محمد الوسطاني
شهدت العاصمة المغربية الرباط، مساء الجمعة 7 نونبر 2025، محطة فكرية بارزة، حيث احتضن مقهى “ميلانو” بحي حسان حفل تقديم وتوقيع كتاب “من أجل تجديد التنوير الإسلامي” للفيلسوف المغربي، الدكتور محمد المصباحي، ويأتي هذا اللقاء الثقافي النوعي ضمن فعاليات الاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب.
في مستهل تقديمه للحفل، أكد الصحفي إدريس عذار على الأهمية الرمزية للقاء، مشيراً إلى أن الاحتفاء بالكتاب والفكر الفلسفي يتزامن مع مرور عقد من الزمن على انطلاق الشبكة، وشدد على أن الشبكة رغم إمكانياتها المحدودة والتي لا تتجاوز المنحة الرمزية لوزارة الثقافة التي لا تكاد تغطي نشاط الشبكة السنوي، فقد استطاعت بجهود القائمين عليها وتضحيات أرباب المقاهي الثقافية الوصول إلى أكثر من 35 مدينة مغربية بكل جهات المملكة، بما في ذلك مدن الصحراء المغربية. وأرجع هذا الانتشار الواسع إلى إيمان المشرفين على شبكة المقاهي الثقافية بدور الثقافة كأداة فعالة في تعزيز الانتماء الوطني والهوية الثقافية، وتكريسها ضمن إطار الدبلوماسية الثقافية للمملكة-يؤكد نور الدين قشاني رئيس الشبكة في مداخلته-.
“من أجل تجديد التنوير الإسلامي” : أطروحة العقل والحرية
يُعد الدكتور محمد المصباحي، أستاذ التعليم العالي بقسم الفلسفة بجامعة محمد الخامس، أحد أبرز أعلام الدرس الفلسفي المعاصر، حيث كرس مشروعه الفكري الطويل للتنقيب في إشكالية العقل وتأصيل الحداثة من داخل التراث الإسلامي، وخاصة عبر إحياء فكر ابن رشد والدفاع عن العقلانية. ويأتي كتابه الأخير، “من أجل تجديد التنوير الإسلامي”، الصادر عن دار الأمان بالرباط، ليقدم مرافعة جديدة وجريئة في قلب المشهد الثقافي والسياسي الراهن. ويُعالج الكتاب إشكالية محورية: كيف يمكن إحداث “تنوير إسلامي” يقوم على استعمال العقل وتحرير الذات من كل وصاية، دون قطيعة مع التراث أو الوقوع في فخ التزمت والتقليد؟
يؤكد المصباحي أن التنوير ليس مستورداً غريباً، بل هو ضرورة حتمية لمواجهة “انتكاسة العقلانية” وهيمنة اللاعقلانية التي أصابت الفكر العربي الإسلامي، ويرى أن مشروع تجديد التنوير المعاصر يقوم على مبادئ أساسية، أهمها:
* الإنسية (الذاتية) : التي تعني أن يفكر المسلم بنفسه، وأن يستعيد الإنسان حريته الفردية.
* فصل الدين عن الاستغلال السياسي : ضرورة الحيلولة دون توظيف الدين لأغراض سياسية، وهي خطوة يراها المصباحي جوهرية لإعادة الدين إلى مضمونه التحرري.
الدكتور إدريس هاني: رهان العقلانية في مواجهة اللاعقلانية
أما مهمة قراءة الكتاب والتعليق عليه فكانت من نصيب الفيلسوف الدكتور إدريس هاني، الناقد الحضاري والفكري صاحب الرؤية المعرفية العميقة الذي ترتبط فلسفته بمنهجه النقدي ارتباطاً وثيقاً. كما أن منهجه النقدي يؤسس فلسفته، وهو ناقد للفكر العربي المعاصر، والأيديولوجيات والعلوم الإسلامية، والخطابات الدينية والسياسية ويُعد الدكتور هاني من أبرز المفكرين المغاربة الذين كرسوا مشروعهم النقدي لمقاربة قضايا الحداثة والإصلاح الديني وتجديد الخطاب الإسلامي، وتتجلى رؤيته في مؤلفات محورية مثل: “الإسلام والحداثة: إحراجات العصر وضرورات تجديد الخطاب”، و”محنة التراث الآخر: النزعات العقلانية في الموروث الإمامي”.
وتطرقت مداخلته القيمة حول نص المصباحي المفتوح ذو الزخم المعرفي ككل الكتابات الفلسفية بسؤاله –الفلسفي- عن التنوير، متسائلا عن هذا السؤال الذي طرح في القرن 19عشر، هل هو نفسه السؤال الذي طرح بعد الفجوة أو القطيعة حين أصبحنا نتحدث عن التنوير في ظل الأيديولوجيات العربية المعاصرة؟ وهو السؤال الذي يتلاءم وفكره الذي يتمحور حول مركزية العقل كمنطلق لأي تجديد، وهي الأطروحة التي يتوافق فيها هاني/المتدخل مع المصباحي/المؤلف في ضرورة بعث “التنوير الإسلامي”، وركز في مداخلته بجانب الإجابة عن سؤاله المحوري، على أن التجديد لا يجب أن يكون مجرد إصلاحات سطحية، بل يجب أن يقوم على تحرير العقل من الأنساق الأيديولوجية والتأطيرية التي تغلّف النص الديني، داعياً إلى استئناف القول الفلسفي العقلاني المستنير لمواجهة التزمت والتعصب، وهو ما يجعله الشريك الفكري المثالي لتقديم كتاب المصباحي ومناقشة مفاهيمه.
واختتم الحفل الفكري، الذي أكد مسير اللقاء الصحفي إدريس عذار في نهايته على أهمية نقل الحوار الفلسفي العميق من الأوساط الأكاديمية إلى الفضاء العام وانفتاحه على مختلف الفنون، وذلك بفقرة موسيقية للفنانة التونسية المقيمة بالمغرب فاطمة حسين، ليؤكد بذلك أن مشروع تجديد التنوير، كما يطرحه المصباحي، هو مشروع شامل يلامس العقل والوجدان معاً، في دعوة مفتوحة للحرية والفكر النقدي.





