خطاب عيد العرش 2025: جلالة الملك محمد السادس يجدد الرؤية ويضع المواطن في قلب التنمية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

 

 

في الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، ألقى جلالة الملك محمد السادس حفظه الله خطابًا وازنًا حمل في مضمونه روح التقييم والتجديد، ومضى أبعد من مجرد استعراض للمنجزات، إلى تأكيد على جوهر الرؤية الملكية: تنمية شاملة لا يستثنى منها أحد، وعدالة مجالية تضع الإنسان في صلب كل مشروع إصلاحي أو اقتصادي.

هذا الخطاب الذي يأتي في سياق إقليمي ودولي شديد التقلب، جدد البيعة المتبادلة بين العرش والشعب، وأعاد التأكيد على الثوابت الوطنية التي جعلت من المغرب نموذجًا في الاستقرار والتحول التدريجي المدروس.

أشار جلالة الملك إلى التحديات الكبرى التي مر بها الاقتصاد الوطني، وعلى رأسها سنوات الجفاف المتوالية، لكنه شدد على أن المغرب، رغم ذلك، استطاع الحفاظ على مؤشرات اقتصادية إيجابية، ونجح في تنويع بنيته الاقتصادية، معزّزًا حضوره في قطاعات حيوية كالصناعة والطاقة واللوجستيك.

والمُلفت في الخطاب الملكي هو تأكيده على أهمية الاستقرار الماكرو-اقتصادي كأساس لبناء اقتصاد قوي، تنافسي، ومتوازن، منفتح على تعدد الشركاء، ويستثمر في الموقع الجيوسياسي المتميز للمغرب، ودوره كحلقة وصل بين إفريقيا وأوروبا والعالم العربي.

المواطن أولا: التنمية لا تكتمل دون أثر اجتماعي ملموس
“لن أكون راضيا إذا لم تساهم هذه التنمية في تحسين ظروف معيشة المواطنين”، بهذه العبارة الصريحة والمباشرة، رسم جلالة الملك سقف الطموح وأعاد تصويب بوصلة التنمية نحو هدفها الأسمى: الكرامة والعدالة الاجتماعية.

الخطاب لم يكتف بإبراز المكاسب، بل اعترف بوجود مناطق لا تزال ترزح تحت مظاهر الفقر والهشاشة، وهو ما اعتبره جلالته أمرًا لا يليق بـ”مغرب اليوم”، مؤكداً أن الرؤية الملكية لا تقبل بمنطق “مغرب بسرعتين”، حيث تنعم جهة بالنمو وتُترك أخرى في الظل.

هذا التأكيد الملكي يأتي متناغمًا مع الأوراش الاجتماعية الكبرى، وعلى رأسها ورش الحماية الاجتماعية، والدعم المباشر للأسر المحتاجة، وإعادة توجيه الدعم لمستحقيه الحقيقيين، في تجسيد لمبدأ العدالة المجالية.

من بين المؤشرات الدالة على الطموح التنموي للمغرب، أشار جلالة الملك إلى تقدم الأشغال في خط القطار فائق السرعة الجديد الذي سيربط القنيطرة بمراكش، وهو مشروع يعزز الربط بين الجهات، ويرسّخ منطق المغرب الموحد والمندمج اقتصادياً ولوجستيكيًا.

كما شدد على ضرورة أن تكون البنية التحتية رافعة للتنمية لا مجرد مشاريع هندسية ضخمة، مؤكدًا على أن أثر هذه الأوراش لا بد أن ينعكس مباشرة على حياة الناس، وعلى تحريك العجلة الاقتصادية محليًا وجهويًا.

أعاد جلالة الملك التأكيد على أن المغرب أصبح يحظى بمكانة مرموقة بين شركائه، بفضل نهج يقوم على الاستقرار والوضوح والوفاء بالالتزامات، وهو ما جعل المملكة شريكًا موثوقًا ومسؤولًا على الساحة الدولية، منفتحًا على تنوع العلاقات ومتوازنًا في تعاملاته الاستراتيجية.

وهذا التوجه الراسخ في السياسة الخارجية المغربية هو الذي أكسب المملكة احترام شركائها، وساهم في جذب استثمارات كبرى، وفتح آفاق جديدة للتعاون جنوب-جنوب، وشمال-جنوب، في انسجام تام مع توجهات النموذج التنموي الجديد.

خطاب عيد العرش لهذا العام لم يكن مجرد استعراض لإنجازات، بل كان بمثابة تعاقد جديد بين الملك والشعب، تعاقد يضع المواطن في قلب الأولويات، ويجعل من العدالة المجالية والمشاركة في الثروة مسألة وجودية بالنسبة لمغرب الغد.

لقد أعاد جلالة الملك التأكيد على أن مغرب المستقبل ليس فقط في المصانع والموانئ والقطارات، بل في البيوت والمدارس والمراكز الصحية وفي العيش الكريم للمواطن، أيا كانت جهته أو طبقته أو موقعه.

وفي ظل هذه الرؤية المتبصّرة، يواصل المغرب مسيرته، بقيادة ملك لا يكتفي بالحكم من فوق، بل يخاطب شعبه بلغة الصدق والمكاشفة، واضعًا نصب عينيه شعارًا واحدًا: مغرب الجميع، لا مغرب النخب فقط.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...