مصحة خاصة بالمغرب… حيث يتحول العلاج إلى استغلال ممنهج

إيطاليا تلغراف

 

 

 

عبد الكريم الخطابي 

 

في الوقت الذي تتحدث فيه السلطات المغربية عن إصلاحات كبرى في قطاع الصحة، وعن تحسين جودة الخدمات الطبية، ما زالت شهادات المواطنين تكشف واقعًا مختلفًا تمامًا، يُنذر بالخطر ويعكس هشاشة المنظومة الصحية، سواء في القطاع العام أو الخاص.

توصلتُ، بوصفي متابعًا للشأن الاجتماعي والصحي، برسالة مؤثرة من مواطن مغربي يقيم في الداخل، حكى فيها تفاصيل صادمة عن المعاناة التي عاشها والده مؤخرًا داخل إحدى المصحات الخاصة، حين كان يحتاج إلى عملية بسيطة في المسالك البولية.

القصة بدأت حينما تم التوجه إلى مصحة خاصة معروفة، بعد الاتفاق المسبق على التكلفة الكاملة للعملية، والتي تم تسديدها قبل دخول المريض. كانت العملية بسيطة، تتطلب مبيتًا لليلة واحدة فقط، لكن المفاجأة كانت صادمة صباح اليوم التالي، حين طالبت إدارة المصحة العائلة بمبلغ إضافي كبير، تجاوز نصف ما تم دفعه مسبقًا.

عند الاستفسار عن السبب، كانت الإجابات شفهية ومتضاربة: “البنج، الباراسيتامول، المراقبة الليلية، تخطيط القلب، المبيت، والسكانير”، علماً أن فحص السكانير لم يُجرَ أصلًا. وعندما طلبت العائلة ورقة تفصيلية بالمصاريف، تم رفض الطلب، وتمت مطالبتهم بالدفع الإجباري قبل السماح بخروج المريض.

الأدهى من ذلك، أن المريض عانى لساعات من الألم بعد العملية لأن كيس الباراسيتامول الوريدي تم تعليقه دون فتحه، وظل يتألم ثلاث ساعات دون تدخل، حتى انتبهت الممرضة لاحقًا. أما التغذية، فكانت شبه منعدمة. لم يحصل على وجبة كاملة لأكثر من 24 ساعة، ولما سُئلت الممرضة عن وجبة العشاء، أجابت العائلة: “واش جبتي ليه شي حاجة؟”، وكأن المريض في بيت ضيافة وليس داخل مؤسسة طبية مؤدى عنها.

صرخة من مواطن مغربي: من يحمي المرضى؟

صاحب الرسالة لم يطلب سوى إيصال واضح بتفاصيل المبلغ المدفوع. فكانت النتيجة: إيصال ورقي بسيط يحمل فقط “المبلغ الإجمالي”، دون تفاصيل أو تبرير. وعندما طالب العائلة بالحصول على تفاصيل مكتوبة، قوبل الطلب بالرفض والتسويف.

هذه الشهادة، التي لا تختلف كثيرًا عن عشرات الشهادات الأخرى التي تصلنا من مواطنين في مختلف مدن المغرب، تطرح سؤالًا جوهريًا:
من يراقب المصحات الخاصة؟ ومن يحمي المرضى من الاستغلال والتجاوزات؟

غياب المراقبة، وانعدام الرعاية في المؤسسات الصحية

المصحات الخاصة، التي يُفترض أن تكون بديلًا ذا جودة عن المستشفيات العمومية التي تعاني من الاكتظاظ وضعف التجهيزات، تحولت في العديد من الحالات إلى فضاءات تجارية تستغل حاجة المرضى وظروفهم الصعبة، دون حسيب أو رقيب.

ما يزيد الطين بلة، هو غياب واضح لأي رقابة فعالة من طرف وزارة الصحة، وتراخي في تطبيق القوانين التي تحمي حقوق المرضى والمواطنين. بل إن كثيرًا من المواطنين لا يعرفون أصلاً أن لهم الحق في المطالبة بإيصال مفصل، أو في تقديم شكاية إلى السلطات المختصة.

الحق في الصحة: نص دستوري مهجور؟

الدستور المغربي في فصله 31 ينص بوضوح على أن “الدولة والمؤسسات تضمن الحق في العلاج والحماية الصحية”، لكن الواقع يشير إلى هوّة شاسعة بين النص القانوني والممارسة الميدانية.

كيف يمكن الحديث عن كرامة المواطن وحقوقه الأساسية، في وقت يُعامل فيه مريض داخل مصحة خاصة وكأنه مصدر ربح فقط، لا أكثر؟ كيف يمكن القبول بأن يتألم إنسان لساعات، أو يُترك دون طعام أو دواء، فقط لأن أسرته لم “تجلب معه شيئًا”؟

دعوة للمحاسبة والإصلاح العاجل

هذه الشهادة، وغيرها، لا ينبغي أن تمر مرور الكرام. هي دعوة صريحة للسلطات المختصة، وخاصة وزارة الصحة، لإعادة النظر في نظام المراقبة داخل المصحات الخاصة، وتفعيل آليات المحاسبة بشفافية وفعالية.

كما أنها دعوة للمجتمع المدني والجمعيات الحقوقية من أجل التحرك دفاعًا عن كرامة المواطن المغربي، الذي أصبح يواجه المرض والحاجة والابتزاز في وقت واحد، دون حماية مؤسساتية حقيقية.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...