أزمة موضوع الشعر عند العرب!

إيطاليا تلغراف

 

 

 

* الدكتور محمد الخمسي

 

 

تعتبر مجالات الفن من أكثر المجالات تأثيرًا في العصر الحالي، وخاصة السينما التي هيمنت على كل الفنون، لأنها تملك قوة الصورة من جهة، ومن جهة أخرى لكونها تدمج في منتوجاتها ومحتوياتها باقي الفنون.
وإذا كان زاد وبضاعة العرب في المجال السينمائي؛ متواضعة مقارنة مع ما تنتجه الدول المستثمرة في هذا المجال؛ فإن مجال الشعر الذي يمثل امتدادًا طبيعيًا لفن ضارب الجذور في تاريخهم؛ أي تاريخ العرب منذ بداية الشعر الجاهلي؛ والأصل فيه أن يكونوا ارقى الأمم في صناعه وتطوير مواضيعه وقضاياه.

غير أن هذا الفن لم يخرج عن كثير من شعر قضايا الشعر القديم. فبالرغم من اعتباره أقدم وأرقى فنونهم من الناحية التاريخية، فهو لم يجدد اهتماماته، ولم يستفيد على مستوى اللسان من بيان القرآن وجمالية التصور فيه، ولم يمتد إلى قضايا فرضتها الحضارة الإسلامية، سواء فيما يتعلق بالكون أو الوجود بصفة عامة، ولم تؤثر نصوص القرآن الكريم في معالجته لظروف الإنسان الاجتماعية والسياسة؛ بل لم يستطع هذا الشعر بناء جسور للتعارف الإنساني بالشكل المطلوب والمراوب؛ إلا لمامًا واستثناء. فقد بقيت تهيمن عليه مواضيع الماضي وذاكرة التاريخ التي تسكنها روح القبيلة وقيمها، المتمثلة في المدح والهجاء، والخمرة، والنساء، والفخر، والاعتزاز بالقبيلة التي في أحسن الأحوال استبدلها بحزب أو زعيم ما.

شعر كثيره فقير في تناول القضايا الإنسانية، وأعماق المجتمعات، غائب عن قضايا السياسة؛ إلا بقدر ما يسمح له، أو ما يكتسب من أصحابها، إلا القليل ممن خرج عن القاعدة والاستثناء، وكان جزاؤه التهميش والإقصاء.
فالشعراء عندنا يهمشون إن كان قولهم لا يرضي أو يروق لأصحاب القرار، أو إذا كان محتواه يزعج الجمود والركود.
فالمطلوب من الشعراء أن يعيشوا في خيمة؛ حيث ينادي صاحبها عند سماع القصيدة على عطاء مقداره (ألف دينار).
أو ينتج قصيدة تشير إلى جمال حسناء؛ يبدأ فيها بالقول: “ولما نمت على نهديها؛ فما استيقظت إلا وركب الأمم غاب عن عينايا مساء.”

* والخلاصة:
هكذا حتى الفن الشعري الذي كان فيه الخيال الفكري، والمِخيال الاجتماعي العربي جميلًا، قويًا؛ لم يتطور في موضوعه ومجاله بما يقتضي العصر وتفرضه سياقات الحضارات؛ لأن البيئة مهوسة بالثناء والفخر، وهو أسوأ ما تفر منه النفوس السليمة والعقول المستنيرة.

*المفكر الاستراتيجي والراصد الاجتماعي المغربي

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...