هُبلُ، الطّوطَمِية، الشُّهرة.. لِمَن القَدَاسَة؟

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

للكاتبة: سعاد محبوبي  

 

 

 هُبلُ:
في قُريش وقبل الإسلام، كان الناس يعبدون الأصنام على أنها إله، وبالتالي هي شيء مُقَدس احترامه فرض عَين.
 وكما هو معروف، كان هُبُل أول صنم اتخذته قريش إلهاً لها، والصنم الأعظم لديْهم آنذاك. ولشدة عظمته في نفوس القرشييّن، وضعوه  في جوف الكعبة حُبًا  وإجلالاً له.
  إسألوا كبيرهم هذا:
 في الوقت الذي غاص  الناس  في بحار التبعية حينها، ظهر خليل الله إبراهيم -عليه السلام- كوجه آخر للآدميّّة، فحَكّم العقل وبارز بالفِطنة العادات المخالِفة للأصل والثوابت الصريحة.
 حينما جاء أسياد قريش يستفسرون عن مُفعتل التخريب الذي أُلحِق بآلهتهم بداخل المَعبَد، أشار إبراهيم بيده إلى كبير الآلهة وردّ عليهم: إسألوا كبيرهم هذا !
 كان من المفترض أن يستفز السؤال عقولهم للبحث عن الحقيقة، وأن يستنكروا عبادة حجر لا ينفعهم ولا يضرهم في شيء، حجر يعجز عن النطق حتى!  
لكن، أخذتهم العزّة بالاتجاهات الدينيّّة التي ورّثهَا لهُم بشر من لحم  ودم مِثلهم، ألِفوها ثم اتخذوها إلَهاً.
ربما هذا يفسر أيضاً حاجة الناس الفِطرية لوجود مُسيّر لهذا الكون الشاسعة أطيافه.
  فما كان من قريش إلاّ أن يَحرقوا مصدر التفكير العقلانيّ
– إبراهيم-  ليحتفظوا بالتفكير الذي يتمحور حول أسطورة صنَعَها  – عمرو بن لحي الخزاعي-.
  الطوّطمِية
في القديم،  كانت هناك مجتمعات تتوزع بين مختلف القارات، الإفريقية الأسترالية والأمريكية، تعيش بنظام الطوَّْطم، الذي يُعتبر مجموع المُقدّسات التي تؤطر نظام حياة القبائل.
وقد يكون هذا الطوطم حيوان، نبات أو شيء آخر، ينتمي إلى الطبيعة.
تتمثل رمزية الطّوْطَم في قُدسيّته، وبالتالي الانتماء الروحيّ له.
يُذكَر بأن لكل قبيلة طَوْطم خاص، فإذا اختارَت قبيلة “الآرابيتش” السمك كطَوْطَم، فقد تختار القبيلة الجارة الغزال وهكذا.. وهنا، لا تزال فكرة الحاجة  الإنسانية إلى الالتفاف حول مُعتقد يستمد المرء منه قوانين تنظم حياته قائمة ومستمرة..
 فـ لِمَن كانت القداسة في المجتمعات البدائية؟ كما سمّاها (إيميل دوركايم)
الجواب: كانت للطوطمية المتمثلة في الحيوانات والنباتات وكل قِوى الطبيعة.
أ يُصدق المرء بأن رأس أفعى كان يعتبر دستوراً  لقبيلة تضم عشرات الأشخاص؟

الشُّهرة:  Celebrety worship syndrome
 في السابق كانت الشهرة من نصيب أصحاب الإنجازات الكبرى فقط، الذين بذلوا جهوداً  كبيرة للوصول إلى أهدافهم. لكن اليوم، ومع تحول المجتمعات إلى الرقمية وانتشار الشبكات الاجتماعية وتطبيقات الفيديو، لم تعد هناك أهمية للإنجاز، وأصبحت الشهرة حلم غالبية الجيل الجديد، يسعون إليها بكل الطرق مهما كانت غريبة، غير أخلاقية أو لا تتناسب مع ثقافة ذلك المجتمع.
 Celebrety worship syndrome: عبادة المشاهير
وفيما يلي بعض من تبعات هذا المفهوم
هي حالة فيها جزء كبير من الهَوَس، تجعل صاحبها يصبح مُهتماً  بشكل مُبالَغ  فيه بتفاصيل حياة الأشخاص المشهورين. وهذا يلاحَظ في مجالات الغناء والتمثيل أكثر من غيرها..
 فأصبح الحديث اليوم عن -جيش- فلان أو فلانة. هذا الجيش لا سلاح لديه سِوى هاتف والكثير من العقد النفسية المكبوتة، التي جعلت منه تابعِاً  للآخر دون تمحيص لما يتناسب مع مبادئه وشخصيته المُلغاة.
وقد يتطور الأمر إلى أن يتبادل الشخص المتعصّب للمغني أو الممثل – الفلانيّ  الشتائم والتهديدات، لأن الطرف الأول انتقد أو صرّح بعدم إعجابه بذلك الممثل، –  على سبيل المثال لا الحصر-.

 رأي علم النفس: دراسة
وضع علماء النفس “ماككاتشون” وزملاؤه (2002) إطارًا لهذه الظاهرة، وابتكروا “مقياس عبادة المشاهير” (Celebrity Attitude Scale – CAS)، والذي يقسم هذه الظاهرة إلى ثلاث مستويات:
1. الترفيه الاجتماعي: الاهتمام بالمشاهير كوسيلة للترفيه والمشاركة في مناقشات اجتماعية.
2. الشخصية الكثيفة: تعلق عاطفي بالمشاهير واعتبارهم مصدر إلهام أو أصدقاء خياليين.
3. الحدودي المرضي: هوس يؤدي إلى سلوكيات غير عقلانية، مثل المطاردة أو الاعتقاد بوجود علاقة شخصية مع المشاهير.

آراء صريحة لعلماء النفس:
جويل كوهين (2017):
أشار إلى أن وسائل الإعلام الحديثة تجعل من الصعب على الأفراد فصل حياتهم الواقعية عن حياة المشاهير.
ليندا بابل (2013):
اعتبرت الظاهرة امتدادًا لاحتياجات الإنسان للشعور بالانتماء، لكنها أكدت أنها تصبح خطيرة عند استبدال العلاقات الحقيقية بعلاقات خيالية.

من خلال ماسبق، يمكن أن نؤكد على فكرة أن متلازمة عبادة المشاهير هي ظاهرة معقدة تعكس الجوانب النفسية والاجتماعية للأفراد، وقد تكون عابرة أو مؤذية في الغالب، بناءً على مستوى التعلق ونوعه.

 يقول  العالِم القُرآنيّ  عبد العزيز الطريفي : “الرجاء والخوف هما معيار العبودية، والناس عبيد لمن خافوا ورَجوا”
 فهل من المعقول أن يُسلم المرء نفسه بثغراتها وجميع مخاوفها، ويجعلها تحت سيطرة آدميّ  مثله؟ فيصبح مثل لعبة الماريونيت سهل ! التحكم به من طرف مَن سلمّه نفسه. بين عبادة الحجر والحيوانات، التي ل تحقق تفاعلاً  يُهدئ أرواح المُتعبين، ويحقق أماني الرّاجين و عبادة البَشَر، التي تهَدِم ما تبقّى من فُتات عقل  مُظلِم لم يسُتخَدَم، وتنسِف الروح نسفاً يثني صاحبها عن التقدم
  لِمَن القَدَاسَة؟

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...