ماذا بقي لدى حزب الله؟

إيطاليا تلغراف

 

 

 

فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية

 

اتّخذت الحكومة اللبنانية قراراً غير مسبوق بتكليف جيش البلاد وضع خطّة لنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام الحالي (2025). وجاء القرار نتيجة مجموعة من التغيرات الإقليمية الحادّة التي أطاحت المحور الإيراني، وتغيّر وجه النظام اللبناني بمجيء الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام، وبدا النظام الجديد ترجمةً لرغبة شعبية واسعة ضاقت ذرعاً بمخالفات جسيمة، تمثّلت بوجود حزب الله الذي أعاق التنمية وضيّق الهوامش السياسية.
وافق نواب حزب الله على انتخاب عون، وعلى حكومة سلام، مع علمه بالبرنامج الذي أتيا على أساسه، والقائم على إرساء قواعدَ جديدة، في مقدّمتها التخلّص من التهديد العسكري الداخلي لحزب الله، بعد أن سقطت ادّعاءاته المقاومة، وخسر بشكل فادح في آخر مواجهة له مع العدو. اعتبر حزب الله قرار سحب سلاحه “خطيئةً كُبرى”، تهدف إلى إضعاف لبنان أمام إسرائيل، ودعا الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، في خطابه الثلاثاء الماضي، الحكومة اللبنانية إلى “عدم إضاعة الوقت في العواصف التي تثيرها الإملاءات الخارجية”.
كان حزب الله، الذي تأسّس في ثمانينيّات القرن الماضي بدعم من إيران، ولا يزال الفصيل الوحيد المحتفظ بسلاحه بعد اتفاق الطائف، الذي انتهت الحرب الأهلية على أساسه، وشكّل هذا السلاح على الدوام حالة انقسام سياسي داخل لبنان، يراه خصومه أداةً لتقويض سيادة الدولة، تعطي قيادات الحزب نفوذاً وهيمنةً على القرار الداخلي، بالإضافة إلى أنه يورّط لبنان في حروب خارجية مع الجوار، وقد تقوى هذا الطرح بعد الحرب التي شنّتها إسرائيل العام الماضي على جنوب لبنان، وأدّت إلى مقتل زعيم الحزب، وعدد كبير من قادته، وتدمير جزءٍ ضخمٍ من ترسانته العسكرية. كذلك تعطّلت خطوط إمداده من إيران عبر سورية، بعد ذلك تحفّزت (على ما يبدو) المطالبات الدولية، وخصوصاً الأميركية، بسحب السلاح من الحزب من طريق الدولة اللبنانية.
يصرّ الحزب على أن سحب سلاحه يُسقط سيادة لبنان ويخدم مصالح إسرائيل، لذلك اعتبر أن القرار “غير موجود”، وانسحب وزراؤه ووزراء حركة أمل من جلسات الحكومة احتجاجاً على القرار. ويبدو أن ثمّة شرخاً عميقاً أحدثه الحزب بين حاضنته الشعبية وبقية المجتمع اللبناني، الذي يبدو متجمّعاً حول دعم القرار بسحب السلاح. صعّد حزب الله موقفه بسرعة، وأوحى بأن أيّ محاولة “تعدٍّ” على سلاح الحزب سيكون التعامل معها هجوماً على طائفةٍ بعينها، وهو يريد بهذا الردّ تحويل الموقف السياسي الصرف مهاترةً طائفيةً فارغةً ويحاول جرّ كل شيعته وراءه، فشهدنا تجييشاً شوارعياً لأنصاره، بحشد أكبر قدرٍ من الدراجات النارية التي يرتدي أصحابها القمصان السوداء تجوب في شوارع بيروت.
يستخدم الحزب ورقةً تبدو سياسيةً ليعزّز من موقفه بالادّعاء أن سلاحه يمكن أن يعوّض عن نقص تجهيز الجيش اللبناني وضعف تدريبه وقلّة كفاءة مقاتليه، ويحاول القول إن هجمات إسرائيل المتكرّرة كانت ستؤثّر بشكل أكبر وأكثر تدميراً لولا وجود الحزب، ولكن هذا الادّعاء لا تعكسه الاعتداءات اليومية التي تحصل من دون أيّ ردّ عليها.
لا تعطي إسرائيل للبنانيين فترةً مستقطعةً للتفكير بهدوء، فتواصل خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وتهدّد بشكل متكرّر بتصعيد عسكري، فهي لا تريد تكرار ما حدث بعد حرب تمّوز (2006)، عندما تنصّل الحزب من التزاماته التي وقّعها، ورفض التراجع أو تسليم سلاحه، لذلك تستمرّ بالضغط، ويضع اقتراح توم برّاك بشكل صارم المواعيد النهائية للتنفيذ.
قد يلجأ الحزب إلى تعطيل عمل الحكومة أو تعطيل البرلمان، إذ يمتلك مع حلفائه كتلةً سياسيةً، ويستطيع تحريك مناصريه لإثارة الفوضى في الشوارع، لكن هذه الورقة ليست مستدامة، فقد يصبح من الصعب على الحزب الاستعراض خارج بيئته، إذ يبدو أن القرار اللبناني ذو عمق شعبي أيضاً. ويمكن لهذا الأمر أن يخلخل حاضنته ذاتها، ويجعلها تنتقل بالتدريج إلى مكانها الطبيعي ضمن المجتمع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...