قصة طائر “واقواق” إختار جنوب الدار البيضاء

إيطاليا تلغراف

 

 

 

طلحة جبريل

 

 

ثمة صحيفة يومية تصدر في جبل طارق، باسم “ كورنيكل”. صدرت هذه الصحيفة عام 1801 واستمرت حتى اليوم أي أنها بقيت تصدر وبانتظام مدة 224 سنة.
“جبل طارق” نفسه حكاية طويلة. بقعة لا تتعدى مساحتها سبعة كيلومترات، وعدد سكانه لا يتجاوز30 ألف نسمة، تعد الآن آخر مستعمرة بريطانية على وجه الأرض.
بقيت أتردد على جبل طارق منذ فبراير عام 1982، حيث كنت هناك لتغطية فتح الحدود بين جبل طارق وإسبانيا، وهي حدود ظلت مغلقة منذ عام 1969، عندما قرر حاكم أإسبانيا يومها الجنرال فرانكو “خنق” جبل طارق للضغط على البريطانيين للرحيل. لكن لندن لم تستجب لرغبة رجل مدريد القوي، وظلت جبل طارق دويلة صغيرة تحت رعاية التاج البريطاني. خلال زيارات متكررة إلى جبل طارق تعرفت على محرري يومية “كورنيكل”.
ذات يوم تلقيت اتصالاً هاتفياً من أحد محرري تلك اليومية، يستفسرني عن حكاية مثيرة. كان السؤال يتعلق بخمسة من طيور الوقواق (الكوكو) أطلقت من محافظة “نورفولك” في شرق إنجلترا، بعد أن تم ثبيت قطعة معدنية صغيرة على كل طائر، لرصد حركة هجرتها عبر الأقمار الصناعية من أوربا إلى إفريقيا.
تبدأ الرحلة عادة من إنجلترا خلال الصيف، ليصل الطائر إلى جنوب إفريقيا بعد أسابيع من الطيران، ثم يعود إلى أوروبا في فصل الشتاء أو الربيع أحياناً. ويعتبر الوقواق من أسرع الطيور المهاجرة على الإطلاق. لكن ما علاقتي أنا بهجرة هذا الطائر؟ أعتقد محرر صحيفة “كورنيكل” بأن ما سأقوله يمكن أن يكون مفيداً للمادة الصحافية التي يعتزم كتابتها عن رحلة هذه الطيور، حتى تصل إلى جنوب إفريقيا.
خلال عملية رصد رحلة الطيور عبر القطعة المعدنية التي ثبتت على كل طائر لترسل إشارات للأقمار الصناعية، وهي قطعة مزودة ببطارية شحن تعمل بالطاقة الشمسية بحيث كل ما تعرض الطائر في رحلته لأشعة الشمس يؤدي ذلك إلى شحن البطارية، تبين أن أربعة منها هاجرت معاً وعبرت جميع الدول الأوروبية، ثم حطت لفترة قصيرة في جبل طارق، قبل أن تعبر المضيق نحو شواطئ المغرب.
بعد ذلك افترقت الطيور الأربعة بعد طيران لمدة 70 كيلومتراً، كل واحد ذهب في اتجاه، في حين أن الخامس الذي لم يكن قد بدأ الرحلة معهم في اليوم نفسه، حط في منطقة تقع “حد السوالم” جنوب الدار البيضاء في المغرب، قبل أن ينتقل إلى السنغال. أما الأربعة فإن أحدهم وصل إلى بوركينافاسو، والثاني وصل إلى نيجيريا، في حين وصل اثنان إلى تشاد.
كان سؤال محرر “كورنيكل”. عن حجم المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها طائر الوقواق الذي حط في جنوب الدار البيضاء. قلت لمحرر الصحيفة أنني أرجح ألا يتعرض الطائر إلى مخاطر، لأن صيد الطيور في المغرب ليس شائعاً، على الرغم من أن المغاربة لهم ولع بطيور الزينة والطيور المغردة، لكنهم يحرصون على تربيتها وليس صيدها من البراري.
أختم وأقول إن من أكثر الشرائط السينمائية التي نالت استحسان الناس في زمن مضى، واحد عن سقوط الدكتاتورية العسكرية في اليونان بعنوان “زد” وشريط أميركي كان بعنوان “طار فوق عش الوقواق” وأيضاً “طار فوق عش المجانين”.
تلك كانت قصتي مع صحيفة جبل طارق وطائر “الواقوق”.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...