مسجد محمد السادس في طورينو: شعلة العلم والدعوة في رمضان
عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم بايطاليا
في قلب مدينة طورينو الإيطالية، حيث اجتمع المغاربة والمهاجرون المسلمون من مختلف الجنسيات بحثا عن حياة جديدة، يظل مسجد محمد السادس منارة مضيئة تجمع القلوب على العلم والإيمان. ليس مجرد مكان للصلاة، بل هو مركز روحي وثقافي واجتماعي يمد جسور التواصل بين أفراد الجالية ويؤدي دورا حيويا في حفظ الهوية الإسلامية وتعزيز قيم الدين الحنيف.
مع حلول شهر رمضان المبارك، يتحول المسجد إلى خلية نحل تعج بالحركة والنشاط، حيث تنطلق الدروس والمواعظ التي يقدمها نخبة من العلماء والدعاة الذين يُستَقدَمون خصيصا لنقل المعرفة الدينية وتصحيح المفاهيم وتعزيز الروابط الروحية بين المسلمين. المحاضرات والندوات تتناول مواضيع متنوعة، من فقه الصيام وأحكامه إلى القيم الإسلامية في المجتمع الغربي، مرورا بمسائل الأسرة والتربية والتحديات التي يواجهها المسلم في المهجر.

البرامج التي يحتضنها المسجد لا تقتصر على الدروس التقليدية، بل تشمل أيضا دورات مكثفة في تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم، حيث يحرص أولياء الأمور على تسجيل أبنائهم لضمان ارتباطهم بلغتهم الأم وتراثهم الثقافي والديني. الصغار الذين يتوافدون إلى المسجد خلال أيام الأسبوع لا يتعلمون فقط قواعد التجويد والنحو، بل يجدون في أروقة المسجد دفئا يعوضهم عن بعدهم عن وطنهم الأم، وبيئة تعليمية تربوية تبني شخصياتهم وتعزز انتماءهم.
أما في فترة الإفطار، فإن المسجد يفتح أبوابه للجميع، حيث تُجهَّز موائد عامرة بروح الكرم المغربي، تجمع الصائمين من مختلف الخلفيات، في مشهد يعكس التلاحم والتآخي بين أبناء الجالية الإسلامية. فالمائدة الرمضانية هنا ليست مجرد وجبة، بل هي لقاء يجمع الأصدقاء والجيران ويعيد إلى النفوس شعور الأسرة الواحدة رغم الغربة.

وفي حديث خصّنا به السيد عبد الغني الغلمي رئيس مسجد محمد السادس، أوضح أن عدد الذين يفِدون إلى الإفطار الجماعي يوميا يتراوح بين 120و180 شخصا، أغلبهم من الطلبة الجامعيين والعاطلين عن العمل ومهاجرين من مختلف الجنسيات وابناء الجالية المغربية والعربية، مبرزا أن كثيرا منهم يأخذون معهم ما يكفيهم لسحورهم، في لفتة تعكس جوهر التكافل في هذا الشهر الفضيل. ولم يخفِ الرئيس امتنانه العميق للمحسنين الذين يدعمون هذه المبادرة بسخاء، كما أثنى على الشباب الذين يسهرون على تنظيم الموائد وخدمة الحاضرين، وعلى النساء الكريمات اللواتي يعددن بأيديهن ألوانا من الطعام، رغم أن الأمر ليس هينا، لكنه يُنجز بروح من المحبة والعطاء والإيمان.

إلى جانب النشاطات الدينية والتعليمية، يمد مسجد محمد السادس يده للتعاون مع المجتمع الإيطالي، حيث يقيم علاقات متينة مع المؤسسات المحلية والجمعيات المدنية، ويشارك في الفعاليات المشتركة التي تهدف إلى تعزيز التفاهم بين الثقافات والأديان. اللقاءات مع ممثلي الكنائس والبلديات تُعد فرصة لإبراز الصورة الحقيقية للإسلام كدين يدعو إلى السلام والتعايش،ويسهم في خلق أجواء من الاحترام المتبادل بين مختلف مكونات المجتمع الإيطالي.
هذا المسجد ليس مجرد مبنى، بل هو روح نابضة بالحياة، ومنصة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، حيث يجد المسلمون في طورينو ملاذا روحانيا يقيهم برد الغربة، ومنارة ترشدهم في طريقهم للحفاظ على هويتهم وإيمانهم وسط مجتمع متعدد الثقافات. في رمضان، يكتسي المسجد حلةً أكثر نورا، حيث يصبح البيت الثاني لكل من يبحث عن العلم، والتآخي، والتقرب إلى الله.
في هذا السياق، يحرص القائمون على مسجد محمد السادس بطورينو على تقديم برامج تعليمية ودينية تهدف إلى توعية الجالية المسلمة وتعزيز هويتها الدينية، ليس فقط في شهر رمضان المبارك بل طيلة السنة.





