القمة في الدوحة: مفترق طرق أم فرصة للتغيير؟

إيطاليا تلغراف

 

 

 

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

 

 

الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة يوم 9 سبتمبر الجاري شكّل لحظة فارقة في تاريخه، ليس فقط لأنه تجاوز الخطوط الحمراء بالهجوم على عاصمة عربية وخليجية، بل لأنه اختبر قدرة النظام العربي والإسلامي على الدفاع عن السيادة والكرامة بما يفوق الشعارات.

ما بين التكهنات والتصريحات، يتضح أن إسرائيل لم تكتفِ بإطلاق صواريخ، بل شرعت بتوسيع ساحتها العدائية نحو دول لم تكن ضمن المعادلة القتالية المعلنة سابقًا. الدوحة، التي طالما لعبت دور الوسيط المتعب في ملف غزة، برهنت أنّ الوساطة وحدها لا تكفي حين تتعرض الدولة لاعتداء صارخ.

الاعتداء على عاصمة عربية لم يكن فقط التحدّي العسكري، بل تحديٌ لأساس العلاقات الدولية. سيادة الدولة ليست للاستخدام العرضي، بل للحماية المجتمعية، وللسلام.

قطر، مصر، وحتى أطراف متعددة حاولت مرات عدة دفع قاطرة السلام، فكان الردّ دائمًا تصعيدًا. هذا الاعتداء يُظهر أن هناك من لا يريد السلام إلا بالشروط التي يفرضها، مستبديًا ومستهينًا بالمجتمع الدولي والاتفاقات.

من غزة إلى القدس، مرورًا بالضفة الغربية، وصولًا إلى النظام العربي ككل، تبدو الخريطة الأمنية والدبلوماسية مهددة بانهيار. الاعتداء على قطر ليس اعتداءً على دولة فحسب، بل على شبكة الوساطات والتوازنات بأكملها.

بوصفي صحفيًّا مقيمًا في إيطاليا ومتابعًا عن كثب لتطورات الشأن العربي، لا سيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أرى في الاعتداء على الدوحة تطورًا بالغ الخطورة، يتجاوز كونه حادثًا عابرًا ليكشف عن تمدد غير مسبوق في الانتهاكات الإسرائيلية، التي باتت تستهدف حتى الدول التي التزمت دور الوسيط الحيادي والمسؤول في النزاعات الإقليمية.
من هذا الموقع، أجد أن الوقت قد حان لتبني خطاب عربي جديد، يتجاوز ردود الفعل التقليدية، ويتجه نحو مواقف دبلوماسية فاعلة وقادرة على فرض توازن حقيقي. فلم تعد المواجهة محصورة في الأراضي الفلسطينية، بل أصبحت تشمل كل من يملك الجرأة على الانحياز للحق، ورفض منطق القوة والغطرسة.

إن هذه اللحظة تختبر وعينا الجمعي، وتضع المثقفين والإعلاميين والناشطين العرب أمام مسؤولية تاريخية: أن نكسر الصمت الأوروبي الرسمي، وأن نحشد الرأي العام العالمي لصالح عدالة القضية الفلسطينية، والحق في السيادة، والسلام العادل.

في هذه اللحظة الدقيقة، المطلوب أكثر من إدانة لفظية أو بيانات تضامن. المطلوب:

قرارات فعلية: إجراءات عربية وإسلامية تفرض ردعًا واضحًا تجاه منتهكي السيادة.

تفعيل المؤسسات الدولية: لا بد أن نستعيد للقانون الدولي وزنه، عبر الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها.

وحدة موقف حقيقية: كي لا تُترك الدول التي تتعرض للاعتداء وحدها، بل تبقى محمية بقرار مشترك، كلما تعرضت السيادة للانتهاك.

إن الفرصة التي توفّرت الآن ليست عابرة؛ فإذا كانت هناك لحظة تُترجم فيها الكلمات إلى أفعال، فهي هذه. القمة المرتقبة ليست مجرد اجتماع بروتوكولي، بل اختبار لحقيقة تأثير الرأي العام العربي، وللقدرة على صنع تغيير حقيقي.

إذا مضت القمة بلا قرارات مؤثرة، فسنكون قد ضيّعنا فرصة لن تتكرر بسهولة. وإن نجحت، فقد تتغير قواعد اللعبة.


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...