رصد عناصر مقاومة التحديث والتغيير في الإدارة والمؤسسات من طرف حَرَسُ المعبد وحَرَسُ القديم وتصدي حَرَسُ الظل

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

*الدكتور عبدالله شنفار

 

 

رصد جدلية الاعتماد المتبادل بين مِطرقة وسندان حَرَسُ القدِيم وحَرَسُ المّعْبَد وحَرَسُ الظل في معادلة ما هو: {أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا.} وآخر مما: {كَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا.}؛ موضوع من الاهمية بمكان؛ نظرًا لما يكتنفه من غموض ويحيط به من مغالطات.
فحَرَسُ القديم في الإدارة والمؤسسات ومختلف المرافق العامة والعمومية؛ يزعمون أنهم وحدهم من يمتلك الحقيقة! والآخرون تتوفر لديهم نسخة رديئة؛ فقط من الحقائق وشؤون الدولة؛ وإذا ما حصل وتولوا الآخرين من حَرَسُ الجديد والحديث المسؤولية؛ سوف يقودون البلاد والعِباد إلى الهاوية والكارثة على حد زعمهم!! مما هو حتمًا: {أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا.}
أمَّا حَرَسُ المعبد؛ فيدعون أنهم وحدهم من يستفرد بتملك النسخة الأصلية للدَّين! وأن خطتهم تطابق خطة الإله والكوْن؛ وأن الآخرين لديهم النسخة المزيفة؛ فقط عن الدِّين! وحتى إذا ما حدث ووصلت هذه النسخة الأصلية صدفة إلى بين أيدي هؤلاء؛ سوف يسيؤون استعمالها على حد اعتقادهم!!

حَرَسُ القديم الذين يحاربون كل تحديث وعصرنة في الإدارة ومؤسسات الدولة؛ متشبعون؛ تارة بالفكر الماركسي الذي يقوم على ميكانيكا الحتمية التاريخية؛ وتارة أخرى بالفكر المادي الرأسمالي المتوحش.
في حين حَرَسُ المعبد؛ الدين يحاربون بشكل متطرف كل أشكال العصرية في التَّيّنِ متشبعون بالوثوقية؛ وكأنهم كانوا يجلسون منها مقاعد للسمع؛ فاسترقوا السمع من الملأ الأعلى؛ وعرفوا وخطفوا كل ما يجري هناك في اللوح المحفوظ مما (كَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا) في مسلسل ومسارات حياة الناس، والصيرورة التاريخية للشعوب.

أما حَرَسُ الدولة العميقة؛ أو حَرَسُ حكومة الظل؛ أو حَرَسُ الدولة الموازية؛ أو حَرَسُ الحكومة السرية؛ فهو مفهوم يحيل إلى إحدى مباديء الآلية الديمقراطية في بلدان العالم؛ والتي تقوم على مبدأ التداول للسلطة بين الأفراد والجماعات. وهي احدى الآليات المتعارف عليها؛ حيث يتولى جهاز خاص استلام مقاليد الحكم من أجل الا تنهار موارد ومقدرات الدولة وأمنها ووجودها واستقرارها وكذا استمراريتها.
يعمل حَرَسُ الظل كضابط للنسق؛ على بلورة السياسات العامة والعمومية؛ التي في جميع الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ تستهدف ثلاث قضايا وأبعاد رئيسية كبرى التي هي:

* قضية وجود؛ وتعني ضمان وجود الدولة والإنسان.
* قضية استمرار؛ أي ضمان استمرارية وغياب كل مسببات زعزعة الحكم والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
* قضية تنمية وبناء وتحضر؛ وتعني ضمان تطور وازدهار في جميع الميادين والمجالات.

في المجتمعات الحديثة؛ هناك حرب أفكار مستدامة. وعندما نخاطب عقولًا وأفكارًا؛ فنحن نصنع بذلك الرأي العام؛ من خلال محاولة إحداث تغييرات وتأثيرات عميقة فيه.
وبالتالي لكي ننجح في إيصال فكرة معينة؛ لابد من معرفة شيفرات المتلقي أو من نخاطب. هذه الشِّفرات تتغير باستمرار من حال إلى حال؛ وفيها الثابت الذي لا يتحول ولا يتغير وفي حالة جمود.

الأمر اذن يتطلب ذكاء وقدرات لمعرفة قوانين التحول الاجتماعي؛ التي هي عبارة عن فضاءات ومساحات ملغومة ومزروعة بالعديد من الأفكار والقيم والألغام السابقة من مختلف القناعات والمصالح المتناقضة؛ الاجتماعية والسياسية والمالية والاقتصادية والشخصية والعسكرية والإستراتيجية… وغيرها؛ منها الضارة ومنها النافعة؛ ومنها الإيجابية ومنها السلبية.
ومن هذه القوانين والمعايير والمؤشرات؛ والأبعاد المتواجدة في عقول البشر؛ هي إدراك مدى القابلية للأفكار المطروحة ومعرفة مدى عناصر المقاومة وردود فعل الحرس القديم واستيعاب كل تلك المتناقضات الاجتماعية.

فمعرفة شِفرات هذه الذاكرة المشوشة والتي تعيش حالة شك وريب وارتباك أو حالة جمود وركود وأفكار ميتة؛ يتطلب القدرة على التواصل؛ من خلال عملية انتقاء المعلومات ودراستها بدقة؛ لمعرفة من ستقاوم ومن ستقتنع بسهولة ومن يسهل تغييرها؛ مع إخضاعها للتقويم والتتبع والتجاوز لخلق فضاء مفتوح قابل للتطور.
وبالتالي كل خلل في ذلك سوف يؤدي حتماً إلى نتيجة عكسية

دور الثقافة التنظيمية في الحد من مقاومة حرس القديم، وحرس المعبد؛ لعناصر التحديث والتغيير في المجتمع والمؤسسات؛ عبر إعادة هندسة العمليات الإدارية والشؤون الدينية وأثرها في الأداء الوظيفي والدعوي، في ظل مقاومة التحديث والتغيير؛ الذي يستوجب تحليل الأبعاد النفسية والاجتماعية والثقافية للظاهرة.
فتحليل مختلف أبعاد مقاومة التحديث والتغيير التنظيمي كسلوك وكظاهرة اجتماعية، يسعف في معرفة مختلف الجوانب التي تعرقل مسيرة التغيير التنظيمي الذي تتبناه الدولة، والذي هو ناتج عن خوف الأفراد والجماعات التنظيمية على زعزعة مصالحها.

وبناء على تحليل هذه الأبعاد؛ يمكن مقاربة وسائل وتقنيات لمواجهة هذه الظاهرة التي تؤدي إلى مسيرة التطوير التنظيمي للمؤسسات. من خلال الاعتماد في التحليل على العناصر الأساسية التالية:

• تحديد المقصود من مفهوم التغيير التنظيمي أولًا وقبل أي شيء؛
• وتحديد وتنميط مفهوم مقاومة التغيير.
• تحديد الأبعاد النفسية لمقاومة التغيير؛ بناء على إبراز أنواعها ودورها في هذه الظاهرة.
• تحديد الأبعاد الاجتماعية والمشارب الثقافية لمقاومة التحديث والتغيير؛ من خلال تحديد أنواعها ودورها في ظهور وتغذية هذه الظاهرة واستمرار تكريسها.
• اقتراح الآليات والوسائل والتقنيات التي تمكن الإدارة والمؤسسات والمرافق العمومية في الدولة؛ من معالجة ظاهرة مقاومة التحديث والتغيير.

هذا، وتكمن مشكلة الدراسة؛ في قياس أثر عناصر إعادة هندسة العمليات المؤسساتية والإدارية؛ كتبسيط وتحسين إجراءات العمل، واستخدام تقنية المعلوميات والإدارة الرقمية والتركيز على تكوين واستكمال التكوين للعنصر البشري حتى يصبح قادرًا على الأداء الوظيفي وعناصره التي تكمن في: جودة وكمية ناتج الأداء، والملاءمة الوظيفية… وغيرها،
مع رصد جدلية الثابت والمتغير في معدل عناصر مقاومة التحديث والتغيير التي تؤثر سلبًا أو إيجابًا في هذه العلاقة.
حَرَسُ المعبد وحَرَسُ القديم؛ يواجهون التحديث والعصرية من خلال مفاهيم؛ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ؛ مما أَلْفَيْنَا ووَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا.
هنا نستحضر احدى الطرائف؛ خيث يحكى أن أهل قرية قد عرفوا بتناول السمك؛ وسكانها أهل صيد بارعون في طهي السمك وقد توارثوا ذلك عن آبائهم وأجدادهم الْأَوَّلِينَ.

ذات مرة تزوجت إحدى بناتهم من شاب ابن القرية المجاورة لهم؛ وقد عرف عن أهلها هي أيضًا مهنة صيد وزراعة وطهي السمك. فلما دخلت الزوجة لأول مرة المطبخ؛ قامت بتحضير وجبة الغداء بالسمك؛ لكن أفراد الأسرة لاحظوا طبق السمك وقد أزيل وقطع منه الرأس والذيل! فتساءلوا واستشاط الزوج غضبًا وكأنه جلب الذل والعار للعائلة والقرية والمجتمع.
عادت الزوجة إلى بيت أهلها؛ ولما استفسروا عن السبب في رجوعها ومغادرتها بيت الزوجية؛ شاع في القرية أنها قامت بطهي السمك بعدما قطعت منه الذيل والرأس..! فسألوا والدتها فقالت لهم: ذلك ما وجدت عليه والدتي..! ولما سألوا الجدة عن السر في قطع ذيل ورأس السمك عند عملية الطهي؛ قالت لهم: فقط كانت عندي مقلاة صغيرة لا تتسع لطول وحجم السمك؛ فأقوم بإزالة الذيل والرأس..!!

تكريس التبعية والغباء الجماعي؛ من خلال مجموعة من التمثلات الاجتماعية والثقافية هاته. وعملية التحول الاجتماعي، وحضور القيم والتقاليد والعادات والأعراف، وتواجد الدولة بمؤسساتها، ومن خلال ما يفرضه حَرَسُ المعبد، وحَرَسُ القديم، والتطور السريع الذي يعرفه العالم تبقى شيئا نسبيًا، فإما أن يكون لها حضورًا في المجتمع، أو غيابًا في المخيال الاجتماعي للفرد والجماعات. ولسان حالهم أن:

(قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا.) سورة البقرة.
(قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴿سورة المائدة﴾
(وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا.) ﴿سورة الأعراف﴾.
(حَتَّىٰ عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ.) ﴿سورة الأعراف﴾.
(قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا.) ﴿سورة يونس﴾.
(قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴿سورة الأنبياء﴾.
(بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴿سورة الشعراء﴾.
(قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴿سورة لقمان﴾.
(إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ.) ﴿سورة الزخرف﴾.
(إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ.) ﴿سورة الزخرف﴾.
(قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ.) ﴿سورة البقرة﴾.
(أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ.) ﴿سورة البقرة﴾.
(أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ.) ﴿سورة المائدة﴾.
(وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ.) ﴿سورة الأنعام﴾.
(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا.) ﴿سورة الأنعام﴾
(أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا.) ﴿سورة الأعراف﴾
(أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ.) ﴿سورة الأعراف.﴾

‏وبالتالي فإن منطق الوثوقية ولعب دور التقية؛ يقوم على أساس أن فكرتي ومنهجيتي هي الوحيدة التي على صواب.
أما اختلاف الآخرين؛ فهو نتيجة منطقية لخلل في منهجيتهم أو خريطة نواياهم. ولسان حالهم:
(يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.) ﴿سورة الأنعام﴾
(لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.) ﴿سورة الأنفال﴾
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا (أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.) ﴿سورة النحل﴾
(إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.) ﴿سورة المؤمنون﴾
(وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا.) ﴿سورة﴾.
(فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.) ﴿ سورة الأحقاف﴾.
ويبقى الصراع محتدماً دون أن نرقى بالنقاش إلى مساحات وفضاءات الفهم؛ كمستوى فاصل بين التخلف والتقدم.

* كاتب ومحلل ومفكر استراتيجي مغربي.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...