د. فؤاد هراجة
عبد الإله المراكشي الرجل الصغير الذي سلك بحوته طريقا بعيدا عن مسالك قطاع الطرق والشناقة ومصاصي الجيوب، وهو ما عبرت عنه سلطات مراكش يقولها: “لم تمر سلعته أي حوته من الطريق الطبيعية لها”، فما كان من هذه السلطات إلا أن تقوم بنفس الفعل الذي قامت به قرية سدوم مع نبي الله لوط عليه السلام فتغلق حانوت عبد الإله ولسان حالها يقول “أخرجوه من سوقكم إنه رجل من المتطهرين”. فالرجل الزاهد الصغير قد طوى بحبه للفقراء وخلو نفسه من الجشع طول مسافة المضاربات وجعل السعر ينطلق من الميناء إلى محل البيع فيتحول سعر سدالسردين الذي وصل 30 درهما إلى 5 دراهم وقس على ذلك باقي الأنواع والأثمنة.
هذا التصوف التجاري الذي طوى مسافات الأسعار كما تطوى مسافات السلوك لدى أولياء الله، الذين يسلكون بالفقراء إلى باب الله سبحانه من أقصر السبل، فكذلك سلك هذا الزاهد بقناعة نفسه وزهده بالفقراء إلى مادة السمك التي كانوا يرونها بعيدة المنال. ولئن كان أولياء الله يكشفون بأنوارهم ظلمة النفوس المنافقة، فإن هذا الزاهد الصغير كشف السراديب التي تنفخ في ظلامها أسعار السلع. إن ما قام به هذا الزاهد في الربح الفاحش المسمى عبد الإله المراكشي ليس مجرد خدمة للفقراء ومنعدمي الدخل، بل هو فضح شامل لعصابة تجار استولت على مؤسسات الدولة وسخرت كل إمكانياتها من سلطة عمومية وبرلمان ومجالس عليا وصناديق وطنية، وصفقات داخلية وخارجية لاستنزاف جيوب المواطنين وإثقال كاهلهم بأسعار خيالية تشهد ارتفاع مطرد، ودون وجود أي مبررات اقتصادية منطقية إلا صمت وسكوت المتضررين، فهل ستكون صرخة عبد الإله المراكشي الذي أغلقوا محله بمثابة ضربة المروحة التي ستعلن مرحلة مناهضة دولة الشناقة وحكومة البزناسة ومؤسسات السمسرة؟ هل ستكون صرخة هذا الزاهد بمثابة القشة التي تقصم ظهر تجار الظلام الذين نفذوا إلى دواليب الدولة وتنقيتها منهم تماما كما ينقي الولي المربي نفوس مريديه؟ إن المعرب الدولة أصبح في أمس الحاجة إلى من يخلصه من مرض الجشع والاحتكار واللهطة التي أصابت مسؤوليه، وهذا لن يتم إلا بإعلان الصيام ثم الصيام ثم الصيام حتى ترخص الأثمان، هم حرمونا من سلع فلنحرمهم من جيوبنا. فإذا كانت غزة قد صمدت تحت القصف سنة وأربعة أشهر، فباستطاعتنا أن نصوم على السلع التي تقصفنا بأسعارها حتى تضع الحرب أوزارها وتفيء الدولة إلى أمر الله، فإن فاءت أعلنا ظهور هلال شوال واستأنفنا العودة إلى السوق التي نحن ملوكها كما يقول المثل الفرنسي le client est roi.
لكن قبل هذا وذاك، ألا يستحق ما قام به الزاهد الصغير عبد الإله المراكشي من الحاضنة الشعبية والمنظمات الحقوقية والنقابية والسياسية والاجتماعية تضامنا قويا يحميه من جهة، ويشجع على توسيع دائرة الفضح من جهة أخرى، عوض أن نتركه وحيدا وهو الذي ضحى من أجلنا، فلا يليق بنا أن نقول له إنا لن ندخل معركتك مع عصابة السوق، إن في السلطة قوما جبارين تماما كما قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون” بل من واجب كل الهيئات المجتمعية المعنية ومن واجب الحاضنة الشعبية أن تقول بكلمة واحدة “إنا معك متضامنون ومساندون ومواجهون ومقاومون…”. فلا يجوز لنا كلما اشتعلت شمعة نضال ومقاومة أن نتركها تنطفئ كما فعلنا مع محسن فكري سماك الحسيمة الذي طحنته يد الفساد والطغيان داخل حاوية أزبال، بل إن من واجبنا أن نلتف حولها ونجعلها وقودا لشموع أخرى حتى نقضي على ظلام الفساد والاستبداد.
إلى ذلك الحين، كل التحية والتقدير للزاهد عبد الإله المراكشي الرجل الثامن بعد سبعة رجال في مدينة مراكش الذي قام في وجه الشناقة والسمسارة، فصرخ وفضح نافخي كير الأسعار، وتحمل كل الضغوطات حتى ضحى بحانوته، لا لشيء إلا ليقول للمغاربة من هنا الطريق نحو تخليص الأسعار من سعار المضاربات، إما ترخيص السلع وإما الصيام عنها. رأينا ما فعله فرد واحد لوحده، زعزع إمبراطورية الشناقة والبزنازة والسمسارة وقطاع الجيوب، فماذا لو قام ولو ربع الشعب؟ أكيد سيختفي كل جردان تشناقت وستبتلعهم الأرض، كما ابتعلت ماءها زمن نوح عليه السلام، فهلا ركبنا سفينة المقاومة والتصدي التي تقينا من طوفان الأسعار الذي لم تقلع سماؤه، هذا نداء فمتى ستكون الإجابة؟





