فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية
يوماً بعد يوم، يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نفسه في موقفٍ أصعب، محاصراً بين ضغوط سياسية داخلية، وخلافات عسكرية، وإدانات دولية. وتكشف التوترات بين أطراف من حكومته ورئيس الأركان، إيال زامير، عن انقسام عميق بشأن إدارة الحرب على غزّة واستمرارها، وفي وقتٍ يُطلب من نتنياهو موقفٌ عملي ليواجه جبهات الرفض العريضة التي اصطفّت في وجهه، يذهب إلى نهاية شوط التطرّف الذي يعبّر عنه جناح الحكومة الأكثر تشدّداً، فينادي باحتلال كامل لقطاع غزّة، ويذهب إلى ما بعد غزّة بالحديث عما سمّاها “إسرائيل الكبرى”، وهي عبارة تنطوي على تجاوز حدود الدولة مع بعض البلدان المجاورة والتي تحتفظ مع إسرائيل بمعاهدات سلام، وتتضمّن أيضاً وضع اليد على الضفة الغربية بذرائع دينية ذات أصل توراتي.
يحاول نتنياهو أن يرسم صورة لنفسه قائداً يكافح للحفاظ على مصلحة شعبه، ويستخدم من أجل ذلك أجندة عدوانية تجاه الغير، فيتهم جهات متعددة في العالم بالتحريض ضده، منها دول إقليمية، ويوسّع المدى ليصل إلى حليفه القوي في الولايات المتحدة، فيتهم أطرافاً ومنظّمات يسارية داخلها، بالتآمر عليه، ويعلن خططاً لا تلقى استساغة حتى في الداخل الإسرائيلي، لكن ائتلافه اليميني المتطرّف يستمر في الضغط لتوسيع العمليات العسكرية واستمرارها من دون أفق زمني، كأن الحرب بذاتها تشكل هدفاً نهائيّاً، ولا تريد لها هذه الجهات أن تتوقف، مع غضّ النظر عن حالة المحتجزين الإسرائيليين الذين ما زالوا في قبضة حركة حماس. تواجه هذه الاستراتيجية مقاومة من رئيس الأركان، الذي أعرب عن مخاوفه بشأن استنفاد قدرة الجيش وكثافته، ونقص القوى العاملة في المجتمع الإسرائيلي. يتحدّث زامير بلغة عسكرية واضحة، ويقول بدقّة إن الهجوم لم يعد مُجدياً، ولا بد من خططٍ بديلةٍ لتحقيق الهدف النهائي، طلب زامير زيادة جاهزية القوات ومنحها وقتاً للتعافي بعد خوضها معارك لم تتوقّف منذ سنتين، وهي طلباتٌ مهنيةٌ ووجيهةٌ، ولكنه لاحقاً قَبِل بمشروع توسيع الحرب بشروطٍ تخفيفية، بعد تهديدات بإقالته، في وقتٍ يخضع فيه نتنياهو نفسه لتهديداتٍ من النوع نفسه، إن قرّر متطرّفون لديه الانسحاب من الحكومة، وعندها سيجد نفسه وجهاً لوجه أمام محاكمات الفساد.
تحتاج خطة السيطرة على قطاع غزّة وإنهاء كلّ ما يتعلق بحركة حماس إلى ترتيبات لوجستية ونفقات مادية كبيرة. ويرى نقاد أنها ذات أهداف أيديولوجية وليست أمنية بحتة، ما قد يطيل أمد الصراع، ويستنزف موارد إسرائيل وسمعتها الدولية. كذلك فإن نزاعات وزير الحرب، يسرائيل كاتس، مع زامير بشأن تعيينات عسكرية تسلط الضوء على العلاقة المتوتّرة بين الحكومة والمؤسّسة العسكرية، واعتماد نتنياهو على حلفاء يمينيين متطرّفين للحفاظ على ائتلافه يقوده إلى إعطاء الأولوية لمطالبهم المتشدّدة على حساب مخاوف الجيش الاستراتيجية. على المستوى الدولي، واجهت سياسات نتنياهو انتقاداتٍ حادّة مع تدفق مشاهد الدمار والمجاعة بسبب القيود على المساعدات الغذائية لسكان غزّة، فتقرّر ألمانيا تقييد مبيعات الأسلحة لإسرائيل وتطاول الحكومة انتقادات كبيرة من دول أوروبية مع بريطانيا. ويشكّل هذا عزلاً سياسياً يزيد من إحراج نتنياهو داخلياً، وتوضع خططه العسكرية محلّ تساؤل من جنرالاته، فيلوذ بنفسه للانكماش على تحالفه السياسي الهشّ مصرّاً على الحلول القتالية، التي يصوّرها ضرورية ولا بد منها، بشكل يناقض الصفقة التي ما زالت تعمل عليها كل من قطر ومصر، ويذكّر بها ترامب بين فترةٍ وأخرى، لوضع إطار للتفاهم على إطلاق سراح جميع المحتجزين وإنهاء الحرب. يقول نتنياهو إنه لو أراد ارتكاب إبادة جماعية، فإنه يستطيع تدمير غزّة وتسويتها بالأرض في يوم واحد! وهو الأمر الذي لم يفعله، ليس بسبب أخلاقياتٍ يحاول التلميح إليها، فهو يعطّل كل الحلول المقترحة ويستمر في الحرب، ولكن لإنقاذ فترة ولايته المضطربة، ويطوّر، في الوقت نفسه، أساليبه للتعامل مع الضغوط الداخلية المتزايدة عليه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف