جدل في إيطاليا حول العلاقات مع الإمارات بعد تجميد تصدير الأسلحة

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

*إبراهيم عثمان

شهدت العلاقات بين إيطاليا والإمارات خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من التوترات بدأت مع قرار الحكومة الإيطالية في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي مد أجل حظر تصدير الأسلحة والمعدات الحربية وإلغاء التصريح الممنوح لشركة (RWM) إيطاليا بتوريد قنابل، بقيمة نحو نصف مليار يورو بموجب عقود موقعة بين عامي 2016 و2017، إلى أبوظبي والرياض بسبب تورطهما في حرب اليمن التي خلفت العديد من الضحايا في صفوف المدنيين، وذلك بموجب القانون رقم 185 لعام 1990 الذي يحظر توريد أسلحة لأي دولة منخرطة في صراعات مسلحة.
من جانبها، منعت السلطات الإماراتية، أوائل شهر يونيو/حزيران الماضي، عبور طائرة نقل عسكرية إيطالية من طراز C130 على متنها 80 صحافياً إيطالياً علاوة على مجموعة من العسكريين كانت متجهة إلى هيرات في أفغانستان للاحتفال بمراسم تنكيس العلم الإيطالي في قاعدة (Camp Arena)، تزامناً مع انسحاب آخر تشكيل للقوات الإيطالية هناك.
وإزاء هذا الإجراء، استدعت وزارة الخارجية الإيطالية السفير الإماراتي بروما وأبلغته باندهاشها واستيائها من تصرف سلطات بلاده.

ورداً على هذا الاستدعاء، جاء تحرك حكومة أبوظبي سريعاً عبر إبلاغ قائد القوة الإيطالية المتمركزة في قاعدة المنهاد الإماراتية بضرورة إجلاء وحدته في مدة أقصاها يوم 2 يوليو/تموز الجاري.

جدل سياسي ومالي
هذه التوترات أثارت جدلاً واسعاً في دوائر السياسة والمال والأعمال الإيطالية، بين فريق مؤيد لقرار الحكومة، ولمهندسه وزير الخارجية لويجي دي مايو، رأى فيه انتصاراً لقيم ومبادئ احترام حقوق الإنسان، وآخر أعلى صوتاً رافض للقرار.

هذا الفريق تمثل بصفة أساسية في التحالف الحاكم في إيطاليا ومن شايعه من كتَّاب ومحللين وإعلاميين، وكذا من منظمات حقوقية ومناهضة للحروب.

التوترات أثارت جدلاً واسعاً في دوائر السياسة والمال والأعمال الإيطالية، بين فريق مؤيد لقرار الحكومة بحظر صادرات السلاح للإمارات وآخر أعلى صوتاً رافض للقرار

وعلى الاتجاه المعاكس، الأعلى صوتاً، اصطفت قوى المعارضة المتمثلة في تكتل يمين الوسط عبر ممثليها في البرلمان ومناصريها في وسائل الإعلام المختلفة، ضد سياسة الحكومة في هذا الصدد، واعتبرت أنها تمثل تهديداً للمصالح الاقتصادية والجيوسياسية لإيطاليا، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، علاوة على أنها أفسحت المجال لمنافسي إيطاليا الذين عمدوا إلى زيادة صفقات توريد قنابل جوية للسعودية والإمارات بشكل غير عادي لتعويض غياب إمدادات (RWM) إيطاليا.

وفي تحليل لتداعيات قرار الحكومة الإيطالية حظر تصدير أسلحة إلى السعودية والإمارات، علاوة على ما رشح من معلومات حول تفكير وزارة الخارجية الإيطالية بالانسحاب من برنامج القوات الجوية السعودية لتحديث أسطول مقاتلاتها من طراز تايفون والتي كانت قد اشترتها من بريطانيا من إنتاج كونسورتيوم (يوروفايتر)، الذي تشارك فيه مجموعة “ليوناردو” الإيطالية بنسبة 21%، رأى موقع “فيلوديريتَو” أن “القرار لن يكون عاملاً مساعداً لصناعة الطاقة الإيطالية، ولشركاتنا العاملة في قطاع صناعات الدفاع من خلال سلبها جزءاً من محفظة عملائها”.
بدورها، ذكرت صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، في تقرير حمل عنوان “حظر وعقود ملغاة. زيارة دي مايو من أجل رأب الصدع مع الإمارات”، أن ثمة تسريبات في روما دارت حول أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمر بإسناد تلك الصفقات إلى دول أخرى.
وأضافت أن الإمارات فعلت الشيء ذاته تقريباً، حيث أوقفت تطوير مركز استعراضي لطائرات إيطالية من طراز (AW609)، علاوة على احتمال إلغاء عقود شراء مروحيات أخرى.

حاولت الإمارات من قبل شراء مصنع طائرات مسيرة بالكامل، ولكن المشروع فشل وتكبدت أبوظبي خسائر بلغت نحو 900 مليون يورو.

كما أن عقد تحديث طائرات الاستعراض الجوي الإيطالية من طراز (MB-339) معرض أيضاً للإلغاء مع صفقة أخرى لشراء طائرات تدريب جديدة من طراز (M346) .
ونقلت الصحيفة عن مصدر في الحكومة الإيطالية قوله إنه “من بين المشكلات السياسية والصناعية التي نشبت بين إيطاليا والإمارات، تجدر الإشارة إلى الصدام الأكبر الذي كان بطله ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد مع بيير فرانشيسكو غوارغوالييني، الرئيس التنفيذي الأسبق لمجموعة فينميكانيكا (ليوناردو حالياً)، والذي طرده حاكم أبوظبي بطريقة مهينة من قصره وأبلغه بأنه لن يطأ أرض الإمارات إلى الأبد”.

وأشارت الصحيفة إلى أن غوارغوالييني كان قد اتُهم بتضييع سنوات على الإمارات في محاولة لبيعها طائرات مسيرة ضرورية لقواتها المسلحة، إلا أنه لم ينجح في الحصول على التصاريح اللازمة لتصديرها، حينها حاولت الإمارات شراء مصنع طائرات مسيرة بالكامل، وهو فرع شركة بيادجو للصناعات الجوية في مدينة جنوى، ولكن المشروع فشل وتكبدت أبوظبي خسائر بلغت نحو 900 مليون يورو.
بدورها، نقلت صحيفة “إل جورنالي” الإيطالية عن مصادر بوزارة الدفاع الإيطالية قولها إن “الإماراتيين اعتبروا قرار الحكومة الإيطالية تجاهلاً وتقصيراً في حقهم”.
وأضافت الصحيفة، وفقاً للمصادر ذاتها، أن “الرئيس الأميركي جو بايدن لم يأخذ وقتاً طويلاً في فك التحفظات الأميركية حيال الإمارات وأعطى موافقته على إمدادها بمقاتلات إف-35 وطائرات مسيرة مسلحة. حتى إسرائيل بدأت، بعد توقيع اتفاقيات أبراهام في عام 2020، في توريد أسلحة لوزارة الدفاع الإماراتية”.
وفي حديث خاص لموقع “سيبرناوا” الإيطالي، رأى الفريق أول طيار ماريو أربينو، رئيس هيئة أركان الدفاع الإيطالي الأسبق، أنه “نرى حالياً تبخر مبادلات تجارية بقيمة 4 مليارات يورو، ستحل في جيوب غيرنا”.
وختم بقوله إن “إصدقاءنا الإماراتيين، انطلاقاً من قاعدة الطرق على الحديد وهو ساخن، لم يفوتوا أي فرصة لإزعاجنا من خلال مبادرات انتقامية كبيرة وصغيرة، حظيت باهتمام ومتابعة فورية من قبل وسائل الإعلام.

خطوة إيطالية
وفي تطور للأحداث، ذكرت صحيفة “إل فاتَو كووتيديانو” الإيطالية، في تقرير لها أخيرا، أن ألبرتو كوتيللو، مدير وحدة تصاريح صادرات الأسلحة بوزارة الخارجية الإيطالية، أرسل مذكرة للشركات المصدرة للأسلحة تفيد بأن شهادة المستخدم النهائي للدول المستوردة لم تعد مطلوبة. ما يعني أن تلك الأسلحة المصدرة، باستثناء القنابل والصواريخ، من الممكن أن تستخدم أيضاً في حرب ليست بعيدة عن أراضينا، والهدف هو رأب الصدع في العلاقات الدبلوماسية المعقدة مع الإمارات.
وفي تصريحات خاصة للصحيفة، رأى جورجو بيريتَا، المحلل في المرصد الدائم للأسلحة الصغيرة وسياسات الأمن والدفاع، أن “إحناء الرؤوس أمام تلك التحركات الانتقامية (من قبل الإمارات) يعني الإذعان للابتزاز”.
ومن جانبه، اعتبر فرانشيسكو فينياركا، من الشبكة الإيطالية للسلام ونزع السلاح، أن “التحرك الإيطالي كان بهدف التقارب مع بلد بدأ في ابتزازنا بعد حالة وقف واحدة لتصدير السلاح على مدار 3 عقود. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هؤلاء هم شركاؤنا الاستراتيجيون المشهورون الذين نرغب في الاحتفاظ بعلاقات تجارية وثيقة معهم؟”.

لوبي إماراتي
وكان من اللافت أن ليوناردو بيللودي، صاحب مركز “ماركو بولو” للدراسات، الذي يخضع حالياً لتحريات مكتب مكافحة غسل الأموال التابع للبنك المركزي الإيطالي بسبب تلقيه تمويلاً بملايين اليوروهات من إحدى الشركات التابعة للشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي الإماراتي، كتب مقالاً، بصفته محللاً جيوسياسياً، نشرته مجلة “فورميكي” الإيطالية تحت عنوان “لا ليبيا من دون الإمارات، يجب رأب الصدع على الفور”، رأى فيه أن دعم الولايات المتحدة لدور أكبر وقيادي لإيطاليا في ليبيا، أيضاً من خلال إرسال قوة عسكرية إيطالية، لا يكفي وحده.
وأشار إلى أن إيطاليا بحاجة إلى التوصل لوفاق مجدداً مع بعض اللاعبين الدوليين وفي مقدمتهم الإمارات.

وفي حديث خاص آخر لمجلة “فورميكي”، قال البروفيسور جوفانَي بوتسيتَي، أستاذ التسويق بالجامعة الكاثوليكية بميلانو والخبير بالشأن الإماراتي، إن إيطاليا اتخذت في الأيام الأخيرة بعض الخطوات الصغيرة للتقارب مع الإمارات”.
وأخيراً، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سينحني رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي (التكنوقراطي) أمام هذه العاصفة ويستجيب للأصوات التي تطالبه بالمبادرة بالاتصال شخصياً بولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، والإطاحة بوزير الخارجية دي مايو، أحد أركان الائتلاف الحاكم، من أجل رأب الصدع مع أبوظبي؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.

*العربي الجديد

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...