتبرير تدخلات واشنطن في شؤون الدول الأخرى، لكنه يتلاشى عندما يكون الأمر متعلقا بقراراتها الداخلية.
هنا يأتي السؤال الأكثر إثارة: هل ستحذو أوروبا حذو أمريكا؟ هل ستلتحق أوروبا بركب “ديمقراطية المنع”؟ أم أنها ستكتفي بالتنديد العلني بينما تحضر قوائمها الخاصة خلف الأبواب المغلقة؟ إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي قد ترددت في الماضي بشأن تبني سياسات ترامب، فربما هذه المرة تجد فيها مبررًا جاهزًا لمواصلة إغلاق حدودها بوجه القادمين من الجنوب.
في هذه الظروف، ربما يجد مواطنو الدول الممنوعة أنفسهم يرددون المثل العربي: “اللهم قطران بلادك ولا عسل بلاد الناس”. فما جدوى السفر إلى بلاد لم يعد العسل فيها متاحا للجميع؟ قد تكون الظروف الاقتصادية صعبة في أوطانهم، لكن على الأقل، لن يتم تصنيفهم على قوائم المنع ولن يُنظر إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
لقد تحولت الولايات المتحدة من “أرض الأحلام” إلى “نادي النخبة”، حيث لم يعد يكفي أن تمتلك تأشيرة، بل عليك أن تنتمي إلى بلد مُصنف في “القائمة البيضاء”، وإلا فستظل عالقا خارج الأسوار، تراقب من بعيد أولئك الذين حصلوا على تصريح الدخول، فقط لأن جوازات سفرهم جاءت من دول “مرضيّ عنها”.
وهكذا، بين قوائم الحظر وقوائم الاستثناء، يبدو أن العالم يتحول شيئا فشيئا إلى ساحة مغلقة، حيث لم يعد السفر مجرد تجربة استكشافية، بل امتيازا محصورا في يد قلة قليلة، بينما يُترك البقية ليواجهوا خيارا صعبا: البقاء في بلدانهم رغم كل التحديات، أو البحث عن طرق أخرى لا تتطلب موافقة واشنطن.