وسط دمار غزة: أبو سمير الساخر من الجميع

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

محمد كريشان

 

 

يقف وحيدا وسط دمار غزة، أو ظهره إلى حائط متداع، لكنه يفتك منك الضحكة رغم كل شيء.
نجح الممرض الفلسطيني سامر العامودي المعروف باسم «أبو سمير» في أن يحوّل مأساة غزة الحالية، منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى مادة ساخرة فتضحك وإن كان أحيانا ضحكا كالبكاء.
«يوميات أبو سمير» مقاطع فيديو قصيرة خفيفة الظل ينشرها صاحبها على مواقع التواصل حتى صار صاحبها أشبه بالمعلّق السياسي الوحيد الذي يؤرخ ساخرا، بلكنته الفلسطينية المتميّزة الجميلة، وبطريقته الخاصة، لمأساة غزة المستمرة.
قبل حرب الإبادة الحالية كان «أبو سمير» ينشر مقاطع فيديو أسبوعية تتناول قضايا اجتماعية مختلفة، لكن هذا الغزاوي الثلاثيني انتقل منذ زهاء العامين إلى الشأن السياسي، ليحوّل بأسلوبه الفريد المرارة إلى ضحكة. إنه «يعمل من الفسيخ شربات» كما يقول المثل المصري الشعبي عن من ينجح في استخراج شراب حلو من سمك متعفن!!

حين تحدث «أبو سمير» الممرض في قسم تصفية الدم لأمراض الكلى قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة إلى موقع «الجزيرة نت» وصف نفسه بأنه «ممرض وليس مهرّجا»، معتبرا أن «الهموم والمشكلات تعصف بالغزيين، وهم بحاجة إلى من يخفّف عنهم، ولو بالضحكة والابتسامة»، لم يكن يتصوّر بالتأكيد أن هذه الهموم أصبحت حربا لم تبق ولم تذر، لكنه ظل مع ذلك ساخرا من كل شيء.
كان يسخر من القصف الإسرائيلي والموت الذي يخلّفه، بل وحتى من الخوف الرهيب الذي يسبّبه حتى أن البنطالين الوحيدين اللذين ارتداهما خلال هذه الحرب الوحشية بلون بنّي، ستر وغطاء، على ما قال!!.
كان يسخر من الجوع إلى درجة أنه في مرة أمسك عصفورا وبات يخطط كيف يعدّ منه وليمة كاملة، بعد أن غاب الطحين واللحم والحليب والخضار والفواكه، لكنه يقرّر في النهاية إطلاق سبيله لوجه الله.
كان يسخر من نتنياهو وزوجته مع تلميحات «خبيثة» عن مرض «البروستات» الذي يعانيه وعن سيطرة سارة على الكثير من مقاليد الأمور والقرارات التي تجعل من مجرم الحرب الملاحق دوليا مسلوب الإرادة أمام هذه السيدة المتسلطة.
كان يسخر من الخسائر العسكرية الإسرائيلية وكيف استطاعت المقاومة في القطاع أن توقع، بعمليات بطولية مشهودة، العديد من الجنود قتلى سواء في عمليات قنص أو تفجير لآليات ودبابات.
كان يسخر حتى من جنازات هؤلاء الجنود ونحيب أهاليهم لأنهم ما كانوا ليسقطوا في هذه الحرب لولا انجرارهم لحرب عدوانية على غزّاويين لا يقبلون بالمذلّة أو الهزيمة.
كان يسخر من الرئيس الأمريكي «أبو الشعر الكمّوني»، كما يطلق عليه، خاصة في شطحاته حول ما يخطط له من مشاريع خيالية تتعلّق بقطاع غزة وكأنها أرض بلا شعب يمكن أن يحوّلها إلى مشروع عقاري ضخم.
كان يسخر من القادة الذين التقوا بترامب في البيت الأبيض وكانوا في حالة من الاضطراب وانعدام الوزن وهم يواجهون تصريحاته الفجائية بغطرسته المعهودة ونرجسيته الفاقعة.
كان يسخر من مشاريع تهجير أهالي غزة إلى الخارج فيقول بأنه لا يريد الذهاب إلى أندونيسيا لأن الناس هناك «كلهم شبه بعض» وأنه يفضل بلدا أكثر إغراء في أوروبا مثلا.
كان يسخر من الرئيس محمود عباس خاصة عندما قال إنه ينوي الذهاب إلى غزة حيث نصحه بالبقاء في الضفة ومواجهة قوات الاحتلال هناك، على أن يأخذ معه كل القيادات إلى هذه المعركة، طالبا منه أن «يطخ» من لم يستشهد منهم فيها!!
كان يسخر من قيادات في حركة «حماس» مثل خالد مشعل حين تحدّث عن خسائر الفلسطينيين في القطاع باعتبارها «خسائر تكتيكية» أو تصريحات أخرى لآخرين طالبا منهم مراعاة مشاعر أهل غزة وتضحياتهم الرهيبة.
حتى زوجته، التي يعترف هو نفسه بأنها هي من اكتشفت موهبته وتساهم معه في اختيار المواضيع وترتيب «الأفيات»، لم تسلم منه فهو مستاء مثلا أنها لم تستشهد رغم نزوحها معه جراء القصف من مكان إلى آخر، ورغم أن زوجات عدد من أصدقائه قتلوا فتزوجوا أخريات!! ثم ها هو ينصحها أن تذهب إلى نقطة توزيع المساعدات الأمريكية الإسرائيلية حين خصّصت يوما للنساء… لعلّ وعسى!!
كان أبو سمير في بداياته حريصا على الابتعاد عن السياسة والتركيز على القضايا الاجتماعية المرتبطة بالحصار لكن حرب الإبادة على غزة جرّته قسرا إلى أتونها، غير أنه لم يفقد روحه المرحة المبدعة، مع الحرص دائما على أن يوقّع فيديوهاته بكلمة «عوّامة»، قطعة الحلويات كروية الشكل المشهورة في المشرق العربي والخليج مع اختلاف التسميات.
كان أبو سمير يتطلع إلى إعداد برنامج بعنوان «اسأل أبو سمير» على غرار برنامج أمريكي شهير «اسأل ستيف»، لكن الحرب لم تترك له هذه الفرصة فوجد نفسه في سياق آخر أظهر فيه من المهارات الكثير. بدا صاحبنا في إطلالاته الأخيرة منهكا قليلا، وقد أصابه ما أصاب أهالي القطاع من جوع وهزال لكنه لم يفقد روح السخرية التي قد تصيب العدو بشكل يضاهي قذيفة «شواظ» أو «عبوة العمل الفدائي»… وعوّامة!!

 

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...