حيوانات بشرية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

د.سمير شوقي

 

 

 

وقف غالانت، وزيد الدفاع لدى الكيان الصهيوني، أمام العالم قائلاً : “هؤلاء الحيوانات البشرية (يقصد الفلسطينيين) لن يجدوا بعد اليوم لا طعام و لا ماء و لا كهرباء”. لم يكن أحد في العالم يتصور أنه عندما صرح بذلك ذات 8 أكتوبر 2023 سينفذ حرفياً قولته التي تقطر عنصرية و وحشية و تشكل عقاباً جماعياً هو بمثابة جريمة حرب في القانون الدولي. من أجل تحقيق ذلك اعتمد الكيان الصهيوني الإستراتيجية التالية :
القصف العشوائي و تدمير أكبر عدد من المباني فوق رؤوس ساكنيها مستعملة في ذلك أحدث الأسلحة و أثقلها، مستفيدة من إمدادات العالم الغربي بدون حدود، بشكل يجعل من غزة منطقة غير قابلة للعيش.
⁠تجريف الشوارع و تحطيم البنى التحتية و توقيف تجهيزات الكهرباء و الماء و الصرف الصحي و إخراج المستشفيات من الخدمة، بشكل صارت غزة أشبه بهيروشيما غداة تلقيها القنبلة النووية.
⁠إلحاق أكبر عدد من الضحايا في المدنيين لخلق حالة من الفزع و الهلع و دفعهم للهجرة القصرية و الهرب خارج غزة لإخلائها من السكان في أفق احتلالها و استيطانها.
نكتفي فقط بهذه التوابل الثلاث التي خلفت أزيد من 50.000 ألف قتيل نصفهم أطفال و نساء و أزيد من مائة ألف جريح و ذوي عاهات مستديمة. هذه الجريمة المكتملة الأركان تشكل نواة الإبادة الجماعية و التي اعتمدتها المحكمة الدولية الجنائية لإدانة مجرمي الحرب نتنياهو و غالانت، بالإضافة لضمها للملف اعترافات موثقة لجنود و ضباط إسرائيليون صوروا من خلالها تصرفات بعضهم بالأسرى المدنيين و ممتلكات سكان غزة تجعل منهم أقرب إلى “حيوانات عسكرية” منهم لجنود جيش نظامي المفروض فيه الإلتزام بالقانون الدولي المنصوص عليه باتفاقات جنيف لفائدة المدنيين في وقت الحرب و يستفيد منها حتى العسكريون الأسرى.

أكذوبة الدولة الديموقراطية

لقد عرى طوفان الأقصى أكذوبة الدولة الديموقراطية الوحيدة في محيط من الديكتاتورية بحيث تدوس على قرارات مجلس الأمن منذ 57 سنة و تحتقر كل الهيئات الدولية التي تندد بممارساتها و على رأسها الأمم المتحدة.
إن إسرائيل، الدولة المارقة، تسمح لنفسها بسب كل من يعارضها و تلفق له التهمة الجاهزة بمعاداة السامية حتى ولو كان منتقدوها من ديانة يهودية بل حتى إسرائيليين كجدعون ليفي رئيس تحرير يومية “هآريتز” .. الذي وصف إسرائيل بالدولة التي لا تعيش إلا على الدم. فقررت حكومة الكيان مقاطعتها و منعها من ولوج الوزارات و المصالح الحكومية في خرق سافر لحرية التعبير .. حرية التعبير التي داستها بالطول و العرض في غزة و هي تقتل أكثر من 200 صحفي من مختلف الحنسيات! بل بلغت وقاحة الدولة المارقة اتهام البابا بمعاداة السامية لأنه طالبها بتغليب مبدأ التسامح و منح الفلسطينيين حقوقهم و كالت نفس الإتهام للأمين العام للأمم المتحدة لإدانته جرائم الحرب المرتكبة في غزة و الضفة الغربية. بل حتى قاضي إسرائيلي ضمن هيئة قضاة المحكمة الجنائية الدولية لم يسلم من تهمة معاداة السامية الجاهزة! أكذوبة الدولة الديموقراطية تتجلى في ممارسات عمرت لستة عقود منحت فيها حكومات الكيان الغاصب المستوطنين الضوء الأخضر لسلب الفلسطينيين أراضيهم بالقوة و بالنار و الحديد و السلاح، تحت حماية الجيش الإسرائيلي لإلقاء القبض عن كل من يقاوم ضد الإستيلاء عن أرضه و عرضه! في أي بقعة في العالم و من بينها أكثر الدول شمولية و ديكتاتورية يتم طرق باب سكان سالمين و أمرهم بإخلاء دورهم فوراً و إلا حُطمت فوق رؤوسهم؟ في أي ديموقراطية في العالم يظل المقاومون-السجناء بدون محاكمات عدة أشهر تمارس عليهم خلالها أبشع أشكال التعذيب بما فيها الأكثر سادية؟
يمكن أن نسترسل في نماذج عن أكذوبة الدولة الديموقراطية حتى نؤلف حولها كتاباً أو كتباً من عبث هذا النظام العالمي الذي يحمي هذا الطغيان الذي استباح الجميع و صار يحتقر الكل في تعالي غير مسبوق و بآليات فيها كل أنواع الخُبث و المكر و السادية.

عن أي ديموقراطية تتكلمون و هذه ممارسات جمهوريات الموز.⁠.. و الموز بريء من أنياب دراكولا العصر الحالي و الذي قال عنه أموس غولدبرغ، الأستاذ الإسرائيلي المتخصص في جرائم الإبادة بجامعة القدس “إن ما وقع هو إبادة جماعية، و بكل ألم و مرارة لا يمكننا إلا الإعتراف بذلك و لا يمكننا حجب هذه الحقيقة”. و شهد شاهد من أهلها.

في الواقع، الحقيقة واضحة للعيان و لا يحاول حجبها إلا من يسير في فلك حكومات دولة مارقة سيلفظ التاريخ وحشيتها و سيحيل “أبطالها” لمزبلة التاريخ و معهم صبيانهم و مخبريهم وجواسيسهم.. سيقفون لا شك ذات يوم أمام محاكم تشبه محاكم نورنبرغ و إن اختلفت الأدوار ! إن التاريخ لا يرحم.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...