الصحراء المغربية تاريخ وسيادة .

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

*ذ/ الحسين بكار السباعي

 

في مستهل مقالنا ، نرى أنه من الصعوبة الإنعراج على كل المحطات التي همت القضية الوطنية ، ولكن لا بأس من أن نورد ونتقاسم معكم بعض الأفكار وملامح الملاحم التي تعتبر مربط الفرس في موضوعنا.
لابد من التذكير أن الاستشراف العلمي للمستقبل ، يقوم على فهم الماضي والحاضر، أي فهم تأثير العوامل التي شكلت معالم الماضي والحاضر معا. ومصداقية هذا الاستشراف هي راهنيته بحالة أدوات المعرفة العلمية الموظفة ، وبالتالي فإن تفاصيل وأبعاد المستقبل سوف تتأثر بتراكم معرفتنا للواقع.

وبالعودة إلى الماضي القريب ، نقف على زيف شعارات الجبهة الإنفصالية ففي شهر نونبر من سنة 1975 ، سجل التاريخ إلتحاق خطري الجماني بإعتباره رئيس “الجامعة الصحراوية” وهي الهيأة الصحراوية الوحيدة المنتخبة آنذاك ابان الإحتلال الإسباني إلى المغرب حيث جدد البيعة بين يدي جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني ، وفي اليوم الموالي نظم حفل خاص لهذا الغرض بمدينة أكادير ، وبعدها ألقى المغفور له يوم 5 نونبر 1975 خطابا تاريخيا لإعطاء انطلاقة المسيرة الخضراء، و أمر المتطوعين ببداية السير صبيحة اليوم الموالي 6 نونبر 1975.
نحن هنا امام تاريخ، وكما يقول كسينجر” إن التاريخ هو ذاكرة الامم، أو معمل كبير لتجارب البشرية، يحفل بمعادلات النجاح لمن يحسن صياغتها”

وأخذا بالاعتبارات الحقائق التاريخية، وارتباطا بالقرارات الاممية ، فإن قرار الأمم المتحدة 1514 يحتاج إلى قراءة دقيقة تمكننا من الوصول إلى أن أي تعطيل للوحدة الوطنية أمر يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة. فالفقرة 6 من القرار 1514: “أي محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة الوطنية والوحدة الترابية لبلد ما لا يتفق مع مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة”. الأمر الذي يسري على حالة المغرب وصحرائه ، الذي كان مستعمرا من قبل قوتين استعماريتين رئيسيتين (فرنسا وإسبانيا)، وكان عليه أن يكافح على مدى عقود لاسترجاع وحدته الوطنية ضد الغزاة الأوروبيين.

يبقى من المهم الإشارة أن ملف الصحراء المغربية عرف طيلة سنوات تأرجحا بين الأخذ و الجذب، في ظل هذا كان المحتجزون في مخيمات تندوف الضحية الأولى فلا هم في وطنهم المغرب ينعمون فيه ولاهم لاجئون تعترف بهم الجزائر.
لم ينظر المغرب لسواد أعين الجبهة الإنفصالية ولا حتى رعيلتها الجزائر، حيث قدم اقتراحا مسؤولا على الأمم المتحدة في 11أبريل 2007 وهو مشروع الحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية، من أجل الدفع بعملية حوار تفضي إلى حل سياسي وكأعلى سقف لكل تفاوض ترعاه الأمم المتحدة .

هذا الاقتراح حظي بحماس من مجلس الأمن الذي نص صراحة على أنه جاد وموثوق به في قراره 1754 المؤرخ 30 أبريل 2007 ودعا الأطراف المعنية إلى “الدخول في مفاوضات مباشرة وبحسن نية ودون شروط مسبقة”.
وحيث أن مسلسل المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو يوقفنا على واقع مصداقية الفرد ومشكل الثقة بإعتباره مشكلا انسانيا وسياسيا ولا يستطيع احد ان يجحد مشاركة الصحراويين المغاربة في حرب الرمال وجيش التحرير ولنا في الجماني خير مثال على السياسي الكفؤ والمناضل الشريف فلم يبع نفسه ولا ضميره لإسبانيا ولا لغيرها وإنما كما قلت انتقل للقاء الملك المغفور له الحسن الثاني بإعتباره رئيس “الجامعة الصحراوية” وهي (الهيأة الصحراوية الوحيدة المنتخبة ابان الإحتلال الإسباني) ، لنا ايضا في البشير دخيل خير مثال على وطنية المناضل وتشبعه بالمبادئ والقيم وقد كان رئيس اللجنة العسكرية التي كبدت لإسبانيا خسائر كبيرة كما هو معروف.

واليوم في سنة 2021 تأبى الأقدار إلا ان تسقط أوراق التوت تباعا، ومعها تتجلى سوءة المتربصين بقضيتنا الوطنية، حيث أن مشاورات مجلس الامن النصف سنوية والتي كانت مغلقة جاءت نتيجتها عكس رهانات الجارة الشرقية وصنيعتها البوليساريو، حيث خلصت المشاورات إلى الإشارة على ضرورة التعاون الكامل للجبهة الانفصالية مع المينورسو حيث تتأكد العرقلة التي أوجدت من أجلها هذا البعثة الاممية وهو مراقبة وقف إطلاق النار.
ولعل المثير للإستغراب هو شعارات الجزائر وأفعالها المقززة ، فمقولة خاوة خاوة هي أكبر كذبة ينطق بها جيراننا ، إذا ماعلمنا أن الهند تصدت بكل قوة لأطروحة الإنفصاليين دخل أروقة مجلس الأمن وأكدت على مغربية الصحراء على العكس تماما من الموقف الجزائري، وشخصيا قد أتفهم شطحات جنرالات الجزائر ومن يدور في فلكهم حيث تبرر أفعالهم بالحراك الشعبي في صفوف المواطنين الباحثين عن رمق عيش.

صرخات الانفصاليين طالت منددة بمخرجات الاجتماع التشاوري حيث خلص الاجتماع دون إصدار أي بيان من قبل مجلس الأمن، وقدم كولين ستيوارت إحاطة بشان الوضع على الأرض الذي اتسم بانتهاكات جبهة البوليساريو وإعاقتها لحرية تنقل المينورسو، الأمر الذي يؤكد مجددا أن كل ما يهم قيادة الانفصاليين هو مواصلة الإتجار بمعاناة ساكنة تندوف، ودفع الاموال لأفراد يعدون على رؤوس الأصابع من إنفصاليي الداخل حتى لا يتوقفوا على اثارة الفتنة ومواصلة غسيل دماغ الشباب وإذكاء نار القبلية.

إن أي تفاوض مستقبلي يجب أن يكون مع الجزائر ، وأن هذا التفاوض عليه أن ينحصر في ضرورة الدفع بترسيم كل الحدود مع الدولتين ، كي لا يظن جنرالات المرادية اننا سنتفاوض معهم حول مانملك والا كنا امام العبث السياسي ، الجزائر باعتبارها الطرف الاصلي للنزاع وصانعة البوليساريو، هذه الاخيرة التي لم تعد لها شرعية تمثيل الصحراويين ولا التحدث باسمهم وهم منها براء .

*محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...